Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحقيق في انفجار مرفأ بيروت يتخذ منحى غير مسبوق ويثير عاصفة سياسية

ما لم يتمكن حسان دياب من القيام به منذ توليه مهمة رئاسة الحكومة حصل بفضل الادعاء عليه

قاض لبناني يتهم رئيس الوزراء ووزراء سابقين بالإهمال في انفجار مرفأ بيروت (رويترز)

بعد مرور 4 أشهر على انفجار مرفأ بيروت وفي خطوة غير مسبوقة، تجرّأ المحقق العدلي القاضي فادي صوان وطال "الكبار"، فادعى بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص، على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وهو لا يزال يمارس مهامه في السراي، وعلى ثلاثة وزراء سابقين.

اثنان من الوزراء الثلاثة من "حركة أمل" ومن المقربين من رئيس مجلس النواب نبيه بري وهما وزير المال السابق علي حسن خليل ووزير الأشغال السابق غازي زعيتر، وتم الادعاء أيضاً على وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس المقرب من رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية وصلة الوصل بينه وبين حزب الله. ولم يكتف صوان بالادعاء بل حدد سريعاً مواعيد جلسات استجوابهم كمدعى عليهم، وعُلم أنها أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من الأسبوع المقبل وستبدأ من السراي الحكومي، مقر رئاسة مجلس الوزراء، لاستجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال، على أن يستجوب الوزراء السابقين في مكتبه في قصر العدل.

صوان يستثني الحريري وميقاتي وسلام 

ادعاء صوان أتى بمثابة القنبلة، لا سيما أنه وعلى قاعدة الكيل بمكيالين شكل الرد المباشر على الإهانة التي كان تعرض لها على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري متهماً إياه بالجهل في الدستور بعدما دعاه إلى تعلم القراءة. فمنذ حوالى الأسبوعين حاول القاضي صوان المرور عبر مجلس النواب للادعاء على رؤساء حكومات سابقين ووزراء، لصفتهم النيابية، تعاقبوا على رئاسة مجلس الوزراء منذ عام 2013، تاريخ تخزين نيترات الأمنيوم في المرفأ، حتى حصول الانفجار في الرابع من أغسطس (آب)، وراسل صوان مجلس النواب على اعتبار أنه وعبر المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو صاحب الصلاحية في تبيان مدى مسؤولية الرؤساء السابقين سعد الحريري ونجيب ميقاتي وتمام سلام حيال الانفجار، إلا أن الرسالة حينها أغرقت في الشكليات، فكان الرد على مخالفتها الدستور من دون المضمون، فأتى رد رئيس مجلس النواب قاسياً على صوان الذي بحسب بري لم يراع القوانين والأصول المنصوص عنها في الدستور اللبناني، والتي تمنع قاضياً من أن يخاطب مجلس النواب مباشرة بل من خلال وزير العدل. لم يتجاوب مجلس النواب مع رسالة صوان فلجأ القاضي إلى ما كان يخطط لتنفيذه وفق القوانين المرعية وأصدر قرار الادعاء مستثنياً في هذه المرحلة الحريري وسلام وميقاتي ووزراء آخرين وردت أسماؤهم في رسالته إلى مجلس النواب. 

دياب: لن نسمح باستهداف موقع رئاسة الحكومة

كان رئيس حكومة تصريف الأعمال منهمكاً في لقاءاته في السراي الحكومي عندما أعلم بخبر الادعاء عليه. أول تعليق كان باستغراب القرار القضائي قبل أن يضعه في خانة استهداف موقع رئاسة الحكومة، في محاولة لشد العصب السني، وقد نجح في ذلك حين أعلن أنه "مرتاح الضمير وواثق من نظافة كفه وتعامله المسؤول والشفاف مع ملف انفجار مرفأ بيروت .وقال "استغرب هذا الاستهداف الذي يتجاوز الشخص إلى الموقع"، مؤكداً أنه "لن يسمح باستهداف موقع رئاسة الحكومة من أي جهة كانت". ولاحقاً أصدر مكتبه الاعلامي بياناً أوضح فيه أن "المحقق العدلي القاضي فادي صوان تبلغ جواب دياب على طلب الاستماع إلى إفادته، مؤكداً أنه رجل مؤسسات ويحترم القانون ويلتزم الدستور الذي خرقه صوان وتجاوز مجلس النواب، وأن الرئيس دياب قال ما عنده في هذا الملف ونقطة على السطر".

انتقائية صوان تغضب السنة وبري

ما لم يتمكن دياب من القيام به منذ توليه مهمة رئاسة الحكومة، وهو اعتراف الأغلبية السنية به رئيساً في السراي الحكومي، حصل عليه بفضل ادعاء القاضي صوان. فعلى خلفية الانتقائية في اختيار المدعى عليهم، اعترض كثيرون. الانتقاد الأوضح والمباشر على القرار القضائي، كان لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الذي غمز من قناة رئيس الجمهورية ميشال عون مغرداً: "لا تستقيم العدالة بمكيالين وحق ذوي ضحايا المرفأ معرفة الحقيقة ومحاسبة الضالعين في الجريمة، فكيف يمكن اعتماد الانتقائية في الملاحقة وإغفال ما قاله رئيس الجمهورية من أنه قرأ التقارير التي تحذر من وجود مواد خطرة بالمرفأ. الحق كل لا يتجزأ وليس استهداف أشخاص بعينهم افتراء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اللقاء التشاوري الذي يرأسه النائب فيصل كرامي والذي يضم نواباً سنة، ذهب أبعد من ميقاتي متحدثاً عن شبهة المس بموقع رئيس مجلس الوزراء. وفي البيان الذي أصدره اعتبر أن "قرار المحقق العدلي القاضي فادي صوان استجواب رئيس الحكومة حسان دياب كمدعى عليه بجرم الإهمال والتقصير في مجزرة انفجار مرفأ بيروت هو قرار مريب ومشوب بكثير من الخفة والارتجال". واعتبر اللقاء التشاوري أن "استهداف دياب من دون سواه فيه الكثير من الانتقائية والكيدية ويبطن شبهة المس بموقع رئيس مجلس الوزراء". وانضم إلى المدافعين عن رئيس الحكومة عدد من الوزراء أعضاء حكومته وفي مقدمهم وزير الداخلية محمد فهمي الذي علق بالقول: "الرئيس دياب صرلو (له) بالقصر من مبارح العصر... اللهم صوّب بوصلة القضاء فالعدل ملح الإرض وأرواح ضحايا جريمة المرفأ والجرحى واللبنانيين أجمعين بانتظار العدالة". 

وفيما لم يصدر أي تعليق مباشر من قبل رئيس مجلس النواب المستهدف عبر الوزيرين المقربين منه علي حسن خليل وغازي زعيتر، عُلم أن زعيتر سيعقد مؤتمراً صحافياً في مجلس النواب للرد على قرار القاضي صوان، واستغربت مصادر مقربة من حسن خليل القرار، معتبرة أن وزير المال لا علاقة له بالمرفأ وبإدارته، وتوقفت عند الاستنسابية التي اعتمدها صوان، وسألت لماذا وقع الاختيارعلى ثلاثة وزراء فقط فيما حُكي عن 13 وزيراً تعاقبوا طوال السنوات الست الماضية على الأشغال والعدل والمال، وسألت مصادر مقربة من الوزراء المتهمين كيف حدد القاضي صوان المسؤوليات وعلى أي أساس؟

مجلس القضاء الأعلى يتبنى قرار صوان

في توقيت ملفت، أصدر مجلس القضاء الأعلى بياناً شرح فيه مسار التحقيقات في المرفأ حتى الآن، وتزامن مع قرار القاضي صوان الادعاء على رئيس حكومة ووزراء، وشكّل تبنياً لقرار صوان. موقف مجلس القضاء الأعلى لا يمكن فصله عن اللقاء الذي جمع وفداً منه مع رئيس الجمهورية الاثنين، حيث دعاهم عون إلى تفعيل العمل القضائي وحثهم على عدم وجوب أن تبقى الاتهامات التي توجه إلى المسؤولين من دون متابعة. وأكد بيان صادر عن المجلس أن "التحقيق في انفجارالمرفأ يتم بدقة وتأنٍ، مع ما يتطلّبه ذلك من احترام الأصول القانونية والعلمية التي تحكم هذا النوع من الجرائم"، ووصف البيان ما تتداوله وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من تصريحات وتحليلات، هو في أحيان كثيرة غير صحيح وغير دقيق" . 

البيان الذي حمل اتهاماً مبطناً بتقاعس السلطة التشريعية، ذكّر بمراسلة صوان مجلس النواب وأوضح أن القاضي أرسل كتاباً مرفقاً بمستندات، إلى المجلس النيابي بتاريخ 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اعتبر فيه أنه يتبيّن من التحقيقات الاستنطاقية التي قام بها، وجود شبهات جدّية تتعلق ببعض المسؤولين الحكوميّين، وذلك إفساحاً في المجال أمام المجلس، لممارسة ما تعود إليه من صلاحيات بهذا الشأن، مع احتفاظه، أي المحقق العدلي، بممارسة ما تعود إليه من صلاحيات في الموضوع عينه. وقد تمّ الجواب على الكتاب المذكور في 26 من الشهر نفسه، من قبل هيئة مكتب مجلس النواب، بما مفاده عدم إيجاد أي شبهة بالنسبة إلى الأشخاص الوارد ذكرهم فيه بحسب المستندات المرسلة، وأن المجلس ملزم بتطبيق القانون رقم 13/90 المتعلق بأصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى المنصوص عنه في المادة 80 من الدستور. 

هل يحق لقاض الادعاء على رئيس حكومة؟

يؤكد المدعي العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي، أنه يحق لقاضي التحقيق الأول أن يدعي مباشرة على رئيس الحكومة والوزير لأن لا حصانة لهما، وأن كل ما يملكانه هو امتياز، لأنهما يحاكمان أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ويشرح ماضي أن محاكمة رئيس الحكومة والوزير أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء تتم في حالتين فقط، الأولى، إذا كان الجرم الذي اقترفه رئيس الحكومة أو الوزير من نوع الخيانة العظمى والثانية، إذا كان الجرم من نوع الإخلال في الموجبات الدستورية الملقاة على عاتقه.

لكن جريمة المرفأ بحسب ماضي والمصنفة قانونياً بالجريمة العادية فيحاكم في شأنها الرئيس والوزير أمام القضاء العادي.

لكن ماذا عن حصانة النواب التي يتمتع بها الوزيران المدعى عليهما علي حسن خليل وغازي زعيتر، وماذا أيضاً عن حصانة المحامي، وهي مهنة الوزراء الثلاثة؟ ألا يفترض أن يطلب القاضي رفع الحصانة عنهم من مجلس النواب ومن نقابة المحامين؟

يشرح القاضي ماضي أن طلب رفع الحصانة يجب أن يسبق أي ادعاء بحق نائب أو محام، لكن الاستثناء يكون إذا ارتكب النائب جرمه خارج الدورة التشريعية العادية أو الاستثنائية لمجلس النواب، أو إذا كان جرمه من جرم المشهود، كما حصل مع النائب هادي حبيش الذي ارتكب جرماً مشهوداً في التهجم على القاضية غادة عون في مكتبها. وفي هذه الحالات يضيف القاضي ماضي، يلاحق النائب من دون طلب رفع حصانة.

أما إذا كان المدعى عليه محامياً وارتكب جرماً لا علاقة له بمهنته، أي المحاماة، فعندها يلاحق من دون رفع الحصانة. ويذكّر القاضي ماضي بأنه إذا كان الوزير لديه امتياز المحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء فإن النائب ليس لديه هذا الامتياز.

وتعليقاً على انتقاد قرار القاضي صوان والاستنسابية والانتقائية التي اعتمدها بحيث لم يدّع على رئيس الجمهورية الذي اعترف كما قال الرئيس ميقاتي بأنه أُبلغ بوجود النيترات ولم يتابع القضية، يجيب القاضي ماضي مذكراً بأن الدستور يمنح رئيس الجمهورية الحصانة المطلقة، ومحاكمته في أي جرم ارتكبه، لا تتم إلا أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء، ويشرح ماضي أن القضاء العادي لا يمكن أن يحاكم رئيس الجمهورية في أي من الأحوال، وأن محاكمته لا تتم إلا بعد الادعاء عليه من مجلس النواب وبأكثرية ثلثي الأعضاء.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير