على وقع انتكاسة انتخابية مُني بها حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن أظهرت النتائج الأولية للانتخابات البلدية التي أجريت الأحد الماضي، أن الحزب الذي يحكم البلاد منذ نحو 15 عاماً خسر العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، عصب الاقتصاد في البلاد، لا تزال الاتهامات متبادلة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، والمعارضة، حول "أحقية الفوز في المدينتين الرئيسيتين".
وصباح اليوم الأربعاء، أعلنت السلطات الانتخابية التركية أنها بدأت إعادة فرز الأصوات في ثمانٍ من دوائر إسطنبول بعدما طعن حزب الرئيس، الذي اعتُبر خاسرا في هذه المدينة، على نتائج الانتخابات. وقال رئيس اللجنة العليا للانتخابات، سعدي غوفين، إن قرار إعادة فرز الأصوات قد اتُخذ "في ثمانٍ من دوائر إسطنبول بعد الطعون التي قدمها" أمس الثلاثاء حزب العدالة والتنمية (إسلامي محافظ)، موضحاً أن الأصوات التي أعيد فرزها هي "في معظمها" أوراق اقتراع احتُسبت لاغية خلال الانتخابات البلدية.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن عملية إعادة الفرز قد بدأت ليل الثلاثاء/ الأربعاء في سبع دوائر. وقد توقفت هذه العمليات بصورة مؤقتة بعد احتجاج من المعارضة، ثم استؤنفت بعد احتجاج مضاد من حزب العدالة والتنمية، الذي يعتقد مقربون أن تؤدي الانتكاسة الانتخابية لحزب الرئيس إلى تعقيد جهود أردوغان لمكافحة انزلاق الاقتصاد إلى الركود.
حزب أردوغان يراوغ
ورغم فوز حزب أردوغان وشريكه في الائتلاف حزب الحركة القومية (قومي متشدد) بأكثر من 50% من الأصوات في أرجاء البلاد، لكن خسارة أهم مدينتين شكلت هزيمة مدوية للرئيس التركي، الذي كان نفسه رئيس بلدية إسطنبول وسجل بصورة لا مثيل لها في تاريخ تركيا الفوز تلو الآخر في الانتخابات.
وقال رئيس منطقة إسطنبول في الحزب الحاكم، بايرام سينوجاك، للصحافيين "قدمنا اعتراضاتنا للسلطات الانتخابية في كل المناطق الـ39 للمدينة"، وأشار إلى أن الحزب وجد فارقا "مفرطا" بين الأصوات التي تم الإدلاء بها في مراكز الاقتراع والبيانات المرسلة للسلطات الانتخابية. بدوره، قال رئيس الحزب في أنقرة هاكان هان أوزجان إنهم سيقدمون طعونا أيضا في 25 منطقة في العاصمة.
إلا أنه ووفق النتائج الأولية التي نشرتها وكالة أنباء الأناضول (حكومية)، فإن مرشح حزب الشعب الجمهوري منصور يافاس حصل على 50,93% من الأصوات في العاصمة أنقرة مقابل 47,11% لمرشح حزب العدالة والتنمية، محمد أوزهاسكي. كما ذكرت الوكالة ذاتها، أن مرشح المعارضة في إسطنبول أكرم إمام أوغلو قد فاز فيها، بحصوله على 48,79% من الأصوات. وحلّ منافسه من حزب العدالة والتنمية، رئيس الوزراء الأسبق بن علي يلديريم، خلفه مباشرة بحصوله على 48,52% من الأصوات.
وأيضاً، كان رئيس اللجنة العليا للانتخابات سعدي غوفن قد أعلن أن مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو يتصدر النتائج بنحو 28 ألف صوت مع فرز غالبية الأصوات. لكنّ نائب رئيس حزب العدالة والتنمية علي إحسان ياووز قال في مؤتمر صحفي عقده أمس الثلاثاء في إسطنبول إن الفارق بين إمام أوغلو ويلديريم أصبح حاليا 20509 أصوات.
جاءت تلك التطورات غداة إعلان كل من أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض لمنصب رئيس البلدية، ومنافسه رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم مرشح حزب العدالة والتنمية، في إسطنبول، أن إمام أوغلو متقدم بنحو 25 ألف صوت. ويبلغ تعداد سكان إسطنبول 15 مليون نسمة.
ودعا إمام أوغلو إلى منحه التفويض كرئيس بلدية منتخب. وقال إنه قد تكون هناك أخطاء طفيفة في إحصاء الأصوات لكنها لن تغير النتيجة، وذلك بالتزامن مع طعن حزب العدالة والتنمية على النتائج في جميع أنحاء المدينتين لوجود مخالفات تصويتية قال إنها أثرت على النتيجة، حيث ذكرت وكالة أنباء الأناضول أن نحو 300 ألف صوت قد اعتُبرت لاغية في إسطنبول.
وسافر إمام أوغلو أمس الثلاثاء إلى أنقرة لوضع إكليل من الزهور على ضريح مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، في إجراء له دلالة رمزية كبيرة وعادة ما يقوم به أردوغان نفسه بعد فوزه بالانتخابات. ولاحقا أصدرت وزارة الدفاع بيانا انتقدت فيه الزيارة، وجاء فيه أن "المراسم غير مطابقة للإجراءات والمبادئ الاحتفالية"، وأضافت أنه "تم توجيه إنذار للمعنيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال إمام أوغلو "إذا فاز الحزب الآخر كنت لأقول مبروك لبن علي يلدريم، وهو ما لن أقوله لأنني فزت. إنهم (حزب العدالة والتنمية) يتصرفون كطفل حُرم من لعبته". ووفق حزب أردوغان، فإنه ينتقد ما أسماه "المخالفات الفاضحة" معتبراً أن أعدادا كبيرة من الأصوات قد اعتُبرت لاغية لمعاقبة مرشحيه، كما قال.
وأمام مكاتب اللجنة الانتخابية العليا على صعيد المحافظات، حتى غد الخميس لفحص هذه الطعون، ثم من الممكن رفع طعون حتى 10 أبريل (نيسان) الحالي.
حملة إعلامية موالية للعدالة والتنمية ضد المعارضة
وفي انتظار النتائج الرسمية، تزيد الصحف الموالية للحكومة الاتهامات بـ"الغش والتزوير"، مقارنة- في رأي البعض- هذه الانتخابات بمحاولة الانقلاب ضد أردوغان في 2016.
وذكرت صحف مؤيدة للحكومة اليوم الأربعاء أن الانتخابات المحلية شهدت مؤامرة على تركيا، وربطت صحيفة "ستار" بين الانتخابات ومحاولة الانقلاب العسكري عام 2016 والاحتجاجات على مستوى البلاد في عام 2013. وقالت "ستار" في صدر صفحاتها "مَنْ نظّم الانقلاب في صندوق الاقتراع؟"، وأضافت "لقد أرادوا السيطرة على الإرادة الوطنية من خلال أساليب السرقة والغش المنظمة".
ووصف إبراهيم قراغول، رئيس تحرير صحيفة "يني شفق" الموالية أيضاً، الانتخابات بأنها ”انقلاب عبر الانتخابات“، وأضاف أن مؤيدي رجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة متورطون في ذلك. وتتهم أنقرة غولن بالوقوف وراء محاولة الانقلاب عام 2016.
ما تمثله خسارة إسطنبول وأنقرة لأردوغان
مع انخراط أردوغان القوي في الحملة الانتخابية وتصويره الانتخابات البلدية على أنها معركة حياة أو موت، طوال الأسابيع التي سبقت الانتخابات الأحد الماضي، إلا أن تمسكه وأعضاء حزبه بالمراوغة حول النتائج الأولية غير الرسمية لنتائج الانتخابات في إسطنبول وأنقرة تعكس الأهمية القصوى التي يوليها الرئيس التركي، لهاتين المدينتين، اللتين مثّل الاقتراع فيهما استفتاء على حكم حزب العدالة والتنمية بعد تباطؤ الاقتصاد التركي للمرة الأولى منذ عقد.
وبالنسبة إلى أردوغان، تمثل إسطنبول الكثير له، وهو ما يعكس دفعه برئيس الوزراء السابق وأحد أبرز أنصاره بن علي يلديريم لتولي رئاسة بلديتها في مواجهة مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو. حيث احتفظ الإسلاميون بمنصب عمدة المدينة منذ عام 1994 وحتى 2019، فيما كان أردوغان نفسه أبرز من تبوّأ المنصب من عام 1994 إلى 1998، والذي كان نقطة انطلاقه نحو قيادة الدولة التركية.
ولم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة إلى العاصمة أنقرة، حيث ظل منصب عمدة المدينة في يد الإسلاميين ممثلا في حزبي الفضيلة ثم العدالة والتنمية، لمدة لا تقل عن 24 عاما، بعدما تولى مليح غوكجك المنصب في عام 1997 وحتى عام 2017، ثم خلفه مصطفى طونا من 2017 وإلى 2019.
وظلت بلديات المدن الكبرى في تركيا بعيدة لسنوات طوال عن أيدي المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري، إلا أن هذا الأمر على وشك التغير.
وبينما تعتبر الانتخابات المحلية أقل أهمية من نظيرتيها الرئاسية والبرلمانية، إلا أن هناك من يعتبرها مؤشرا على مدى القبول الشعبي للأوضاع المعيشية، بخاصة وأنها أول انتخابات تعقد عقب تطبيق النظام الرئاسي الذي قرر الأتراك اعتماده في استفتاء أبريل (نيسان) 2017. ويرجع خبراء أتراك خسارة العدالة والتنمية لمدينتي أنقرة وإسطنبول إلى الأزمة الاقتصادية الأخيرة، وما نتج عنها من ارتفاع كبير في الأسعار، وارتفاع نسبة البطالة، وتراجع سعر العملة المحلية (الليرة التركية) بشكل كبير.
وحرص أردوغان في كلمة ألقاها أمام حشد من أنصاره في أنقرة الاثنين الماضي على إبراز إيجابيات النتائج، مشيرا إلى أن الائتلاف الذي شكله حزبه مع حزب الحركة القومية تصدر النتائج على المستوى الوطني بحصوله على أكثر من 51% من الأصوات. وبينما بدا متقبّلا لخسارة بعض المناصب البلدية إلا أنه لم يشر مباشرة إلى النتائج في أنقرة أو إسطنبول.