بات واضحاً أن زيارة وفد روسي رفيع المستوى إلى دمشق قبل أيام، حملت عناوين عريضة مهمة، لكن المؤكد أيضاً أن الوفد، برئاسة يوري بوريسوف، نائب رئيس الوزراء وسيرغي لافروف، وزير الخارجية، زارا دمشق لإعلان بداية مرحلة جديدة.
كانت السياسة حاضرة في الزيارة من خلال البحث عن حلول للخروج من الأزمة السورية، داخلياً وإقليمياً ودولياً، كما أنّ هدف توطيد مصالح روسيا هناك، كان العنوان الأبرز عبر بوابة الاقتصاد، وذلك بالحجم الكبير للمشاريع التي تم الإعلان عنها ووصل عددها إلى أربعين، في مجالات متعددة، كإعادة إعمار قطاع الطاقة وعدد من محطات الطاقة الكهرومائية واستخراج النفط من البحر.
وتجدر الإشارة إلى الخطوة الروسية، أواخر مايو (أيار) الماضي، بتعيين السفير الروسي لدى دمشق ألكسندر يفيموف، مبعوثاً خاصاً للرئيس فلاديمير بوتين لتطوير التعاون مع سوريا، التي فُسّرت بأنها تأتي تمهيداً لترتيبات مقبلة، وفي إطار الاستعداد لمرحلة جديدة عناوينها الاقتصادية والسياسية ستكون لها الأولوية.
ويمكن اعتبار تعيين مبعوث خاص لبوتين، أن موسكو باتت تضع ملف سوريا على رأس أولوياتها الخارجية أكثر من أي وقت مضى، وعلى أبواب مرحلة جديدة في تعامل روسيا مع هذا الملف، بتعزيز التواصل المباشر مع الكرملين، وذلك بوجود موفدين خاصين للرئاسة، إضافةً إلى مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين الذين يتابعون جميعاً الملف السوري.
تشير تركيبة الوفد الرسمي الروسي، وهو الأرفع منذ زيارة بوتين القصيرة إلى دمشق مطلع هذا العام، الذي ضم كبار ممثلي الاقتصاد والسياسة الخارجية، إلى أهمية الملفات التي تشغل بال الكرملين، فهناك رغبة في جعل الوجود الروسي رائداً في قطاعات الاقتصاد والأعمال والاستثمارات، كما هي الحال في المجال العسكري.
ولا يمكن عدم ربط سرعة الزيارة إلى دمشق والوقت القصير الذي استغرقته، مع أجواء الاحتقان الداخلية والإقليمية والدولية، فالحراك الروسي يأتي بعد أيام من انتهاء الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، وتواصل الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية داخل الأراضي السورية، وبعد صفقة النفط السوري بين شركة أميركية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، عمودها الفقري الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، بحسب تصريحات لوزير الدفاع الأميركي السابق آشتون كارتر، وكذلك حديث للجنرال ريموند توماس قائد العمليات الخاصة في الجيش الاميركي عام 2017، إضافةً إلى الغموض المخيّم على مصير إدلب ومستقبل التفاهمات الروسية التركية هناك وفي مناطق أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتزامنت زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، مع حراك دولي متسارع في المنطقة، لا سيما في دول الجوار، في لبنان والعراق، والتوتر المتزايد شرق المتوسط وصلته بمشاريع منافسة لمستقبل تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا.
يمكن تلخيص زيارة الوفد الروسي إلى سوريا بعناوين ثلاثة. في الشق السياسي، إذ سبقتها اجتماعات اللجنة الدستورية ولقاء لافروف مع المبعوث الدولي غير بيدرسون والحديث عن أجواء إيجابية بعد تحركات روسية ولقاءات مع معارضين سوريين، وهذا كله سياسياً يسبق انتخابات عام 2021 الرئاسية.
وكانت تصريحات لافروف ونظيره السوري وليد المعلم، رسالة واضحة لأكثر من طرف سوري ودولي، بأن الانتخابات ستجري في موعدها، حتى لو لم يحصل أي تقدم على صعيد عمل اللجنة الدستورية، وهو ما استبعد أي تكهنات أطلقها البعض حول العمل على صيغة ما، تتماشى وتتناسب مع الرغبة الأميركية.
العنوان الثاني، شرق الفرات حيث الوجود الأميركي و"قسد"، وحيث تنتقد موسكو باستمرار العقوبات الأميركية، والوجود الأميركي داخل الأراضي السورية، وتصريحات لافروف من دمشق حول التأكيد على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية تنفي كل ما سبق وقيل عن صفقة ما، في بعض المناطق السورية، و هنا لا يمكن تجاهل مقتل عدد من قادة العشائر واحتجاجات مناطق في دير الزور ضد سيطرة "قسد" على مناطق عربية خالصة (يشكل العرب في دير الزور أكثر من 99 في المئة)، وأيضاً ضد صفقة النفط السوري بين قوة الأمر الواقع في المنطقة وشركة أميركية.
أما العنوان الثالث والأبرز، فهو المسألة الاقتصادية، في وقت تشهد سوريا أزمة اقتصادية خانقة وتراجعاً في قيمة الليرة وسط مخاوف من أن تفاقمها العقوبات الأخيرة التي فرضتها واشنطن بموجب قانون "قيصر"، لا سيما أن المرحلة الآن هي اقتصادية بعد مرحلة انخراط روسي عسكري وسياسي. وحول العقوبات الأميركية، صرح نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف من دمشق، "في الواقع، هذا حصار، وموقف مدمّر للولايات المتحدة والدول الغربية، نبذل جهوداً مشتركة لاختراقه".
يبقى القول، تتجه الأنظار نحو الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهل سيكون هناك توجه جديد حول سوريا، أو تنفيذ ما تعهّد به أكثر من مرة الرئيس دونالد ترمب واستكمال الانسحاب من الأراضي السورية.