Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطعام في وقت أبكر طريقة مبتكرة لإنقاذ المطاعم الإسبانية

يعتبر الإسبان تناول وجبة العشاء قبل الساعة الثامنة مساء أمراً مستغرباً للغاية

متظاهر يرفع لافتة كُتب عليها "نحن أماكن آمنة" خلال تظاهرة في برشلونة نظّمها أصحاب المطاعم والحانات احتجاجاً على حجر المؤسسات (غيتي)

لو تمشّيتم وسط مدريد ستجدون المساء شبيهاً بأي ليلة صاخبة أخرى، تمتلئ فيها الحانات والمطاعم بروادها من الناس الذين يقضون وقتاً ممتعاً. 

لكن الفارق الآن هو أنه على هؤلاء الرواد الاختفاء مثل سندريلا حين تسيّر الشرطة دورياتها لتفرض تطبيق حظر التجوّل.

أن تطلب من الإسبان العودة إلى منازلهم عند الساعة 11 مساءً والليل برأيهم ما زال فتياً أمر أشبه بلعنة حرمان بالنسبة إلى أمّة لا نهاية لأمسياتها فعلياً.

لكن في مواجهة موجة ثانية من تفشي كوفيد-19 الذي يخرج عن السيطرة، أعلنت الحكومة الإسبانية هذا الأسبوع  حالة طوارئ تدوم ستة أشهر وفرضت حظر تجوّل يومي بين الساعة 11 مساء و6 صباحاً.

وفي محاولة يائسة لإنقاذ قطاعهم، أطلق أصحاب المطاعم هجوماً مضاداً على أمل القيام بما لا يقلّ عن ثورة اجتماعية. أمّا حلّهم فجذري- دفع الإسبان إلى تناول الطعام في وقت أبكر.

وحملة #AdelantaTuCena""- أو تناولوا العشاء باكراً بالعربية- هي فكرة أوستيريليا إسبانيا Hosteleria España، التحالف الذي يمثّل قطاع الضيافة من الحانات والمطاعم والفنادق في كل أنحاء البلد. 

ويأمل التحالف أن ينقذ قطاعاً كان يوظّف قبل حلول الجائحة 1.7 مليون شخص، ويساهم بنسبة 6.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لكنه بات يواجه خسارة آلاف الوظائف. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قالت ماريا دوران من أوستيليريا إسبانيا "يحب الناس أن يشاركوا حياتهم الاجتماعية مع أشخاص في الشارع في هذا البلد، داخل الحانات والمطاعم. إنما نظراً للظروف الاستثنائية، نأمل في أن نُحدث تغييراً انتقالياً في عاداتهم".

"نعلم أنّ الذهاب لتناول الطعام أو الشراب عند الساعة 8 أو 9 أمر نادر الحدوث وقد يبدو غريباً لكننا نناشد الناس أن يساعدوا في إنقاذ جانب من الحياة الإسبانية يُعدّ عزيزاً جداً على قلوب معظمهم".

تخشى السيدة دوران أنه بعد إغلاق الحانات والمطاعم ستة أسابيع في وقت سابق من العام الجاري، قد يؤدي الحظر الجديد إلى خسارة مليون وظيفة إن أغلقت المؤسسات نهائياً. 

يعتبر الإسبان تناول العشاء عند الثامنة مساءً مثلما نفعل نحن البريطانيين أمراً غريباً للغاية لذلك تبيّن أن دفعهم إلى تغيير عادات تناول هذه الوجبة التي اعتادوا عليها طيلة حياتهم مهمّة صعبة للغاية.

يقول فابيو بيرال، صاحب مطعم أميسيس في مدريد "من الصعب جداً تغيير المواطنين الإسبان. سيخرجون عند الساعة 9 أو 9:30 وليس أكثر. ثم نضطر إلى دفعهم خارجاً حين يبدأ الحظر".

“عندما فتحنا المطعم، كان 70 في المئة من عملنا مع السياح لكنهم ما عادوا هنا الآن، وليس لدينا سوى السكان المحليين الذين لا يأتوننا سوى للاستفادة من العروض".

ومع إرغام الزبائن على العودة إلى منازلهم، يبدو الضرر جليّاً على قطاع الضيافة الذي يحقق أغلب مكاسبه ليلاً في مدريد.

يعلن السيد بيرال المولود في ليدز Leeds البريطانية وهو نصف إيطالي ونصف إسباني أنه سرّح عشرة موظفين مؤقتاً. وبات طاقم العمل يقتصر عليه وعلى الطباخ فقط، ستة أيام في الأسبوع.

كما أغلق موزيو دي خامون Museo de Jamon، وهو سلسلة شهيرة من المطاعم في مدريد، فرعين من فروعه.

وفي محاولة لإنقاذ المؤسسة، كانوا يقدمون شطائر لقاء يورو واحد لكن ذلك لم ينجح.

أما المطاعم والحانات في شارعي كاييه مايور Calle Mayor وبلازا مايور Plaza Mayor، وهما من أشهر شوارع العاصمة الإسبانية، فهي إما تصارع من أجل البقاء أو قد أغلقت أبوابها بالفعل.

وتبيّن أن حظر التجول ضربة مضاعفة بالنسبة إلى مطاعم البلد. 

فمعظمها يقدّم قائمة طعام نهارية عند الغداء- وهي وجبة ثلاثية بقيمة مناسبة باعتبارها نوعاً من الخدمة الاجتماعية لكنها لا تدرّ على المؤسسات المال الكثير.

المكسب الحقيقي في المطاعم يأتي من عمل الليل حيث تقدم معظمها قائمة طعام محددة أعلى ثمناً.

يعتقد إغناسيو بيررو، مدير المعهد الثقافي الإسباني في لندن، Cervantes Institute وصاحب كتاب "نأكل ونشرب" We Eat We Drink الذي يتناول موضوع فن الطهي، أن الإسبان سيتضامنون مع هذا الجانب الأساسي من حياة أمّتهم: تناول الطعام خارجاً.  

وقال "كل شخص يعرف أحداً يملك حانة أو مطعماً. فهذا محور حياتنا الاجتماعية كما هو الحال بالنسبة إلى الحانات في بريطانيا". 

"كنا نشتهر بأننا أمة نُدلٍ لكننا الآن من أصحاب المطاعم وحتى في المناطق الريفية حيث كان من الصعب العثور على وجبة محترمة في السابق، أصبحتَ الآن لا تبعد أكثر من 100 كيلومتر عن مطعم حائز على نجمة ميشلان أينما وجدت نفسك".

وأوضح السيد بايرو أن حب الإسبان لارتياد المطاعم في وقت متأخر مقارنة ببقية الشعوب الأوروبية لم يأخذ هذا الشكل سوى في أعقاب الحرب الأهلية الإسبانية بين 1936 و1939، حين فرضت سنوات الركود الاقتصادي على العديد من الناس أن يشغلوا وظيفتين من أجل كسب ما يسدّ حاجتهم.

وكانوا يجدون الوقت لتناول الأكل عندما يفرغون من أشغالهم.

أُرغم جون روكا، أحد مؤسسي المطعم الحائز على نجمة ميشلان "سيلير كان روكا"  Celler Can في جيرونا على إغلاق مؤسسته 15 يوماً مثل الآخرين في كاتالونيا تنفيذاً لأمر السلطات الإقليمية.

وقال لـ "الاندبندنت" "من دواعي سرورنا أن نطلب من زبائننا القدوم لتناول العشاء في وقت أبكر لكننا غير قادرين على فتح أبوابنا في الوقت الحالي".

سُمح لكاتالونيا، كما لبقية السلطات الإقليمية، أن تغيّر في أحكام حظر التجول وغيرها من القيود تبعاً لمستوى الإصابات التي تسجلها.

في العادة، تمتلئ شوارع برشلونة بالسياح الجائعين على مدار السنة.

لكن منطقة باريو غوتيكو Barrio Gótico الشهيرة تحولت إلى شبه مدينة أشباح ليلاً.

وفي منطقة بورن Born، وسط المدينة الرائج، خفّ عمل المطاعم فيما سير العمل بطيء في حي "لا رومبلا" La Rambla، الجادة التي تضج عادة بالحياة وتضمّ مزيجاً من المطاعم الباهظة الثمن وأماكن تقديم الوجبات السريعة.

تعتقد كايت بريستون، البريطانية التي تملك ثمانية مطاعم في برشلونة، أن إقناع الإسبان بتناول الطعام في وقت أبكر لن يكون سهلاً. 

وقالت "إنها فكرة جيدة، لكن حملهم على الجلوس لتناول الطعام قبل الساعة العاشرة مساء يبدو أمراً صعباً".

"قد ينجح في الأماكن التي تقدم مقبّلات لكن إقناعهم بالجلوس لتناول وجبة كاملة سيكون عسيراً".

صُمّم حظر التجول لستة أشهر من أجل منع البلد من السير على خطى فرنسا وإصدار أمر لـ47 مليون مواطن بملازمة المنزل.

لكن ليس ما يُنذر بالخير.

فقد سجلت إسبانيا يوم الجمعة في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 25595 إصابة جديدة، وهو رقم قياسي بالنسبة إليها و140 ألف إصابة جديدة في آخر أسبوع منه.

وارتفعت الحصيلة التراكمية عن حدّ 1.1 مليون حالة لكن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز قال إنها تبلغ ثلاثة ملايين على الأرجح لأن العديد من الإصابات غير مسجل في الإحصاءات الرسمية. وتخطّى عدد الوفيات حد 35 ألفاً.

تقول السيدة بريستون إن عدم توفير الدعم المالي الحكومي خلال الجائحة سيقضي على عدد كبير من المطاعم.

وأضافت "سوف يُفلس الكثيرون. لسنا مُقدَّرين ويُنظر إلينا على أننا ذوو قيمة منخفضة اقتصادياً ويمكن بالتالي الاستغناء عنا".

في مدريد، يقف النُدل خارج المطاعم ليعرضوا قوائم الطعام ولافتات يحاولون من خلالها إغراء الناس بتناول الطعام ابتداء من الثامنة ليلاً. 

© The Independent

المزيد من دوليات