Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبد الوهاب الكيالي: الموسيقى أوسع أفقاً من الغناء

اسطوانته "جذور" تحمل همّ التجديد ويعتبر أنه ينتمي إلى سفراء العود العربي

الموسيقي وعازف العود الأردني عبد الوهاب الكيالي (اندبندنت عربية)

عبد الوهاب الكيالي باحث أكاديمي وعازف عود أردني، يقيم في كندا. أصدر حديثاً ألبوم "جذور" وهو حصيلة نشاط موسيقي مع بعض الشركاء في عَمان بين العامين 2010 و2016. ويضم رصيده من المؤلفات التي كتبها بين العامين 2009 و2015 ووزعها في مراحل مختلفة، وثلاثة مؤلفات لموسيقيين أثروا في وجدانه وعزفه على العود، هم عازف القانون التركي غوكسيل باكتاجير وعازف العود الأرمني-الأميركي الراحل آلان شافارش باردازبانيان وعازف العود العراقي الراحل جميل بشير.

العود والحرف

الكيالي الذي يحمل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية، هو سليل عائلة تعنى بالفكر والنشر، فوالده ماهر الكيالي صاحب "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، وعمه المفكر عبد الوهاب الكيالي الذي اغتيل في بيروت الثمانينيات برصاص الغدر. هل اختار عبد الوهاب هذا التخصص لإرضاء الأهل واتجه إلى الفن لإرضاء رغبته، كما هي حال بعض الفنانين؟ يجيب: "لا يمكن التعميم، وكل حالة لها خصوصيتها. أنا بدأت بتعلم العود في عمر السادسة والنصف، وقبل أن أتعلم الحرف، وعلاقتي بالموسيقى هي الأقدم في مسلسل عمري، وسن العاشرة لا تسمح لي بالتفكير في أي مجال أتخصص أو أي مهنة أحترف. عندما درست الموسيقى في التسعينيات، لم تكن مهنة بسيطة، ولم يكن هناك أسواق ويوتيوب وانتشار، وكنا معزولين فنياً في السوق المحلية. وإذا حالفني الحظ كنت أحيي مهرجاناً في تونس أو المغرب أو لبنان. عدا عن أنه لم يكن واضحاً كيف يمكن للموسيقي المحترف أن يؤمن مصادر دخله، هل من التعليم أو التسجيل أو المرافقة؟ ولكن السوق توسعت، وصارت هناك مصادر دخل أخرى، وصار بإمكانه أن ينشر فيديوهات عبر اليوتيوب تؤمن له مشاهدات ومالاً. في سن الـ 23 اشتغلت مع والدي لمدة 3 سنوات في مجال النشر، ولكن الأمور لم تسر على ما يرام، فأكملت دراستي وحزت الماجستير والدكتوراه، ليس من أجل تحقيق رغبة أحد إلا نفسي، بخاصة وأنني أهتم بالسياسة منذ الصغر. أنا من مواليد بيروت من عائلة فلسطينية، وتهجر أهلي مرتين، وكنت أعيش في الأردن عندما هُجّر العراقيون إليه. وكل عشر سنوات يتهجر العرب، وكانت السياسة في دماغي عبارة عن صخب وصراخ، وكنت مهتماً للتحدث فيها بطريقة علمية وراقية. لذا تخصصت في العلوم السياسية، ولكن الموسيقى لم تغب عن بالي أبداً. في السنوات العشر الأخيرة، وجدت أن لا فرق بين أن نتحدث في السياسة بناء على معلومة أم لا، لأن من يريد أن يصدق شيئاً لن يتراجع، حتى لو كان يعرف أنه خاطئ. هذا الأمر ظهر من خلال ردود الأفعال في مجتمعاتنا إثر موجة الاحتجاجات، التي بدأت في 2011 ولم تنته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الكيالي: "مع الوقت وجدت أن مضمار الموسيقى أجدى، لأن أدواته ولغته أجمل، وهناك طلب على هذا النوع من الفنون، كما أنه يمكن من خلالها أن "نسكت وندمع" بطريقة نفتقدها في السياسة وسواها. كمهنة أنا أمتهن البحث الأكاديمي، ولا أعتمد معيشياً على الموسيقى، وهذا الأمر يريحني ويحررني، ويساعدني على أن أكون انتقائياً في مشاريعي. وهذا لعب دوراً في عدم امتهاني لها، لأنني كنت ولا أزال أرى زملائي المحترفين، لا يملكون ترف الاختيار، لأن لديهم عائلات ومسؤوليات تجاهها، وأنا لست نادماً على قراري، وأعتبر نفسي موسيقياً محترفاً لأنني أؤديها باحترافية، وأنتبه جيداً إلى تفاصيل العزف والتأليف والأداء".

يؤكد الكيالي أنه ينتج على حسابه الخاص ويقول: "ألبومي "جذور" أنتجته بمنحة من أحد أصدقاء عمي الراحل، ولا أتعامل مع جهات منتجة، وهي في الأساس لا تهتم لنوع الموسيقى التي أقدمها، بل لديها اعتبارات تجارية ليست موجودة لدي وأنا سعيد بذلك".

  "جذور" التاريخ والفن

وعن سبب اختيار عنوان "جذور" لألبومه، يوضح: "لأن لدينا علاقة متينة مع عقولنا. عائلتي فلسطينية ولكن أصولها من شمال سوريا، وشخصان منها سكنا في شمال فلسطين في "اللدّ" و"يافا"، ولكنني لم أؤسس حياتي في فلسطين ولم أزرها يوماً. علاقتي "مركبة ومكركبة" مع الأصل، خصوصاً وأنني عشت عاماً في المغرب، واكتشفت أننا في المشرق لدينا هوس بالأصل والفصل، ومع أنه صغير جغرافياً ولكنه متنوع جداً وفيه فروقات كبيرة بين المناطق. إلى ذلك، فالموسيقى في "جذور" لها أصل واضح. وهي موسيقى المقام المشرقي وموسيقى مقام الشرق الأوسط، ولكنه لا يحددها من ناحية التوزيع والهارموني والبوليفوني. ومن يسمعها يعرف أنها موسيقى مشرقية، ولكنها ليست تقليدية أو قديمة، بل حديثة ومنتجة في القرن الـ21، وفيها تراكم من ناحية التوزيع والتركيب النغمي. ألبوم "جذور" يركز على إشكالية الأصل والتفرع، وفي الوقت نفسه، يعبر عن العلاقة مع الأرض والمنطقة. علاقتنا مختلفة مع جغرافيتنا".

وعما إذا كان يقصد كلمة الاختلاف، بمعناها الإيجابي أم السلبي، يقول: "لا هذا ولا ذاك. هي ليست إيجابية لأنه لا يصح التعلق بالأرض إلى هذا الحد، لأنها ليست أهم ممن بناها والهوس بها على حساب أي شيء آخر، وفي الوقت نفسه، من يتشرد ويتهجر، يشعر أنه لا توجد أرضية يقف عليها. نحن كفلسطينيين، بصرف النظر عن جوازات السفر التي نحصل عليها، لاجئون، وهذا الإحساس لا يمكن تعويضه. ولكن مستقبلاً لا يمكنني أن أعيش في فلسطين، لأنني لا أعتبرها بلدي، لكوني لم أتربَ فيها ولا أعرفها. بيتي هو الأردن ومدينتي هي عمان، ولكن مواطنتي للأردن منقوصة ويمكن أن تبقى كذلك. وفي الأساس كل مواطنة العرب منقوصة في بلادهم، ونحن لا نعيش علاقة مواطنة طبيعية مع البلدان التي نعيش فيها، ولكن بالنسبة لنا كفلسطينيين "مركب النقص عندنا زيادة" لأننا أول اللاجئين في المنطقة ولسنا آخرهم، بل تبعنا العراقيون والسوريون، فكيف يمكن اختزال هذا الواقع المركب، سلباً وإيجاباً وإحباطاً وفرحاً، وأنا لا أجد أنسب من كلمة جذور".

منير بشير

عن الفنان العراقي منير بشير، الذي لعب دوراً محورياً في حياته، يقول: "هو عاش لفترة في الأردن، وكانت علاقته جيدة بوالدي ويزورنا في البيت. هو شكل حافزاً لكي أكون جدياً في التعاطي مع العود، وأعطاني نصائح مهمة في العزف وطريقته وتقنياته، كما قال لي "من السهل أن تعزف بسرعة على أن تعزف ببطء، لأن كل التفاصيل تبرز في الحالة الثانية على عكس ما يحصل في الحالة الأولى". أنا تأثرت بمنير بشير بشكل كبير وحاولت أن أثبت جدارتي معه، ومن بعدها تطورت تجربتي. نحن الأردنيين تأثرنا بالمدرسة العراقية أكثر من غيرنا لأن الأردن كان مدخلاً للعراقيين عبر العالم".

وعما إذا كان يرى أن عمر بشير حمل رسالة والده، يجيب "لا يحمل رسالة منير بشير سليل العائلة، وابنه ليس هو الوحيد الذي حمل رسالته، بل طلابه في العراق وهي مستمرة. منير بشير لم يكن معزولاً في العراق، بل إن شقيقه جميل أستاذ كبير، وكذلك سلمان شكر وغانم حداد وروحي الخماش وعلي الإمام. منير بشير كان سفيراً للعراق كعازف عود، ولكن كان فيه مدرسة عود مهمة وخطيرة واستمرت".

هل يعز عليه أنه مقدّر في الغرب أكثر من الشرق؟ يوضح: "ثقافة الاستماع في الغرب أفضل، وعندنا إذا لم يقدم العازف أم كلثوم وفيروز كأنه لا يقدم موسيقى. نحن لا نملك شهية لسماع غير المألوف، ولكن الوضع بدأ يتغير، والأذن العربية صارت أكثر انفتاحاً وتتقبل المنتج الموسيقي بصرف النظر عن ماهيته، شرط أن يكون متقناً. لا أعتقد أننا مقدرون في الغرب أكثر، ولكن لديهم فضول للموسيقى التي نقدمها، وتاريخياً، هناك انفتاح أكثر على طرق التقديم والعزف والأداء. ويبقى الفرق أن موارد العزف والإنتاج الثقافي والموسيقي أكثر في الغرب، وهو أكثر سخاء في الصرف على المهرجانات والثقافة، وفرصاً للعزف، ومردوداً مادياً أكبر، وهذه النواحي بدأت تتغير في الشرق من خلال الدور الذي لعبته التكنولوجيا في افتتاح أسواق جديدة".  

وينفي الكيالي أنه يعزّ عليه ألا يكون بشهرة الفنانين الذين يقدمون فناً تجارياً، ويقول: "أنا لا أنافس أي مطرب أو أي مغني "بوب". في كل الإنتاجات الثقافية، هناك منتج ثقافي يتطلب معرفة، ومنتج ثقافي ترفيهي. أنا لا أنتج ترفيهاً ولا أنافسه ولا أريد ذلك. لا أقصد أن الترفيه ليس مهماً ولا أنتقص من مكانته، ولكن لا يوجد انتباه لدى الجمهور إلى ثقافة مغايرة مستواها أعلى. مشكلتي مع من يراني أحمل العود، ويريد أن يرقص ويصفق ويغني. العود يمكن أن يلبي هذه الحاجات، ولكنه يستخدم أيضاً لأهداف أخرى، ولكن الناس لا يعرفون ذلك. عندما يطلب مني أحد أن أعزف لعبد الحليم أو عبد الوهاب أو غيرهما، أبتسم بيني وبين نفسي. هذا أمر ممكن، ولكن ماذا بعده! المستمع يتحمل مسؤولية توسيع آفاقه ومذاقه والخروج من حقبة السبعينيات والثمانينيات، لأن العالم الموسيقي العربي  ليس وردة أو أم كلثوم أو محمد عبد الوهاب أو فيروز، بل هو أكبر من ذلك بكثير. هناك عدم فهم للموسيقى غير المصاحبة للغناء، وهنا تكمن المشكلة. أنا مكمل  للمشهد الموسيقي الذي يضم المغربي إدريس الملومي والفلسطيني أحمد الخطيب والمصري مصطفى سعيد والفلسطيني نزار روحانا واللبناني شربل روحانا والأردني طارق الجندي والعراقي خالد محمد علي. سفراء العود كثر ومهمون وينتجون في ظروف ليست سهلة".

شهرة وانتشار

ولأن الشهرة مهمة وتؤمن انتشاراً أوسع للموسيقى التي يقدمها، يوضح: "هذا صحيح، ولكن المعضلة الأثرية للإنتاج الثقافي هي، عندما يصبح الفنان مشهوراً هل هو يؤلف من أجل المحافظة على الشهرة أم أنه يؤلف كما كان يفعل قبلها؟ لا شك أنه سيتأثر بالشهرة، والمشكلة أنه لا يوجد نقاد مثقفون موسيقياً، وهذا الأمر يسبب خللاً. لأن الفنان يمكن أن يقدم منتجاً أقل مستوى مما كان يقدمه سابقاً، ويحافظ على شهرته، وأنا أجزم بأن إنتاجات محمد عبد الوهاب أو غيره من القامات الموسيقية لم تكن كلها رائعة، ولكنّ أحداً لم ينتقدها. النقد مرحب فيه، وتصويب مسيرة العازف مهمة جداً، ولكن في حال أصبحت مشهوراً فإن التعاطي النقدي مع إنتاجي سوف يختلف تماماً".

إلى ذلك، يرى الكيالي أن الموسيقى مهمة وأهميتها تضاهي الأدب والشعر، ويضيف: "المشكلة عندنا أن الكلام أهم من اللحن، وتحيز للكلمة على حساب النغم، وهناك من يقول لي إنه لا يحضر حفلاتي لأن لا كلام فيها. مجالي ليس العزف ومصاحبة المطرب، وهنا نعود إلى مشكلة الثقافة السمعية الضيقة، وهل تعريف الموسيقى يعني الغناء فقط. الموسيقى أوسع بكثير. هناك إشكالية تاريخية بين العازفين والمغنين، وكل واحد يحاول أن يخضع الثاني، وأنا لا أحب أن أدخل في حساسية أيهما أهم الكلمة أو النغم، ولكني لا أنتج موسيقى مغناة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة