Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نُعامَل كفئران مختبرات": مانشستر تُنفس عن  الغضب فيما أهلها يتأهبون لأقسى شتاء

بغض النظر عن الإنذارات النهائية وتلاعبات السلطة السياسية في المملكة المتحدة، يواجه الأفراد الأكثر تضرراً من القيود الجديدة لـ"كورونا" مستقبلاً مجهولاً مرة أخرى

"فصل الشتاء على الأبواب وكثيرون يخشون أن يكون الأطول والأكثر فتكاً في سجل الذاكرة الحية للمنطقة" (رويترز)

يبدو أن الكثير من أهالي مانشستر اعتادوا إطلاق لقب "ملك الشمال" على عمدة المدينة الإنجليزية "العمالي" آندي بورنام. فلطالما كان هذا الرجل شخصية شهيرة، والسبب في ذلك طريقة تعاطيه مع الهجوم الإرهابي الذي وقع في قاعة "مانشستر أرينا" في الثاني والعشرين من مايو (أيار) العام 2017 (انتحاري فجر نفسه وسط الحضور في ختام حفل للمغنية الأميركية أريانا غراندي)، الذي ارتقى إلى سلوك رجل دولة، إضافة إلى قيامه بمبادرات اجتماعية عدة للحد من حالات التشرد المتفاقمة، وإجراء بعض الإصلاحات في وسائل النقل العام.

وامتاز بورنام أيضاً بدوره في قيادة محاولات تأمين حزمة مالية عادلة لحاضرة "مانشستر الكبرى"، في مقابل التزام سكانها قيود الإغلاق من "المستوى 3" (الأكثر صرامة)، التي تطالب الحكومة البريطانية بفرضها للسيطرة على حالات التفشي المتزايدة لفيروس "كورونا".

لكن يوم الأربعاء - وبعد أربع وعشرين ساعة من فشل المفاوضات مع الوزراء، والإعلان عن إغلاق المنطقة بأقل مقدار من الدعم - خرجت بعض التعليقات المحقة غير تلك التي تم تداولها عبر البرنامج التلفزيوني نفسه والمتمثلة في الآتي: "إن فصل الشتاء هو على الأبواب وكثيرون يخشون أن يكون الأطول والأصعب والأكثر فتكاً في سجل الذاكرة الحية للمنطقة".

الصورة القاتمة هذه تتأتى من الوضع المتأزم لمرافق هيئة "خدمات الصحة الوطنية" المحلية NHS، التي ترزح تحت وطأة تداعيات الوباء، في حين أن الإجراءات الحكومية الهادفة إلى الحد من انتشار الفيروس والتي تشمل إغلاق الحانات ومنع تجمعات العائلات ولقاءاتها، يتوقع أن تزيد الأوضاع سوءاً.

أما التداعي الاقتصادي المتمثل في تدهور أعمال الشركات والمشاريع وتزايد البطالة والأمراض الذهنية، إضافة إلى ترسخ جذور الفقر المدقع على الأمد الطويل، فقد أصبحت جميعها حالات متوقعة هنا في الوقت الراهن، ليس فقط من جانب السياسيين والقادة المحليين الذين بذلوا قصارى جهدهم من أجل الحصول على مقدار أكبر من الدعم الحكومي، بل من جانب قاعدة شعبية آخذة في التنامي هي كذلك.

ويقول جيسون ميلوز وهو مصفف شعر من سكان المدينة لصحيفة "اندبندنت": "إننا نشعر بأن الحكومة البريطانية تستخدمنا حقل تجارب، في وقت لا يمتلك فيه وزراؤها أدنى فكرة عما إذا كان هذا الهراء الذي ينادون به لفرض قيود تأهب جديدة من "المستوى 3" سيكون ذات منفعة بالنسبة إلى مدينتنا".

الصالون الذي يمتلكه ميلوز والذي يحمل اسم "ماكلور باربرز" Maclure Barbers ويقع في الحي الشمالي الشهير من مانشستر، لم يشهد أي انتعاش منذ فرض فترة الإغلاق على مستوى البلاد برمتها في مارس (آذار) الماضي. ويبدو أن قرار تقليل ساعات العمل في المكاتب والحانات ساهم بدوره في انخفاض عدد الزبائن الذين يرتادون المحل.

لكن الطريقة التي فرض من خلالها الوزراء مزيداً من القيود على مانشستر خلال سنة عصيبة، قد تكون هي التي ساهمت في شكل كبير في إثارة سخط جيسون، بحيث قال: "إنهم يضحون بالشمال، وبصحتنا وباقتصادنا، في محاولة لإنقاذ العاصمة البريطانية لندن. إنهم يستخدموننا لإجراء تجاربهم والقيام بمناوراتهم السياسية. أرى أن بورنام قدم أداء عادلاً في محاولته للدفاع عنا، لكن يا لها من طريقة سخيفة لإدارة بلاد برمتها. إنها القسوة بعينها يا صديقي".

لكن، هل لدى زبائنه الشعور نفسه؟ ويجيب الرجل البالغ من العمر 49: "يمكنك الجلوس هنا طوال اليوم يا صديقي، والاستماع إلى الجميع يرددون الكلام نفسه تقريبا، على الرغم من أنه في الوقت الراهن، قد لا يرتاد المحل أكثر من خمسة زبائن، يا له من وضع".

قد يكون هذا هو الجوهر الأساسي لحالات السخط العارمة السائدة في المنطقة. إذ يبدو أن كثيرين هنا أصبحوا يتقبلون فكرة تطبيق أحد أشكال القيود لمكافحة الفيروس (ويتساءل ميلوز عما إذا كان "نظام الاختبار والتتبع عملياً وفاعلاً حقاً؟). ولا تزال معدلات انتشار فيروس "كورونا" من بين الأعلى في البلاد إذ سُجل ما معدله 399,4 حالات إصابة مُؤكدة  في كل 100 ألف نسمة.

لكن إغلاق الحانات في المنطقة، تماماً كما حصل في مدينتي ليفربول ولانكشاير قبل نحو أسبوع، يبدو أنه يُنظر إليه في دوائر ويستمنستر على أنه إجراء يتم تطبيقه بشكل انعزالي، إلا أنه ليس كذلك، كما يرى المالكون والموظفون والمطلعون على حقيقة الأمور في هذه المدينة.

فالمؤسسات الـ 1900 التي يُسمح لها بالاتّجار بالمشروبات الكحولية والتبغ في مانشستر نفسها، تدعم بشكل مباشر وغير مباشر نظاماً بيئياً اقتصادياً محلياً واسع النطاق ومترامي التداعيات. وبالتالي، سيحصل هذا النظام على دعم ضئيل - إن وُجد - من قبل الدولة لمواجهة كابوس الأشهر المقبلة.

وإذا كانت الحانات وصالات الألعاب الرياضية من بين الوجهات التي تُعد على خط المواجهة الأمامي (وبالتالي فهي مؤهلة للحصول على بعض المساعدات الأساسية)، فإن المطاعم وسائقي سيارات الأجرة وعمال النظافة والحلاقين وصالونات التجميل ومحال الملابس ومصانع الجعة ومنتجي المواد الغذائية، سيعانون من التداعيات هم أيضاً لكن من دون أن يحصلوا على الدعم نفسه.

ويرى فوغان ألين الرئيس التنفيذي لشركة CityCo التي تتولى إدارة مركز مدينة مانشستر، إن الفئات المذكورة أعلاه، وبمجرد أن تبدأ معاناتها مع الوضع، سيصبح من الصعب بشكل متزايد وقف انتشار العدوى الاقتصادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف موضحاً: "لا أعتقد أن من المبالغة بمكان القول إن التخلص من الحياة الليلية في مانشستر اليوم يشبه التخلص من صناعة القطن في البلاد قبل نحو 150 عاماً. إنها تضطلع بدور بالغ الأهمية في توفير أفضل مستويات الرفاهية الاقتصادية للمدينة. إن إجبار هذا القطاع على الإغلاق هو عمل من أعمال التدمير".

وفيما يحاول ألين أن يكون متفائلاً في وقت يسوده ارتباك شديد، فإنه يقر بأن الحانات هنا ستغلق على الأرجح، وبأعداد كبيرة". ويقول: "آمل في ألا يتعدى عدد تلك الإغلاقات العشرات من تلك الأماكن بدلاً من المئات. لكن... يبقى الأمر معلقاً".

أما لاتاشا ماكايفور التي تعمل في مدينة مانشستر، فترى من جانبها أن من شبه المؤكد أنها ستكون أحد أولئك الأشخاص الذين سيعانون، على حد توقعها.

التقارير الواردة عن المفاوضات التي أجريت هذا الأسبوع بين لندن ومانشستر، لعبت في كثير من الأحيان، دور أي قصة يطلق عليها اسم "فقاعة ويستمنستر"، خصوصاً عندما تشمل أيضاً عمدة منتخباً بشكل مباشر ومجموعة من قادة المجلس البلدي في المدينة، وتجرى عبر تطبيق Zoom لمكالمات الفيديو. إن التركيز على المواعيد والإنذارات النهائية والتجاذبات السياسية التي تخوضها مجموعة من السلطات المختلفة، حوّل الوضع برمته إلى دراما نفسية سياسية من الدرجة الثالثة.

لكن أناساً مثل ماكايفور (وكذلك ميلوز بالتأكيد) سيكونون هم الذين يواجهون أشد العواقب نتيجة ما يحدث الآن. فالمرأة التي تبلغ من العمر ثمانية وعشرين، هي في الأسبوع السادس عشر من الحمل ولديها وظيفة - تعمل مديرة في حانة - The Bay Horse Tavern وقد خُفّضت ساعات عملها بشكل كبير إلى درجة أنها أصبحت تتقاضى فقط 300 جنيه إسترليني (390 دولاراً أميركيا) في الشهر. وتقول في وصف شعورها إن مستقبلها أصبح فجأةً غامضاً وغير أكيد.

أما شريكها في الحياة فيعمل لحسابه الخاص، وهو يقوم لكسب لقمة عيشه بتصميم الديكور الداخلي للحانات والعمل على تركيبه. وتقول لاتاشا بتعبير المتهكمة على الواقع: "لذا، لم يعد هناك أيضاً الكثير من العمل له في هذا المجال، في الوقت الراهن".

وتُعد حانة "ذا باي هورس تافيرن"-  في تعبير منحاز بعض الشيء - إحدى أبرز الأماكن بالنسبة إلى متعاطي المشروبات الكحولية في مانشستر. ويأمل مديرها روب أنغوس في أنه حتى لو استمر فرض قيود "المستوى 3" إلى ما بعد عيد الميلاد، فيجب أن تكون قادرة على الصمود من خلال التركيز على تقديم الطعام، وتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي في الهواء الطلق والحفاظ على بعض من زبائنها.

إلا أنه من الأكيد أن الشكوك تساور ماكايفور، فهي تقول: "لا أعرف ماذا أفعل إذا فقدت المزيد من ساعات عملي. إن هذه ليست وظيفة بدوام جزئي. أحب ما أقوم به. ولدي شقة وسيارة وطفل سيولد. أحاول عدم الإكثار من التفكير في الأمور، لكن أصبح علينا بالفعل أن نطلب تأخير دفع تكاليف الإيجار".

هذه المرأة تريد أن تبقى إيجابية حيال ما سيأتي كما تقول، وترى أنه يجب اتّخاذ إجراءات تصب في المصلحة العامة. "لكن ما يحصل ليس بالضبط ما كنت أتوقعه"، على حد تعبيرها.

هذه المشاعر يردد صداها الجميع هنا إلى حد ما. فحانة "ذا باي هورس" التي تقع في شارع طوماس، تجاور حانات أخرى مستقلة تقدم المشروبات، ومطاعم ومحلات تجارية، ساهمت جميعها في إعادة بعث هذا الحي في وسط المدينة الذي كان مهملاً وفي وضع سيّء.

فيرونيكا بارتكايوفيكوفا امرأة تبلغ من العمر 32، تقدم الخدمة على الطاولات في حانة Cain and Grain القريبة. تقول هذه الشابة وهي تنظر إلى الشارع أثناء حديثها مع صحيفة "اندبندنت": "إن أحداً منا لا يعرف حقيقة الوضع الراهن، وكم من الوقت ستبقى هذه الحانة مفتوحة. وإذا أُغلقت هذه الأمكنة، فلا نعرف ما إذا ستبقى لنا وظائف نعود إليها. يمكنك العودة بعد ثلاثة أشهر، لا أدري. ربما قد تبدو هذه المنطقة برمتها مختلفة للغاية".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير