Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أبعد من الانتخابات: محنة الديمقراطية الأميركية

الولايات المتحدة المنقسمة تحتاج إلى لينكولن جديد ليعيد إليها الوحدة الوطنية مع الحفاظ على الخلاف السياسي

الولايات المتحدة الأميركية خسرت سلفاً، بصرف النظر عن الرابح والخاسر في الانتخابات الرئاسية. وليس ما حدث سوى سيناريو "موت معلن" بالتفصيل، استعد له الجمهوريون والديمقراطيون بطواقم من المحامين والخبراء والاستراتيجيين الذين أجروا "ألعاب حرب" لمعارك في المحاكم وفي الشوارع: موت التسليم بنتائج الانتخابات كأنّ أميركا انتسبت إلى العالم الثالث، حيث يعلن كلا المتنافسين الفوز ويتهم المرشح المعارض مرشح السلطة بالتزوير كما في أفغانستان وبلدان أفريقية عدة.

والمفارقة أن من يتحدث عن تزوير الانتخابات في أميركا هو المرشح الجمهوري الرئيس دونالد ترمب، وليس المرشح الديمقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن. ترمب أعلن سلفاً شعار: أفوز في الانتخابات أو تكون مزوّرة. واستبق النتائج بإعلان نفسه فائزاً، وطالب بوقف عدّ الأصوات والتوجه نحو المحكمة العليا. وفي غياب التسليم بنتائج الانتخابات، فإن الديمقراطية تصبح فوضى سوريالية. ويرى المؤرخ والمحاضر في جامعة كامبريدج دانيال لارسن أن "كل الانتقالات الديمقراطية مبنيّة على قبول طرف التنازل عن السلطة لآخر. ومن دون التنازل، فإن القوة تمسك بالسلطة، فإما أن يتحرك الجيش وإما أن تحدث حرب أهلية". لا بل إن لارسن يصف النظام الانتخابي الأميركي بأنه "كسيح". أما مايكل ستنبرغ، صاحب كتاب "الكارثة الأميركية"، فإنه يعتبر توتير الأجواء في المدن استعارة "صفحة من كتاب حريق الرايخستاغ الذي أسهم في وصول هتلر إلى السلطة".

لكن الخطر الأكبر على أميركا القوية هو زعزعة الديمقراطية. فالانقسام مهما يكن حاداً كما هو حالياً، يبقى صحّياً ما دام تحت السقف الديمقراطي. وإذا كانت الديمقراطية هي آلية تنظيم الحرية ومؤسسات الدولة وفن إدارة الخلافات والصراعات سلمياً، فإن أي خلل فيها يقود إلى اختلال الدولة والمجتمع، وبالطبع إلى نظام الغلبة السلطوي الشمولي. وكل قوة أميركا العسكرية والاقتصادية والعلمية تصبح ضعفاً من دون الديمقراطية، ولو بدت الأنظمة السلطوية قوية في الشكل. والقاعدة التي يؤكدها الاستثناء الصيني هي أن المناخ الديمقراطي يبقى الشرط  الضروري للتطور العلمي والازدهار الاقتصادي والإبداع التكنولوجي والفكري والثقافي. ومن المخاطر على الديمقراطية، كما يقول البروفيسور في "هارفرد" دانيال زيمبلات، "تدمير يمين الوسط الذي هو الأقدر على تحجيم التطرف اليميني. وترمب دمّر الحزب الجمهوري الذي لم يعد يمين الوسط بل فانتازيا" تطرف وخرافات ومؤامرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فضلاً عن أن تزوير الانتخابات له أبواب عدة إلى جانب التلاعب بالنتائج. وبين هذه الأبواب "سرقة الانتخابات بالقانون وتجريد الناس من صوتها"، بحسب مؤرخ الديمقراطية الأميركية جون غرينسبان. وبينها أيضاً "حكم الأقلية" الذي طالب زيمبلات مع زميله ستيفن ليفتسكي بإنهائه في مقال نشرته "نيويورك تايمز". وهما ليسا الوحيدين في المطالبة بالانتقال من نظام "الكلّية الانتخابية" إلى نظام الأصوات الشعبية. فالمشكلة في رأيهما هي أن "الدستور مصمم لمنح الأفضلية للأقلية في الولايات الصغيرة. فالديمقراطيون في المراكز الدينية. والجمهوريون في الأماكن الريفية. وهذا يُبقي على الغلبة للجمهوريين في نظام الكلّية الانتخابية. إذا فاز المرشح الديمقراطي بـ2 أو 3 في المئة من الأصوات على الجمهوري، فإن الثاني يربح في الكلّية الانتخابية. ويجب أن يحصل الديمقراطي على 6 في المئة لكي يربح. والواقع اليوم أن هناك أكثرية متعددة الأعراق، لكن تحويلها إلى أكثرية حاكمة مسألة صعبة".

خلال الحملة الانتخابية، قال ترمب لأنصاره: "تذكّروا أن ما ترونه وتقرؤون عنه، ليس ما حدث". والآن، كأنّ الانتخابات لم تحدث. وكأنّ من السهل ربح الانتخابات من دون ثلاثة أسلحة يحتاج إليها الرئيس الذي يريد ولاية ثانية، كما يقول الخبراء: اقتصاد قوي وسياسة خارجية قوية وخصم ضعيف. وإذا كانت المحكمة العليا تستطيع أن تعيد احتساب أصوات ضائعة، فإنها لا تستطيع إعطاء أصوات.

والمسألة في النهاية أن أميركا المنقسمة تحتاج إلى لينكولن جديد ليعيد إليها الوحدة الوطنية مع الحفاظ على الخلاف السياسي. لكن المشكلة هي أن تجد نفسها أمام أندرو جونسون الذي قاتل من أجل "أميركا بيضاء".

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة