Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخرطوم متفائلة برفعها من القائمة الأميركية للإرهاب

تعاطي السلطات السودانية مع الاحتجاجات يعقِّد العلاقات مع أوروبا ويعرقل التطبيع مع واشنطن

استُهدفت المدمرة "كول" قبالة سواحل اليمن في العام 2000 (غيتي)

تصاعد التفاؤل في الخرطوم برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية الإرهاب، بعدما حكمت المحكمة الأميركية العليا لمصلحة السودان، في قضية تعويضات يُطالب بها متضررون جراء هجوم استهدف المدمرة "كول"، قبالة سواحل اليمن، في العام 2000.

تبرئة السودان

منعت المحكمة الأميركية العليا البحارة الأميركيين الذين أصيبوا في تفجير المدمرة "كول" على يد تنظيم القاعدة عام 2000 من الحصول على 314.7 مليون دولار كتعويضات من حكومة السودان لدورها المزعوم في الهجوم. إذ سبق أن قضت محكمة أقل درجة بالتعويضات غيابياً "لأن السودان لم يدافع عن نفسه في مواجهة مزاعم عن تقديمه الدعم لتنظيم القاعدة".

وألغت المحكمة قراراً كان يتيح للبحارة الحصول على التعويضات من مصارف فيها أرصدة سودانية، واتفق القضاة الثمانية في الحكم على أن الدعوى انتهكت القانون الأميركي لأنها رُفعت في العام 2010 إلى السفارة السودانية في واشنطن، لا إلى وزير الشؤون الخارجية السوداني.

وقال المحامي كريستوفر كوران، الذي مثّل حكومة الخرطوم في القضية، إن "السودان سعيد بهذا القرار، ولا خلاف على أن البحارة الذين كانوا على متن كول ضحايا هجوم إرهابي وحشي، لكن السودان يرفض بشدة تحمُّل أي مسؤولية في ذلك الهجوم، وهو عاقد العزم على تبرئة ساحته".

فرحة سودانية

يمثل القرار الجديد انتصاراً كبيراً للسودان الذي نفى تقديم أي دعم لتنظيم القاعدة لتنفيذ الهجوم على المدمرة. وقالت الخارجية السودانية إن "هذا الحكم خطوة هامة في اتجاه دحض المزاعم القائمة حول صلة السودان بالعمليات الإرهابية".

وأضافت "نرحب بقرار المحكمة، ونؤكد أن الخارجية السودانية ستواصل جهودها بالتعاون مع جميع الجهات الوطنية والخارجية المعنية، لإزالة كل ما لحق باسم السودان من تشويه ومزاعم باطلة".

ويرى وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد، أن قرار المحكمة الأميركية بمثابة حكم نهائي وسيفتح أجواء إيجابية أمام الخرطوم لرفع إسم السودان من قائمة رعاة الإرهاب.  

بين الخرطوم وواشنطن

وضعت إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1993، وذلك توجساً من التوجهات الإسلامية لحكومة الخرطوم، وهو الأمر الذي تجلّى بالنسبة إلى واشنطن من خلال استضافة السودان حركات وقيادات تصفها الولايات المتحدة بالمتشددة، أبرزها زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، الذي أقام في السودان حتى العام 1996، قبل أن يغادر إلى أفغانستان.

وعندما وصل الرئيس عمر البشير الى إلسلطة، كان في سدة المكتب البيضاوي الجمهوري جورج بوش الأب، الذي لم يواجه الوضع الجديد سوى بإيقاف معونات، وفق قرار للكونغرس، يحرِّم التعامل مع الحكومات الانقلابية.

غير أن التحول الأكبر كان خلال إدارة الرئيس كلينتون، وهو أول ديمقراطي يُعاد انتخابه منذ فترة حكم فرانكلين روزفلت، فتزايد اهتمام إدارة كلينتون بالشأن السوداني، وتعاملت إدارته مع الخرطوم بخشونة وقسوة سياسيتين، وانتهجت أسلوب الاحتواء والمواجهة، عندما بدأت بإغلاق السفارة الأميركية ونقل طاقمها إلى نيروبي، وفرض عقوبات اقتصادية بلغت ذروتها بقصف مصنع الشفاء للأدوية في العام 1998. وأيضاً اعتمدت إدارة بوش الابن سياسة الضغط والاحتواء. أما باراك أوباما فاستجاب إلى ضغوط مجموعات عملت على قطع الطريق أمام أي جهود لتطبيع العلاقات، ما دفع بإدارته إلى التشبث بشروط متجددة.

أثر محدود لرفع العقوبات

ستدخل الحكومة السودانية خلال الفترة المقبلة في جولة طويلة وشاقة جديدة من الحوار مع الإدارة الأميركية بشأن شطب اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، لارتباط هذا الأمر بالكونغرس. وعلى الرغم من البراغماتية الأميركية المعروفة، وتحرك بوصلتها مع مصالحها وترتيباتها في المنطقة، فإن خبراء في العلاقات الدولية يعتقدون أنه من الأفضل للخرطوم تبني مواقف أكثر مرونة وجدية وصدقية تجاه مطالب باتت شعار المرحلة الدولية الراهنة، للتصالح مع شعبها والاندماج أكثر مع المجتمع الدولي، وبغير ذلك ستجد نفسها تراوح مكانها، وتفسر مواقف الآخرين ازاءها بنظرية المؤامرة.

في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، أعلنت واشنطن إنتهاء الحظر الذي استمر 20 عاماً على السودان، تماشياً مع "خطة المسارات الخمسة" التي وافقت بموجبها الخرطوم على وقف الأعمال العدائية مع الجماعات المسلحة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من النزاع، ودعم جهود السلام في جنوب السودان، وتطوير التعاون لمكافحة الإرهاب، والمساعدة في محاربة حركة "جيش الرب" الأوغندية وقطع العلاقات مع كوريا الشمالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول الباحث السياسي عثمان عبد الرحمن إن الخرطوم رفعت سقف تفاؤلها وكان خطابها السياسي يردد أن العقوبات الأميركية سبب كل المتاعب الاقتصادية للشعب، وعلقت على الخطوة كثيراً، لكنها أصيبت بخيبة أمل وخابت معها آمال كل المواطنين الذين زادتهم أوضاعهم المعيشية سوءاً، وتضاعف الحصار بامتناع المصارف الغربية عن التعامل مع السودان بسبب ورود اسمه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وكانت الخارجية الأميركية حددت ستة شروط لشطب إسم السودان من قائمة الإرهاب، تشمل توسيع التعاون في مكافحة الإرهاب، وتعزيز حماية حقوق الإنسان وممارساتها، بما في ذلك حرية الدين والصحافة، إضافة إلى تحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين في مناطق النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، ووقف الأعمال العدائية الداخلية، وخلق بيئة أكثر ملاءمة للتقدّم في عملية السلام في السودان، واتخاذ خطوات لمواجهة الأعمال الإرهابية، والالتزام بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعلقة بكوريا الشمالية.

بين الشروط والمسارات

يرى الخبير القانوني محمد إسماعيل أن إطلاق كلمة "شروط" بدلاً من مسارات كما في جولة الحوار السابقة، يعطي بُعداً سلبياً، فالشروط تعني إملاءات، وليس حواراً متكافئاً، كما أن بعض البنود فضفاضة وغير قابلة للقياس مثل تحسين حقوق الإنسان والحريات الدينية والصحافية، وخلق بيئة مواتية لعملية السلام والحوار السياسي، كما عادت بنود من المسارات الخمس، مثل قطع العلاقات مع كوريا الشمالية، ما يعني شكوكاً أميركية حيال علاقة الخرطوم مع بيونغ يانغ.

وفي المقابل تبدو بعض الشروط الأميركية سهلة، خصوصاً أن السودان انخرط عملياً في تنفيذها، لا سيما في ما يتعلّق بتوسيع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ووقف الأعمال العدائية وتسهيل المساعدات الإنسانية إلى المتضررين في مناطق النزاع بمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ويعزز ذلك تحرك الوساطتين الأفريقية والقطرية لإنعاش عملية السلام في المنطقتين ودارفور، وتبنّي رئيس جنوب السودان سليفا كير ميارديت، مبادرة لتقريب المواقف بين الحكومة وحملة السلاح.

سفراء غربيون في الخرطوم تحدثت إليهم "اندبندنت عربية" يقولون إن "تعاطي السلطات السودانية مع الاحتجاجات المستمرة منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي سيبطئ الحوار الأميركي - السوداني وسيلقي بظلاله على علاقات السودان مع الدول الأوروبية أيضاً، بعد مقتل العشرات واعتقال المئات وتعذيبهم".

وعلمت "اندبندنت عربية" أن الاتحاد الأوروبي سيصدر قريباً قراراً بشأن أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في السودان على خلفية التظاهرات المطالبة بتنحي الرئيس البشير، ما سيعقِّد علاقات الخرطوم مع الدول الغربية على الرغم من إبلاغ سفراء قيادات معارضة أن دول الاتحاد الأوروبي مع استقرار السودان، والسعي إلى عدم انزلاقه إلى فوضى قد تؤثر سلباً على الأمن والاستقرار وعرقلة مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.

وتحدثت تسريبات عن شروط أميركية أخرى تحت الطاولة، على غرار ما حاول أن يصرّح به نائب وزير الخارجية الأميركي جون سوليفان، أثناء زيارته إلى الخرطوم، في نوفمبر الماضي، حول قرار إلغاء العقوبات الاقتصادية على السودان، وذلك حينما طرح على بعض المسؤولين السودانيين فكرة عدم ترشّح البشير لانتخابات 2020، الأمر الذي نفاه مسؤولون واعتبروه غير مقبول في حال طرحه.  

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات