Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التمسك بمبادرة مغتالة وتكريس اللاحكومة واللاإنقاذ في لبنان

الواضح الملموس أن التركيبة السياسية الحاكمة محصّنة ضد التعلم من تكرار الكوارث

صحافيون لبنانيون يتابعون المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول أزمة لبنان (أ ف ب)

"تكرار الكوارث معلّم" يقول مثل أميركي. ومن الصعب في هذه المرحلة تقدير الدروس التي تعلمها أو لم يتعلمها قادة العالم المصرّون على الصراعات من كارثة كورونا وكارثة الاستخفاف بالوباء في البدء والفشل في القضاء عليه خلال ثلاثة فصول حتى الآن. لكن الواضح الملموس أن التركيبة السياسية الحاكمة في لبنان محصّنة ضد التعلم من تكرار الكوارث، لا بل تصنع المزيد منها، وتهاجم الرجل الذي تطوّع لمساعدتها في التعلم منها وإنقاذها من نفسها، بالتالي إنقاذ لبنان، وهو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: من مصيبة الانفجار الذي دمّر المرفأ وبيروت إلى الانفجار الثاني لتغطية شيء من حقائق الانفجار الأول، ثم الاستهتار بحاجات اللبنانيين. ومن كارثة الأزمات النقدية والمالية والاقتصادية إلى الفشل في تأليف حكومة وتعميق الأزمة الحكومية لتصبح أزمة حكم ثم أزمة نظام.

لا حكومة

والتجارب ناطقة في الماضي والحاضر. فعلى مدى عامين ونصف العام، أصرّ "حزب الله" وحلفاؤه على إبقاء لبنان في شغور رئاسي من أجل المجيء بحليفهم العماد ميشال عون إلى القصر الجمهوري. واجهوا الحراك الشعبي في الخريف الماضي من أجل التغيير بالقمع والاحتواء. شكّلوا حكومة فاشلة وجدت نفسها محكومة بالاستقالة، ثم حالوا دون تأليف "حكومة مهمات" للإنقاذ، التزموا المجيء بها أمام ماكرون. وحين تراجعوا وكشف الرئيس الفرنسي عن الطرف المعطل لتأليف حكومة مصغّرة من مستقلين أصحاب كفاءات من دون ممثلين للأحزاب، لجأوا إلى الإنكار واتهام سواهم. ولكن الإنكار أعاد تأكيد دورهم في التعطيل الذي اعتبروه مسألة "وطنية". السيد حسن نصر الله، البارع في السجال السياسي صال وجال متّهماً رؤساء الحكومات السابقين وأميركا والسعودية ورافضاً دور "الوصي أو الوالي" ماكرون، لكن بيت القصيد بدا واضحاً: "حزب الله يجب أن يكون في الحكومة لحماية ظهر المقاومة ولمنع الحكومة من التسليم بشروط صندوق النقد الدولي". وهكذا صارت المعادلات محددة: لا حكومة من دون "حزب الله"، يقول السيد نصر الله. ولا حكومة مع "حزب الله"، يقول المجتمع الدولي والظرف اللبناني الحالي. والترجمة العملية: لا حكومة، بالتالي لا مساعدات من صندوق النقد ومؤتمر "سيدر" والمؤتمر الدولي للمانحين، الذي كان يعد به ماكرون في باريس. ومن دون مساعدات، فإن الانهيار اللبناني يكتمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا معنى للحديث عن التمسك بالمبادرة الفرنسية. فالمبادرة جرى اغتيالها. وليس من المتوقع أن يعلن ماكرون دفنها. ولا كان حرص السيد نصر الله على إبقاء الباب مفتوحاً أمامها، سوى حديث عن مبادرة مختلفة يحدد "حزب الله" وحلفاؤه مواصفاتها، تاركين لماكرون تسويقها. ومن السهل الذهاب إلى النهاية في السجال السياسي في الداخل مع الخارج. لكن من الصعب، حتى على الذين لا يجدون مشكلة في الفراغين الحكومي والرئاسي، أن يتجاهلوا، لا فقط سؤال: لبنان إلى أين، بل أيضاً رؤية: أين لبنان؟ فالبلد في حال لا مثيل لها قبل الاستقلال وبعده. لا خلال الحروب ولا أيام السلطنة العثمانية. المال العام منهوب. المال الخاص مجرّد أرقام على الكمبيوتر في المصارف ومصرف لبنان. 50 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر و25 في المئة تحت خط الفقر الشديد، بحسب دراسة "الإسكوا". كورونا ينتشر بشكل مخيف. الليرة في الحضيض مقابل الدولار. ودعم المواد الأساسية صار في أسابيعه الأخيرة بسبب سياسات "بونزي" التي مارسها مصرف لبنان، وأدت إلى زيادة إثراء النافذين ونفاذ الاحتياط من العملة الصعبة.

ورقة قابلة للاحتراق

وليست نكتة سوداء أن تعلن طهران رفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية اللبنانية. فالوطن الصغير، كما تراه "جمهورية الملالي"، هو "حقل صيد" خاص بها، ولا تريد أن يكون فيه صياد آخر سواها. لا الأميركي، ولا العربي. ولم ترحّب علناً بالمبادرة الفرنسية إلا للتصور أنها يمكن أن تخدم أهدافها. ولا انقلبت عليها عبر "حزب الله" إلّا للتأكد من أنها تخدم لبنان "اللبناني والعربي والغربي" ودور فرنسا في المنطقة، وسط الصراع الدائر شرق المتوسط. أما استخدامها لبنان كورقة في اللعب مع أميركا، فإنه رهان على ما يعرف الجميع محدوديته ومدى تأثير الأوراق الأكبر منه في معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية، فضلاً عن أن الورقة قابلة للاحتراق بعد الانتخابات، بصرف النظر عن نتائجها، لأن لبنان كله "في جهنم"، بحسب ما قال الرئيس عون.

والرئيس ماكرون وسواه من المتحمسين لإنقاذ لبنان يأتون ويذهبون، بربح محدود إذا نجحوا وخسارة محدودة إذا أفشلنا جهودهم. أما اللبنانيون الخاسرون كل شيء، فإنهم محكومون بالبقاء، ولو كبرت حركة الهجرة. وهم في حاجة إلى إعادة تكوين السلطة والبحث عن رجال ونساء يبنون دولة. وأقل ما يتطلبه بناء الدولة، بعد الإصرار على أن لبنان وطن لا ساحة ولا ورقة، هو تطبيق قول جيفرسون: "الرؤية هي معرفة ما عليك أن تفعله، والحكمة هي أن تعرف كيف تفعله، والفضيلة هي أن تفعله".

المزيد من تحلیل