أكملت الاحتجاجات الشعبية في السودان الأربعاء شهرها الثالث من دون أن تستطيع تحقيق هدفها: تنحي النظام الحاكم. كما لم تفلح الحكومة، في المقابل، في اخمادها. ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات حافلة بالايجابيات، بينما يعتقد أنصار الحكومة أنها أسهمت في تعميق الأزمات وترسيخ خطاب الكراهية.
خطوات لتهدئة الشارع
دخلت الاحتجاجات شهرها الرابع، بعدما دفعت الرئيس السوداني عمر البشير إلى حل الحكومة والاعتراف بالأزمة الاقتصادية، وإطلاق وعد في إحدى خطبه بأن يجري إصلاحات سياسية تخفف من حدة الاحتقان السياسي، واعتماد معالجات اقتصادية جذرية ومكافحة الفساد. وطلب من البرلمان تأجيل تعديلات دستورية كانت ستمكّنه من الترشح إلى دورات رئاسية مفتوحة.
وبدأت الاحتجاجات في السودان بسبب الضائقة الاقتصادية، لكنها سرعان ما صارت مطالب المحتجين سياسية، تنادي بتنحي البشير، بسبب فشله في إدارة البلاد.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات شهدت الساحة السياسية عدداً من المبادرات لإيجاد حل، أجمعت غالبيتها على فترة انتقالية عقب تنحي البشير، تُهيىء لانتخابات في البلاد.
ولا يزال المحتجون يطالبون برحيل الرئيس السوداني وحزبه من السلطة، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وعدم تلبية مطالب المتظاهرين الذين طالبوا بالإصلاح الاقتصادي الفوري، في حين ترفض المعارضة الحوار مع البشير وتواصل مطالبتها له ولحكومته بالتنحي.
مكاسب الاحتجاجات
أعلن البشير، الشهر الماضي، حالة الطوارئ وحل الحكومة المركزية، وأقال حكام الولايات وعيّن بدلاً منهم مسؤولين من الجيش والأجهزة الأمنية ووسع صلاحيات الشرطة وحظر التجمعات العامة غير المرخص لها.
لكن هذه الإجراءات لم توقف المحتجين، الذين كثفوا التظاهرات في الأيام الماضية على الرغم من تراجع عدد المشاركين بسبب حالة الطوارئ، ومثول مئات المتظاهرين أمام المحاكم، التي أصدرت أحكاماً بالسجن متفاوتة الفترات.
ويعتقد مراقبون أنه من المكاسب التي لا يمكن تجاوزها اعتراف الحكومة وعلى أعلى مستوياتها بوجود أزمة حقيقية، والإقرار بأن نزول الشباب إلى الشارع له ما يبرره.
ومن المظاهر اللافتة سيطرة الشباب، خصوصاً الفتيات، على التظاهرات، وهذا ما زاد من الدعم الشعبي للمحتجين وكسر حاجز الخوف، الأمر الذي أسهم في تغيير الصورة الراسخة في أذهان كثير من السودانيين بشأن بُعد الشباب عن الهموم الوطنية.
وأمام ضغط الرأي العام المحلي والعالمي، شددت السلطات السودانية أوامرها للقوات الأمنية بعدم التعامل بعنف مفرط في مواجهة المتظاهرين، وكونت لجنة تحقيق في مقتل 33 متظاهراً، وفق تقاريرها الرسمية، وأكثر من 50 وفق منظمات حقوقية. وحاولت ارضاء الشارع بحل حكومة رئيس الوزراء معتز موسى، وتخلي البشير عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني والوقوف على مسافة واحدة من القوى السياسية كافة.
تفشي خطاب الكراهية
يرى عثمان سعيد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، أن هبة ديسمبر (كانون الأول) مثلما حفلت بكثير من الايجابيات رافقتها سلبيات لا يمكن إغفالها، أبرزها تنامي خطاب الكراهية ورفض الآخر، وذلك من خلال ترديد شعارات تحرض على العنف والإقصاء وإثارة روح التشفي والانتقام، خصوصاً بحق الإسلاميين الذين كانوا طوال 90 يوماً في مرمى نيران الثوار، على الرغم من أن كثيراً من أبناء الإسلاميين شاركوا في الاحتجاجات.
ويعتقد سعيد أن خطاب الكراهية يقف وراءه الحزب الشيوعي، المتهم بخطف الثورة الشبابية وتوجيه دفتها ناحية تحقيق أهدافه التي يسعى إليها، وأبرزها إقصاء أعدائه التقليديين، أي الإسلاميين لابعادهم عن المشهد السياسي.
ويشير إلى استخدام جميع الأطراف الشائعات، واعتبارها أن "الحرب خدعة"، إذ إن كثيراً من المعلومات التي نُشرت في منصات التواصل الاجتماعي لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وعمد بعض الذين يقفون خلفها إلى تضخيمها لتحقيق أهداف محددة، وهذا ما قلل كثيراً من صدقية الحكومة والمسؤولين عن الحراك الشعبي.
كما مارست الحكومة والمتظاهرين حملات اغتيال معنوي. فالسلطة سعت إلى الترويج لوقوف الحركات المسلحة وراء الاحتجاجات، ثم عملت لاحقاً على إلباس ثوبها لليسار. أما المعارضة فقد استهدفت عدداً من الشخصيات التي كانت تقف في صف الحكومة حتى تُضعف أدوارها وتبتعد عن المشهد.
غموض حوار التسوية
تزايدت المعلومات المسربة عن اتصالات وحوار غير معلن بين الحكومة وقوى المعارضة من أجل تسوية سياسية وتوقيع اتفاق سلام قريباً مع حاملي السلاح في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق تسريبات، ﻓﺈﻥ ﺍﺗﺼﺎﻻﺕ ﺟﺮﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻭﻗﻮﻯ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ، وإﻥ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻭﺻﻔت ﺑﺎﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﻲ ﺍﻟﺘﻘﺖ ﻗﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ في ﻤﻨﻄﻘتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ﻋﺒﺮ ﻭﺳﻴﻂ ﺃﻓﺮﻳﻘﻲ.
وزار وزير الخارجية الدرديري محمد أحمد ورئيس حزب المؤتمر الوطني المكلف أحمد هارون الدوحة، الأربعاء، لتنشيط المحادثات بين الحكومة ومتمردي دارفور قريباً.
وجددت قيادات في المعارضة السودانية التمسك بـ "إعلان الحرية والتغيير" الداعي إلى تنحي النظام الحاكم، وأقرت بوجود اتصالات من قبل قيادات في الحكومة على رأسها مدير جهاز الأمن والاستخبارات صلاح عبد الله قوش، من دون أن تثمر عن أي تقارب، بعد تمسك المعارضة بالتفاوض على "تسليم السلطة ورحيل النظام".
وأعلن المتحدث باسم الحكومة السودانية وزير الإعلام حسن إسماعيل إجراء الرئيس عمر البشير اتصالات بقيادات في المعارضة والحركات المسلحة، وتحدثت تقارير عن عقد مدير جهاز الأمن اجتماعات مع رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير ورئيس حزب الأمة الصادق المهدي.
وأكدت نائب رئيس حزب الأمة القومي مريم الصادق المهدي أن المهدي التقى عدداً من مسؤولي الحكومة، بينهم مدير جهاز الأمن أكثر من مرة.