Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأردني عدنان يحيى رسام المآسي العربية يرحل بصمت

أعماله مرتبطة بقضايا العصر والشعوب وفنه يوفق بين مدارس تشكيلية عدة

منحوته للفنان عدنان يحيى بعنوان "النفق" (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - صفحة الفنان على فيسبوك)

رحل الفنان التشكيلي الاردني عدنان يحيى عن عمر يناهز الستين عاماً. ووصف بيان  نشرته وزارة الثقافة على صفحتها الرسمية الفنان الراحل بأنه "واحد من أعلام الحركة التشكيلية الأردنية والعربية الذين تركوا بصمتهم الإبداعية على المستوى المحلي والعربي والدولي".

عُرف يحيى، وهو أردني من أصول فلسطينية، بأعماله التصويرية التي لامست العديد من قضايا المنطقة العربية وأحداثها. وعبّر الفنان الراحل في لوحاته عن العديد عن المآسي التي ألمت بشعوب المنطقة العربية من جراء الحروب والنزاعات المسلحة، من مذابح صبرا وشاتيلا وقانا، إلى مآسي العراق إبان الغزو الأميركي وما صاحبه من أحداث ووقائع أليمة، وحتى الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها الجماعات المتطرفة في المنطقة باسم الدين، وغيرها من الأحداث المرتبطة بمنطقة الشرق الأوسط تحديداً، مجسداً رفضه لهذه الحروب وراصداً القسوة والوحشية في تلك النزاعات.

 

ولد الفنان عدنان يحيى في مدينة إربد الأردنية ودرس فنون الرسم والتصوير بمعهد الفنون الجميلة بعمّان سنة 1978 وفي معهد إعداد المعلمين سنة 1980، ولكن سرعان ما تفرّغ للممارسة الفنية وطوّر من تجربته متأثراً بالعديد من المدارس الفنية المختلفة، وتراوحت أعماله بين التعبيرية والرمزية والسريالية. أقام يحيى العديد من المعارض الفردية لأعماله، كما شارك في العشرات من العروض الجماعية خلال مسيرته الفنية. عُرضت أعماله في الأردن وفي العديد من العواصم العربية والأجنبية، كما أن له مقتنيات ضمن مجموعات فنية لدى أفراد ومؤسسات عدة، من بينها مؤسسة خالد شومان ووزارة السياحة والثقافة الأردنية، والمتحف الوطني الأردني ومؤسسة عبد الحميد شومان ومعهد العالم العربي في باريس. إلى جانب التصوير مارس الفنان الراحل فنون الرسم والنحت والخزف، كما عُرف عنه عشقه للخط العربي الذي كان له حضور بارز في العديد من أعماله التصويرية والخزفية.

النصب والنياشين

يمثل تعبير الفنان عن الأنظمة الديكتاتورية والنزعات الاستعمارية لبعض الدول واحداً من موضوعاته اللافتة والمُتكررة التي عالجها في أكثر من عمل. في لوحته الشهيرة التي عرضها تحت عنوان "الجنرال" رسم الفنان نصباً تذكارياً لأحد جنرالات الحرب وسط أجواء تسيطر عليها درجات اللون القاتمة والحيادية. في هذه اللوحة بدا الجنرال برأس صغير مطموس الملامح إلا من لفافة تبغ مُعلقة في فمه، بينما يحيط به العشرات من الضحايا الذين يصارعون الموت في سبيلهم لتسلق النصب. وعلى الرغم من ضخامة هذا النصب التذكاري إلا أنه بدا مشوهاً ممزق الأوصال، بهيئة تجمع بين التفاصيل الجسدية للذكر والأنثى. ومع هذه الهيئة المشوهة التي بدا عليها نصب الجنرال إلا أنه ظهر مختالاً في الوقت نفسه بالعشرات من النياشين التي تُزين صدره وكتفيه.

 

يرمز العمل في جانب منه إلى الذات المتضخمة والنرجسية التي يتسم بها العديد من طغاة الحروب، لكنه يُبرز كذلك السهولة التي يتداعى بها النصب الحجري الضخم تحت وطأة الزحف المستمر للعشرات من الأجساد المُنهكة في الأسفل، ليؤكد على مدى هشاشة هذه الديكتاتورية والاستعمارية وانخداعها بقوتها الزائفة. أما الجمود الذي يسيطر على هيئة النصب الحجري فيقابله حركة دائبة للجموع التي تحاصره في الأسفل، والتي تبدو، رغم ضئالتها وضعفها مقارنة بجسد الجنرال، عازمة على فك أوصاله وهدمه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شخصية الجنرال نفسها تظهر في عدد من اللوحات الأخرى التي رسمها الفنان. في واحدة من هذه اللوحات يبدو الجنرال منزوع الرأس، لكنه ما يزال محتفظاً بالنياشين والأوسمة نفسها. يظهر الجنرال هذه المرة ممسكاً بحافظة أوراق أو ملف مكتوب عليه بالإنجليزية عبارة "الشرق الأوسط" ويبدو كما لو أنه يتأهب لسحق الجماهير المحيطة به، تعبيراً عن المؤامرات التي تُحاك للمنطقة، والسياسات التي تهدف للسيطرة على مُقدرات شعوبها.      

إعتقد الفنان عدنان يحيى دائماً بأن تصوير الأحداث الهامة أشبه بوثيقة على العصر، وأن على الفنان أن يكون ملتحماً بالقضايا الإنسانية عامة، ومتفاعلاً مع الأحداث التي تدور من حوله، ولا يعيش منعزلاً عن هذه القضايا فيتحول عمله إلى مجرد تهاويم جمالية فارغة من المضمون والتفاعل البنّاء. ولعل إيمان الفنان بهذه القناعة كان سبباً في تبنيه التعبير عن العديد من الأحداث والوقائع والإشارة إليها في أعماله على نحو مباشر أو غير مباشر، فكان واحداً من بين أبرز الفنانين الذين اتسمت أعمالهم  بالتفاعل مع هذه الأحداث. وعلى الرغم من هذه النزعة الرمزية التوثيقية التي سيطرت على أعمال الفنان الراحل، إلا أنه لم يغفل في معالجاته تلك الجانب الجمالي أيضاً، إذ أبدى اهتماماً كذلك بالشكل وتوزيع العناصر والعلاقات الجمالية بين المفردات المرسومة على سطح العمل، فجمعت أعماله بين رصانة الشكل والبناء وعمق وقيمة المضمون.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة