بعدما أعاد الشارع العراقي ترتيب أولوياته بما يتعلق بمطالب الانتفاضة، وعلى رأسها محاسبة قتلة المحتجين، تتزايد التساؤلات بشأن التصعيد الذي جرى في ساحات الاحتجاج، في الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة، وإمكانية أن يكون معداً مسبقاً لإفشال مساعي استئناف الحراك.
وباتت الأطراف الرئيسة في الانتفاضة غير واثقة من إمكانية أن تُقدم حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، على أي إجراءات حقيقية بما يتعلق بمحاسبة القتلة أو توفير أجواء آمنة للانتخابات المبكرة، فيما يرى مراقبون أن ما حصل من تصعيد كان منظماً ويشير إلى تورط جماعات سياسية فيه، في محاولة لإنهاء ملف الحراك الاحتجاجي.
وشابت الذكرى يوم أمس أحداث عنف استخدمت فيها قنابل يدوية والمولوتوف، ما أدى إلى سقوط عشرات الجرحى، بحسب مفوضية حقوق الإنسان في العراق.
وأعلنت المفوضية اليوم الاثنين، إصابة 32 متظاهراً و138 منتسباً في الأجهزة الأمنية خلال تظاهرات "25 تشرين" التي شهدتها بغداد وبعض المحافظات الأخرى.
وقالت المفوضية في بيان "ذلك نتيجة استخدام بعض المتظاهرين غير السلميين ثلاث قنابل يدوية والمولوتوف ضد القوات الأمنية إضافة الى استخدام الحجارة والهراوات والعصي، وإلحاق أضرار بسيارتين تابعتين للدفاع المدني وحرق خيمتين في ساحة التحرير، في حين لم تشهد بقية المحافظات أي أحداث عنف أو صدامات تذكر".
تحفيز الاحتكاك
في المقابل، حذّر مراقبون وناشطون في وقت سابق من مخطط يهدف إلى إسقاط الاحتجاجات من خلال إطلاق جماعات حزبية تحاول افتعال احتكاكات بين المحتجين وقوات الأمن، فيما أشاروا إلى معلومات تحدثت عن احتمال إدخال جهات أسلحة إلى مكان الاحتجاج.
ويقول الناشط علي رياض إن "الجماعات السياسية كانت تخطط منذ أشهر لإسقاط الاحتجاج، في حال انطلق من جديد"، لافتاً أنه "بحسب المعلومات المتوفرة كانت هناك نية لاقتحام الساحة من قبل جهات مرتبطة بميليشيات، إلا أنها لم تكن فعالة".
ويؤكد رياض أن أجندة تلك الجماعات كانت ترتكز على "افتعال احتكاك بين المحتجين والقوات الأمنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولعل اللافت بحسب رياض، هو حديث المحتجين المستمر منذ فترة عن "عناصر حزبية ستحاول تحفيز الصدام بين المحتجين وقوات الأمن"، مبيناً أن هذا الأمر كان "مكشوفاً بشكل كبير".
ولفت أن "جزءاً من المحتجين يحاول إعادة الاحتجاج إلى نقطة الاحتكاك المباشر لإعادة إحيائه، قناعةً منهم أن حكومة الكاظمي أخذت فرصتها ولم تحقق شيئاً وعليها الرحيل"، مردفاً "أما الأطراف الأخرى فكانت حزبية واضحة، تحاول افتعال الاحتكاك كي ترد القوات الأمنية على المحتجين".
ملف يؤرّق القوى السياسية
وتتباين الآراء بشأن ما جرى بالأمس من تصعيد في ساحة التحرير وسط بغداد، ففي مقابل اتهامات بـ "الاندساس والتخريب بين صفوف المحتجين" جاءت غالبيتها على لسان قوى سياسية ورسمية، يعتقد فريق من المراقبين أن غاية التصعيد هي محاولة جر الكاظمي لمواجهة مع المحتجين تُكسب القوى المناهضة لحكومته وعلى رأسها التيارات الموالية لإيران وسائل استثمار جديدة في مناكفتها المستمرة معه، فيما يرى فريق آخر أن التصعيد الذي حصل، أدير من قبل جماعات تابعة لقوى سياسية قد تكون متعارضة لكن مصالحها التقت بشأن هذا الملف الذي "بات يؤرق كل أطراف العملية السياسية".
يقول أستاذ العلوم السياسية إياد العنبر، إن "أكثر من إرادة سياسية متعارضة التقت بخصوص إحياء يوم الانتفاضة، والمخاوف من إمكانية أن يكون بادرة استئناف للاحتجاجات".
ويشير العنبر إلى أن الإرادات السياسية المتخوّفة من احتمال استمرار الحركة الاحتجاجية، تتمثل بـ "حكومة الكاظمي التي تخشى من أن استمرارها قد يؤدي إلى تداعيات سياسية عليها، فيما تحاول أطراف سياسية احتكار أي حراك احتجاجي وعدم السماح بأي تظاهرات لا تمر من خلالها".
ويعتقد العنبر أن التصعيد الذي جرى في ساحة التحرير "مفتعل من أطراف سياسية"، مبيناً أن تلك الأطراف تتمثل بـ "جهات تحاول وضع حكومة الكاظمي في مواجهة مباشرة مع المحتجين وعدم حصر ملف الاستهدافات بحكومة عبد المهدي، فيما يريد طرف آخر إنهاء الاحتجاج من خلال ذريعة خرق السلمية، وهذا قد يلتقي مع إرادة الكاظمي".
ويستبعد العنبر إيفاء رئيس الحكومة بتعهدات محاسبة قتلة المحتجين، مبيناً أن "تلك ملفات لن تفتح، لعدم توافر إرادة سياسية لذلك، خصوصاً أنها قد تدفع لفتح ملفات أخرى سابقة، وعدم فتح هذا الملف ربما يرتبط باتفاق سياسي قبل تولي الكاظمي السلطة".
الصدر والتصعيد
قبل بداية الصدامات العنيفة، حيث كانت المناوشات بين المحتجين والقوات الأمنية مقتصرة على استخدام الحجارة، بادر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بإطلاق تغريدة هاجم فيها المحتجين، في حين عدّ ناشطون ذلك محاولة استغلال أي إشكال بالضد من حراكهم.
وقال الصدر، "بدأ المندسون المشاغبون المدعومون من الخارج يخرجون الثورة عن سلميتها، لا سيما بعدما أعلن رئيس الوزراء عدم تسليح القوات الأمنية".
وطالب الصدر الحكومة بـ "بسط الأمن" وردع من وصفهم بـ "الوقحين" الذين وجه لهم اتهامات بـ "التخريب وزعزعة الأمن و"فتح الطرق وإرجاع هيبة الدولة".
وأشار إلى أن عدم تحقيق ذلك يعني "تواطؤ مع ذوي الأجندات الخارجية والأفكار المنحرفة"، وختم تغريدته بتحية للـ "المتظاهرين السلميين".
واعتبر مغردون عراقيون حديث الصدر "تحريضاً" على المحتجين ومحاولة لإنهاء الحراك بالقوة، واتهموا أنصاره بالوقوف خلف أعمال العنف مشيرين إلى أنها محاولة لإيجاد ذرائع لقمع المتظاهرين.
ويقول الصحافي أحمد الزبيدي أن "الصدر يرى في كل مرة يقوم بها المحتجون بتنظيم تظاهرة من دون تنسيق معه، سلباً لنقطة القوة التي يحاجج بها القوى السياسية من خلال قدرته على تحريك الشارع".
خيوط سياسية وجماعات منظمة
في سياق متصل، يرى مراقبون إن الطبقة السياسية بشكل عام هي من تسعى إلى إنهاء ملف "انتفاضة تشرين"، إذ يشير الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي إلى "خيوط سياسية" تقف خلف الصدامات، مبيناً أن غاية "افتعالها" هي سعي هذه القوى إلى "تصفية القضية التي يحملها المتظاهرون".
ويوضح أن "من يسعى إلى تصفية ثورة تشرين، هو المنتظم السياسي المتصالح في ما بينه على ملفات الإرهاب والفساد"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن تبرئة أي من الأطراف وإن تحدثت عن الإصلاح".
ويشير الشريفي إلى أن ما يرجح أن تكون أطراف خلف ما حدث يوم أمس، هو "الحديث عن وجود نحو ألف زجاجة مولوتوف ما يتطلب جماعات منظمة لتحضيره واستخدامه".
ويرجح أن تكون غاية إنهاء الاحتجاجات "تخفيف الضغط على القوى السياسية"، مشيراً إلى أن "حكومة الكاظمي تميل للأحزاب وليس للرأي العام العراقي خصوصاً مع استمرار ضغط الجماهير عليها للإيفاء بتعهداتها".