Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إعدام روح الله زم... أين البقية؟

النظام وصل إلى مرحلة بدأ يفقد فيها ولاء بعض المقربين أو الذين يعملون في الدوائر المغلقة

لم يكن روح الله زم قبل مغادرته طهران إلى أوروبا بعيداً عما يدور في كواليس النظام (أ ف ب)

لم يكن قرار تنفيذ حكم الإعدام بحق الصحافي روح الله زم، المشغّل لموقع "أمد نيوز" على الشبكة العنكبوتية، في اللحظة التي تم بها بعيداً من التصور، خصوصاً في ظل الضغط الشعبي والنفسي والأمني والسياسي الذي يواجهه النظام بعد عملية الاغتيال، التي تعرّض لها رأس البرنامج النووي الجنرال محسن فخري زادة قبل أيام. فالصحافي زم يُعتبر واحداً من أكثر المطلوبين لأجهزة الأمن الإيرانية، ومن الذين استطاعت استدراجهم من أماكن إقامتهم في أوروبا وأميركا، واعتقالهم في دول مجاورة (العراق وتركيا) ونقلهم إلى داخل إيران، وتقديم صورة أن هذه الأجهزة قادرة على الوصول إلى أي من الخصوم والأعداء ومصادر التهديد بسهولة، وترسيخ صورة "اليد الأمنية الطويلة" التي تستطيع توجيه الضربة في أي زمان ومكان بحِرَفية وإتقان، لا تقل عن قدرة أي جهاز دولي آخر، بما يعيد خلط الأوراق في صفوف المعارضة في الداخل والخارج.

"مُفسد في الأرض"

لا شك أن زم الذي نُفّذ بحقه حكم الإعدام بصفته "مُفسداً في الأرض" ويهدد المصالح القومية والأمنية للبلاد، لم يكن قبل مغادرته طهران إلى أوروبا وإطلاقه قناته الإخبارية، بعيداً مما يدور في كواليس النظام من صفقات وتبادل مصالح وصراعات وحروب على السلطة، التي لا تعرف أو تلتزم بحدود أخلاقية أو إنسانية. فهو ينتمي إلى بيت معروف في تاريخ "الثورة"، فوالده محمد علي زم من رجال الدين المعروفين ما قبل الثورة، ولعب دوراً بارزاً في قيادة الحركة الاعتراضية والتظاهرات الشعبية ضد نظام الشاه، وكان أحد القنوات التي يعتمد عليها علي أكبر هاشمي رفسنجاني كحلقة وصل بينه والحركة الاعتراضية. ثم تنقّل بعد "الثورة" وقيام "النظام الإسلامي" في مناصب ثقافية وسياسية وقضائية عدة، التي تخضع في معظمها لإشراف "بيت" المرشد الأعلى للنظام وبموافقة منه، ما جعله شخصية لا يمكن تجاوزها في أي محاولة لتأريخ الأنشطة الثقافية والفكرية للثورة، خصوصاً في العاصمة طهران ومحيطها.

وكغيره من المجتمعات (ظاهرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وعائلته أخيراً وحكم العائلات في أوروبا)، فإن العلاقات الاجتماعية والسياسية تُعتبر جزءاً من الإرث الذي ينتقل من الآباء إلى الأبناء، وهي ظاهرة تزداد وضوحاً وأثراً في المجتمع الإيراني عامة، وفي الأوساط الدينية خصوصاً، إضافة إلى ما في هذه العلاقات من مصالح متداخلة تعتبر ركيزة ومدخلاً لتوسيع الأعمال الاقتصادية والمالية، إلى جانب النفوذ داخل المؤسسات الإدارية وصولاً إلى أعلى سُلّم القرار السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي، وهو ما ولّد في إيران ظاهرة باتت تسمّى في الأدبيات السياسية والشعبية بـ"أولاد الساده-آقازادهها"، الذين يتوفرون على الكثير من المقدرات المالية والاقتصادية والسياسية، حققوها جراء الامتيازات التي أمّنتها لهم مواقع آبائهم في السلطة، ما سمح لهم بتشكيل طبقة اجتماعية خاصة مميزة عن عامة الناس، بما فيها من نفوذ ورفاهية تكاد تكون مُحرّمة على الآخرين. ولم يكن زم الابن خارجاً عن هذه القاعدة بحكم ما يتمتع به والده زم الأب من علاقات ونفوذ، فضلاً عما يوفّره له انتماؤه إلى المؤسسة الدينية من سلطة واسعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مصادر المعلومات

شبكة العلاقات التي واكبها زم الابن من خلال مرافقته لوالده، سمحت له ببناء علاقات واسعة مع عدد من الشخصيات والأفراد الذين يشغلون مناصب حساسة، ويشكلون مفاتيح ومصادر معلومات في مختلف المجالات، عمل على توظيفها للحصول والوصول إلى المعلومات التي لم يكن قادراً على تحصيلها مباشرة وبمفرده، خصوصاً أن نشاطاته الإعلامية الفضائحية "المعادية" المباشرة لم تبدأ إلا بعد خروجه من إيران، وطلبه اللجوء السياسي وتوفير الحماية الأمنية له.

من هذه النقطة، يصبح السؤال عن مصادر المعلومات التي كان يحصل عليها زم سؤالاً مشروعاً ومطروحاً، فإذا كان قادراً على الحصول على هذا الكم الهائل من المعلومات الأمنية والعسكرية، وتلك التي تتعلق بتحركات وتنقلات قائد قوة القدس في حرس الثورة وحاكم الإقليم الجنرال قاسم سليماني، وتمريرها إلى أجهزة الاستخبارات الدولية، خصوصاً الـ"سي أي إيه"، ويتمتع بنفوذ واسع داخل المجتمع الإيراني يسمح له بتحريك الشارع وتنظيم التظاهرات والاعتراضات الشعبية، التي تهدد استقرار النظام وتساعد على القضاء عليه في إطار المخططات الأميركية للإطاحة به، فمن أين كان يحصل على هذه المعلومات؟ وما هو موقع الأشخاص الذين شكلوا مصدرها في هرمية السلطة، والوظائف التي تسمح لهم بالوصول إليها؟

هل هو الخائن الوحيد الذي يستحق الإعدام؟ مع التحفظ الكبير على "عقوبة الإعدام" وإن كانت في المفهوم الديني وبعض الأنظمة الوضعية جزاء قانونياً لفعل الخيانة، وهل أن اعتقاله ونقله إلى داخل إيران ساعد في الكشف عن حجم الاختراق الأمني داخل منظومة السلطة ومن المفترض أن تنال عقابها؟ أم أن الإعدام جاء بهدف السعي لإقفال الملف وتحميل زم مسؤولية كل الاختراقات والترهل والإخفاقات الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها النظام، بالتالي وقف تدحرج كرة الأسماء المتورطة معه، التي لا شك أنها ستكون واسعة وتطال كثيرين وتكشف عن مدى الضعف الذي يقاسي منه النظام في الحفاظ على ولاء العاملين في إدارته ومراكزه الحساسة؟

النظام يفقد ولاء بعض المقربين

وبغض النظر عن قدرة زم في الوصول إلى مصادر المعلومات ومن داخل إدارات ومؤسسات الدولة والنظام، الأمنية والعسكرية والسياسية، وصولاً إلى داخل "بيت" المرشد، فإن الجهات التي تعاملت معه وشكلت مصادر له، تثير علامة استفهام عن الأسباب التي دفعتها إلى هذا الأمر، لا سيما أن بعضها وبحكم المواقع أو الجهات التي تعمل معها أو على اتصال بها، لا تجعلها (لهذه الشخصيات) في معرض الابتزاز المالي، حتى زم نفسه لم يكن يواجه كغيره من غالبية الشباب الإيراني أزمة اقتصادية أو معيشية أو وظيفية، ما يعني أن خيار الذهاب إلى تسريب المعلومات والأسرار لدى هؤلاء يأتي عن قناعة بذلك وفعل إرادة، قد يكون السبب فيها أو لها محاولة انتقامية أو انهيار قناعتهم بالنظام وسياساته وقياداته، حتى لدى الأشخاص الذين سرّبوا معلومات عن البرنامج النووي الذي يعتبر مشروعاً قومياً، وقدّموها إلى جماعة "مجاهدي الشعب" بحسب الرواية الرسمية، من دون أن تكون لديهم ارتباطات تنظيمية مع هذه الجماعة، ما يعني أن النظام وصل إلى مرحلة بدأ يفقد فيها ولاء بعض المقربين أو الذين يعملون في الدوائر المغلقة، التي من المفترض أنها تشكل البنى التحتية والأساسية التي تقوم عليها السلطة ومشروعها. كل ذلك قد يستدعي من القيادة إعادة تقويم آليات عملها في قيادة الحياتين السياسية والاجتماعية، وما أدت إليه من ضرب أسس الهوية القومية التي ترتكز على الجغرافيا والثقافة والدين- المذهب، والتي أسفرت عن تراجع الوازع الوطني والديني الذي سمح بحصول هذه الخروقات وبروز ظاهرة "زم" التي لن تنتهي بإعدامه أو عنده.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل