Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي رئيس أميركي يفضل المصريون؟

 نقاشاتهم عن الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة لا تخلو من "الإخوان"

الانتخابات الأميركية والاستحقاقات النيابية تشغلان الرأي العام في مصر  (أ ف ب)

الزخم في أوجّه، والحراك في أقصاه، والاهتمام على خير ما يرام، والمتابعة أقل ما يمكن أن توصف به أنها أكيدة وشديدة. آلاف اللافتات المزروعة في كل ركن من أركان الشوارع والأكشاك الدعائية التي لم تترك فكرة خارج الصندوق إلا نفذتها، ومندوبو المرشحين الذين لم يتركوا باباً إلا طرقوه، حيث قلم دعاية هنا أو روزنامة 2021 هناك، مع التأكيد على رمز "الثعلب فهو خير من يمثلكم"، و"الحلزونة صوتكم المسموع"، و"الكابوريا خدماتكم المنجزة بعون الله"، جميعها ينبئ بأن الأجواء الانتخابية على أشدها.

الأجواء والمحتوى

ولولا الفرق البسيط بين الأجواء والمحتوى لتم توصيف الشارع المصري في هذه الآونة بأنه الأعلى مشاركة والأكثر نقاشاً والأعمق تسييساً، فبينما تدور رحى الانتخابات النيابية على مراحل مختلفة في "المحروسة"، حيث اللجان والحملات والتغطيات الانتخابية النيابية مستمرة حتى الأسبوع الأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ينشغل الحراك الشعبي كذلك بملف الانتخابات الرئاسية الأميركية، وكأن المصريين يشمرون سواعدهم للاختيار بين "الحمار" و"الفيل"، حيث المتعة أكبر، والمنافسة أسخن.

الحمار والفيل

شعارا الحزبين الديموقراطي "الحمار" والجمهوري "الفيل" يحظيان بقدر غير قليل من اهتمام المصريين المتابعين للانتخابات الرئاسية الأميركية عن كثب، وحيث إن للحمار مكانة مهمة في الثقافة المصرية تتأرجح بين السخرية من مستوى ذكائه والامتنان لدوره في الحقول والقرى، إضافة لشوارع البلاد حيث ما زال يجول حاملاً الأثقال والأحمال هنا وهناك، فإن "التنكيت" لا يتوقف، ومبدأ "داوها بالتي كانت هي الداء"، هي الأصل في استخدام هذا الشعار الذي لا تهضمه الغالبية بسبب الفروق الثقافية.

نقاش طريف بين رجلين سبعينيين معروفين داخل ناد اجتماعي شهير ألقى بظلال معرفية حول أصل وفصل استخدام الحمار كشعار للحزب الديموقراطي، فقد استخدمه المرشح الرئاسي الديموقراطي عام 1828 كنوع من النكاية في منافسه الجمهوري الذي أطلق عليه مسمى  Jackass "الحمار أو المغفل"، فما كان من الأول إلا أن اتخذه شعاراً له. وبطبيعة الحال، امتد النقاش إلى الفيل المنافس الذي تم اعتماده شعاراً للحزب الجمهوري عام 1874، بسبب رسم كاريكاتوري صور فيلاً مكتوب عليه "التصويت الجمهوري يهرب من الحمار الديموقراطي القبيح". وعلى الرغم من أن "الفيل" لدى المصريين معروف شفاهياً فقط، أو على أحسن تقدير من خلال زيارة حديقة الحيوان، إلا أنه مرتبط بالقوة والجلد وخفة الظل وطرافة الملامح. وقد وجدها الرجلان المسنان المتمنيان فوز الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب فرصة لعمل إسقاطات وإيجاد تشابهات.

قال أحدهما إن الفيل يتعثر أحياناً وتتسم تصرفاته ببعض الطيش، لكن هذا يكون بسبب بنيانه القوي وجسمه الثقيل، لكنه يظل الأقوى والأجدر. وأضاف الآخر سبباً آخر، مردفاً "وهو الأقل ضرراً لنا". الرجلان المعروف عنهما معاداة الإسلام السياسي بجماعاته، وتأييد الأحداث التي جرت في مصر منذ عام 2013 والتي أطاحت بجماعة "الإخوان المسلمين"، وأتت بعبد الفتاح السيسي رئيساً، يربطان بين الحزب الديموقراطي ومن يمثله بغض النظر عن الأسماء، وبين الدعم المطلق لجماعة "الإخوان المسلمين".

الرئيس الأميركي والإخوان

وأمام اعتراض بعض الحاضرين المؤيدين على ما يبدو لمرشح الحزب الديموقراطي جو بايدن، الذين قالوا إن على المصريين أن ينهوا أكذوبة الربط بين الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وبين دعم  "الإخوان"، وأن يعوا بأن "الجماعة" انتهى أثرها وتبدد مفعولها، امتعض الرجلان ليقول أحدهما "إن جماعة "الإخوان المسلمين" لا تموت، فهي تخفت حيناً لتشحن طاقتها، ثم تعاود الهجوم مجدداً، وهي حالياً تأمل في أن تتم عملية إعادة الشحن في حال فاز بايدن".

بايدن وترمب في نقاشات المصريين هذه الأيام كلمتان لا تخلوان أبداً من سيرة "الإخوان". فالجماعة من جهة تأييدها أو التنديد بها، ومحبتها أو كراهيتها، مرتبطة ارتباطاً شرطياً بالحراك المصري الحالي في ما يختص بالانتخابات الرئاسية الأميركية. المؤيدون للجماعة يتمنون أن يغمضوا أعينهم ويفتحوها على احتفال البيت الأبيض بتنصيب الرئيس جو بايدن وخسارة المنافس الذي أوشك على تصنيفها "جماعة إرهابية"، والكارهون المعارضون ممسكون بتلابيب أربعة أعوام إضافية يمضيها ترمب مناهضاً شرساً للإسلام السياسي، ومتحدثاً مفوهاً عن "إرهاب الجماعة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تشابك الخيوط

لكن للجماعة قاعدة شعبية تتشابك خيوطها، حيث الدين متداخل مع التدين، ومتعانق مع الدين، ومرتبط بأنماط وصور ذهنية متوارثة شعبياً، إذ إن معاداة جماعة إسلامية تعني معاداة الدين وكراهية المتدينين بالضرورة.

كريم فوزي (33 عاماً) يبدأ كلامه بالتأكيد "لست من "الإخوان المسلمين" ولا أي جماعة، أنا مسلم فقط. صحيح أنني انتخبت محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، لكنها كانت مجرد محاولة لحماية الثورة والإبقاء على رموز النظام القديم خارج الساحة. أنا كمسلم غيور على ديني لا سيما في ظل الهجمة الشرسة على الإسلام في العالم كله، لا أتمنى فوز ترمب بل أتمنى فوز المرشح الآخر".

فوزي لا يتذكر اسم المرشح الآخر، لكن ما يقوله يتواءم واستطلاع الرأي الذي أجراه مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، وأعلن نتائجه قبل أيام، بأن 71 في المئة من مسلمي أميركا يدعمون بايدن، في حين لم تتجاوز نسبة دعم ترمب بين المسلمين الأميركيين 18 في المئة. وأشار الاستطلاع نفسه إلى أن 42 في المئة من المسلمين المستطلعة آراؤهم قالوا إنهم ليبراليون في توجهاتهم الاجتماعية، في حين أكد 34 في المئة أنهم "محافظون".

يشار إلى أن قطاعاً من المصريين المتابعين للسياسة الدولية يعتبر "كير" كياناً مرتبطاً بجماعة "الإخوان المسلمين"، الأمر الذي تنفيه بين الحين والآخر.

السياسة المصرية والرئيس الأميركي

لكن آخر ما كان يتوقعه المصريون أن يجدوا متابعات إعلامية غربية لها وزنها تبحر في أغوار مصير النظام السياسي المصري في حال خسر ترمب وفاز بايدن، ومآل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن ترك ترمب البيت الأبيض، وأثر فوز بايدن في قطاعات المصريين المعارضة "للإخوان" وجماعات الإسلام السياسي.

تقول مصممة الديكور شيماء المهندس (54 عاماً)، إنها تتابع وسائل الإعلام الغربية الناطقة بالإنجليزية والعربية بشكل مستمر، وفوجئت بعشرات المقالات والتغطيات التلفزيونية التحليلية التي تتناول أثر نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في مصر والمصريين. تقول، "وسائل الإعلام التي كانت تعتبر "الإخوان المسلمين" جماعة سلمية ورئيسها رئيساً مدنياً ومنهجها منهجاً ديمقراطياً، والتي أذرفت الدمع يوم خرج المصريون للتخلص من حكم الجماعة، وتظل حتى اليوم تعتبر الرئيس المصري السيسي قائداً لانقلاب عسكري، هي نفسها التي تتحفنا بمقالات هذه الأيام عن الهزة التي ستتعرض لها مصر ونظامها السياسي في حال فاز بايدن الديمقراطي في الانتخابات، وخرج ترمب الجمهوري المعروف بمعاداة جماعات الإسلام السياسي من البيت الأبيض".

مؤشر الدعم

المهندس تعتبر مثل هذه التغطيات مؤشراً مهماً على من يدعم من في الانتخابات؟ ولماذا؟ ولذلك فهي تدعم الرئيس الحالي ترمب "الذي يعي ويفهم حجم التهديد الذي تتعرض له مصر من قبل جماعات الإسلام السياسي، لكن في المقابل نجد أن ابنها كريم (23 عاماً) الذي يدرس العلوم السياسية في أميركا، يرى أن خطر الإسلام السياسي وجماعاته خضع لعملية مبالغة وتضخيم أكبر بكثير مما يستحق. ويؤكد، "صحيح أن الإسلام السياسي لو تُرك سيتوغل في المجتمعات ويعصف بالقواعد المدنية، إلا أن التهويل من أثره ربما يكون أداة سياسية لإحكام السيطرة على هذه المجتمعات". يضيف كريم أنه لا يدعم ترمب أو بايدن لأسباب كثيرة، أبرزها أنه ليس مواطناً أميركياً وليس له حق الانتخاب. وتابع، "لكن من وجهة نظر سياسية أرى كليهما أبعد ما يكون عن المرشح المثالي لدولة عظمى مثل أميركا، ويمكن القول إن النسبة الأكبر من أصدقائي من الشباب الأميركيين تدعم بايدن نكاية في ترمب وليس إيماناً ببايدن، كما أن النسبة الأكبر من الشباب تعارض سياسات ترمب في ملفات الهجرة والتعددية العرقية، إضافة إلى تعامله مع "كوفيد-19".

يشار إلى أن استطلاعاً للرأي أجرته جامعة هارفارد وتم إعلان نتائجه قبل أيام، كشف عن تأييد 63 في المئة لبايدن بين صفوف الشباب الأميركيين الذين ينوون المشاركة في الانتخابات، في مقابل 25 في المئة فقط لترمب.

ترمب وسد النهضة

لكن يظل ترمب صاحب الاسم الأكثر تردداً في كواليس التجمعات المصرية الشعبية، لا سيما في الأيام القليلة الماضية حين انتشرت الكلمات التي قالها خلال اتصال هاتفي مع رئيسي الحكومة السودانية والإسرائيلية حول "ضرب سد أثيوبيا". كلمات ترمب التي لا يعلم أحد حتى اللحظة الغاية منها أو الرسالة المضمنة فيها، لم تؤد فقط إلى ردود فعل متفاوتة بين جموع المصريين، ولكنها أسهمت في جذب مزيد من الاهتمام الشعبي بمتابعة الانتخابات التي باتت على الأبواب. وعلى الرغم من أن تفاصيل المحادثة نشرت في أغلب وسائل الإعلام، إذ وصف ترمب الأمر بأنه "خطير جداً"، "وأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة، وأنه كان ينبغي عليهم إيقافه قبل وقت طويل"، إلا أن الشارع المصري توقف عند "سينتهي بهم الأمر إلى تفجير السد"، إذ ما زال يقف عندها ويتخذها نقطة انطلاق نحو الانتخابات.

بين صوت الحماسة والتهور الذي يطرب للأفكار المندفعة، وصوت التعقل والتدبر الذي يطالب بإعمال المنطق، تدور أحاديث المصريين متنبئة تارة بفوز ترمب وأخرى بتفوق بايدن. ترمب مرتبط شعبياً في الأذهان بمعاداة الإخوان وطرح موضوع "ضرب السد"، أما بايدن فمرتبط بـ "إن شاء الله" التي قالها ساخراً من وعد منافسه بالكشف عن سجله الضريبي في مناظرة سابقة، وطيف أوباما الذي يلوح في الأفق. أما الارتباط الأعمق فيبقى وثيق الصلة بالاستقطاب السياسي والتحزبات القائمة على مواقف الحزبين الجمهوري والديموقراطي من جماعات الإسلام السياسي، وأحداث "الربيع العربي" والسلام العربي مع إسرائيل سلباً وإيجاباً، بحسب التوجه ودرجة الاستقطاب واتجاهه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات