Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أطلق السيستاني يد الكاظمي للإطاحة بشخصيات سياسية في العراق؟

الاعتقالات الأخيرة مقدمة لعمليات أوسع ستطال أسماء أخرى متهمة بقضايا فساد

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ف.ب)

بعد جولة اعتقالات أولى أدارتها لجنة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي المكلّفة بالتحقيق في قضايا الفساد الكبرى أسفرت عن اعتقال عدد من المسؤولين الحكوميين بتهم فساد، تتزايد التساؤلات بشأن جدية الحكومة في توسيع تلك الحملة للإطاحة بشخصيات سياسية بارزة في العراق، في حين يعتبر مراقبون أن توصيات المرجع الديني الشيعي الأعلى علي السيستاني كانت بمثابة "تفويض" للكاظمي في إدارة حملة واسعة ضد كل المتورطين بقضايا فساد وقتل.

واعتقلت قوة عسكرية خاصة، الثلاثاء 15 سبتمبر (أيلول)، مدير هيئة التقاعد السابق أحمد الساعدي، تمهيداً لعرضه على قاضي تحقيق، وفقاً لمصدر أمني تحدث لوسائل إعلام محلية، إلا أن العمليات لم تتوقف عند هذا الحد، حيث تؤكد مصادر أمنية لوسائل إعلام محلية في 17 سبتمبر، اعتقال رئيس هيئة استثمار بغداد شاكر الزاملي ومدير عام المصرف الزراعي عادل خضير، فضلاً عن اعتقال مدير ومالك شركة (كي كارد) بهاء عبد الحسين في مطار بغداد الدولي، بينما كان ينوي الهرب خارج البلاد. 

وتشير التسريبات إلى أن تلك الحملة لن تتوقف عند هذا الحد وستشمل تحركات أخرى لم يتم الإعلان عنها بعد.

في غضون ذلك، تؤكد مصادر مقربة من أجواء الحكومة العراقية إلى أن تلك العمليات "مستمرة ولن تستثني أي شخصية يثبت تورطها بملفات فساد مهما كان حجمها". وتضيف المصادر لـ"اندبندنت عربية"، أن ما جرى في اليومين الماضيين "مقدمة لعمليات أوسع ستطال شخصيات أخرى متهمة بقضايا فساد".

عدة مسارات لحراك الكاظمي

وتتراوح الترجيحات بشأن احتمالية أن يخوض الكاظمي صداماً مع أحزاب متنفذة وشخصيات سياسية وازنة متهمة بملفات فساد، بين خيارين في أقصى اليمين وأقصى اليسار، فبينما يصف فريق التحركات الأخيرة بأنها "الأولى من نوعها"، وقد تمثّل "مقدمة" لحراك أكبر يشمل قادة سياسيين بارزين، يتوقع فريق آخر أن تكون "التسويات السياسية" خيار الكاظمي الرئيس في محاولة لقيادة "فترة هادئة" تمكنه من ترتيب أجواء آمنة قبيل الانتخابات المبكرة وعدم الخوض في صدامات قد لا يتمكن من "إدارة أدواتها"، وهو ما يشير له أستاذ العلوم السياسية إياد العنبر.

ويضيف العنبر لـ"اندبندنت عربية"، أي خطة لمكافحة الفساد من خلال "لجان صادرة بقرار سياسي يعني أن التسويات السياسية هي التي ستتحكم بمساراتها"، في إشارة إلى "لجنة التحقيق بقضايا الفساد والجرائم الهامة" التي شكلها الكاظمي في 3 سبتمبر الجاري.

ويتابع العنبر، "المنظومة السياسية لن تسمح لأي شخص بمخالفة قواعد اللعبة فيها"، لافتاً إلى أن محاربة الفساد يجب أن تتم من خلال "القضاء وهيئة النزاهة والمدعي العام، وألا تخضع للتسويات السياسية".

ويرجح العنبر أن تكون تلك التحركات الأخيرة "دعائية" أكثر من كونها "حاسمة في مواجهة حيتان الفساد"، مبيناً أن القضية ربما ستحصر "في إطار التحشيد والترويج للانتخابات المقبلة من قبل الفريق الحكومي".

أما رئيس مركز "كلواذا" للدراسات باسل حسين، فيرى أنه "على الرغم من عدم اتضاح ملامح تحركات الكاظمي ومدى إمكانية أن تطيح بحيتان كبيرة من قادة الحراك السياسي، إلا أنها تعد الأولى من نوعها في التصدي للفساد".

ويشير حسين في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن بيان السيستاني الأخير أعطى "دعماً مفتوحاً" للجنة مكافحة الفساد، مردفاً "تجلى هذا الدعم بشكل واضح إثر تصاعد فاعلية اللجنة وإصدارها أوامر قبض بحق متهمين بالفساد".

ويرجح حسين أن تكون التحركات الأخيرة للكاظمي "التي طالت أطرافاً مقربة من المالكي أو من ائتلاف دولة القانون"، هي التي دفعت الأخير للذهاب إلى طهران لـ"مناقشة الموقف من حكومة الكاظمي فضلاً عن القضايا الاخرى المرتبطة بالانتخابات المبكرة".

تسوية على "مقاس الكاظمي" 

في مقابل تلك المسارات، يطرح الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني مساراً ثالثاً لتحركات رئيس الحكومة في إطار مكافحة الفساد، يسير وفق "استراتيجية تأجيل الصدام" وليس إلغاءه، من خلال "محاولات ترميم القوات الأمنية وضخ دماء جديدة على رأس قيادات المفاصل الرئيسة فيها"، قبل الشروع بأي مواجهة محتملة مع قادة أحزاب أو فصائل مسلحة، مبيناً أن حديث المرجعية الأخير وضغط الشارع يحتمان على الكاظمي اتخاذ خطوات "مقنعة وحقيقية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الموزاني في حديث لـ"اندبندنت عربية"، تكرار تجربة اعتقال "خلية الكاتيوشا"، ستكون عواقبها وخيمة على حكومة الكاظمي، لافتاً إلى أن هذا الأمر "يجب أن يكون في حسابات الحكومة في حال أقدمت على تحركات أوسع".

ويشير إلى أن، استراتيجية الكاظمي قد تشتمل على محاولات "ضرب شخصيات ثانوية متورطة بقضايا فساد لكسب ود الشارع العراقي وإعطاء الحكومة زخماً لترميم أدواتها الأمنية للشروع بمواجهة أوسع"، مستدركاً، أن تلك المواجهة المفترضة قد لا يكون هدفها الرئيس "إسقاط شخصيات بأعلى هرم السياسية بقدر صناعة تسوية على مقاسات رئيس الحكومة وليست على مقاس الأحزاب".

"مناصب وسطية" وإصلاحات اقتصادية

وتبين طبيعة الشخصيات التي تم اعتقالها أو تسربت معلومات عن ملاحقتها، أن الحملة ربما ستكتفي باستهداف "المناصب الوسطية" في الدولة.

وترتبط تلك الشخصيات بهيئات ومصارف ومناصب أخرى على صلة بحركة الأموال والرواتب والمشاريع الاقتصادية، بالتزامن مع إعلان الحكومة تشكيل لجنة لتدقيق أعداد الموظفين في دوائر ومؤسسات الدولة.

ويعطي ذلك انطباعاً بأن الحملة ربما ترتبط بـ"محاولات إقناع الأطراف الدولية بأن الحكومة عازمة على إجراء إصلاحات اقتصادية للحصول على قروض تمكنها من تجاوز الأزمة المالية"، وهو ما يشير له  الصحافي العراقي أحمد الزبيدي.

ولا يستبعد الزبيدي أن تتسع الحملة لتطال "شخصيات أخرى بما يتعلق بإدارة الملف الاقتصادي والمالي"، لكنه لا يعتقد أن تشمل الحملة زعامات سياسية دون صناعة تفاهمات مسبقة وتحالفات مع قوى سياسية رئيسة تمكنه من تقديم "أكباش فداء" في حملته.

ويشير إلى أن "آخر ما يفكر فيه الكاظمي بالفترة الحالية هو فتح أكثر من جبهة، حيث يدرك أن أي ذلك يضع عراقيل أمام رئيس الحكومة في ظل أزمات معقدة شائكة يواجهها فريقه على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية".

المالكي يستشعر الخطر

وكانت مصادر مطلعة قد أشارت إلى عقد الكاظمي، عقب عودته من واشنطن، "تسوية" مع الزعامات السياسية الشيعية الكبرى، وعلى رأسها زعيم ائتلاف "الفتح" هادي العامري وزعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي.

وتقول مصادر رفيعة لـ"اندبندنت عربية"، إن الاجتماع الذي حضرته قيادات في فصائل مسلحة لم يجر في "أجواء ودية أبداً"، وشهد مشاحنات وتراشق اتهامات بين الكاظمي وبعض أطراف الاجتماع وعلى رأسها المالكي، على خلفية التصعيد الاحتجاجي في الناصرية والبصرة.

عقب ذلك، ظهر اسم صهر المالكي والقيادي في "ائتلاف دولة القانون" ياسر صخيل، في قائمة حجز أموال طالت شخصيات سياسية، وهو ما اعتبرته تقارير صحافية "جس نبض" غير مسبوق من قبل حكومة الكاظمي، قد يفضي لاحقاً إلى "خطوات أكثر جرأة" تتعلق بمنظومة المالكي أحد أكبر المتهمين بالفساد.

ويربط مراقبون بين الأحداث الأخيرة وزيارة المالكي المفاجئة إلى طهران في 13 سبتمبر، حيث تقول تقارير إن الزيارة تتعلق بـ"خطة إيرانية" تهدف لـ"محاصرة" الكاظمي الذي قد يندفع في تحركات قد تستهدف نفوذ جهات سياسية وأطرافاً على صلة مباشرة بالمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، بعد موقف المرجع الديني الأعلى علي السيستاني الأخير.

ويعتقد الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي، أن غاية المالكي من تلك الزيارة هي "الحصول على دعم طهران وإقناعها بتسليط ضغط على السيستاني لإيقاف الدعم الذي أعطاه لحكومة الكاظمي"، مشيراً إلى أن مخاوف المالكي بدأت بالتبلور عند شروع الكاظمي بـ"محاولات تفكيك الدولة العميقة التي أسسها، الأمر الذي قد يتسبب بفتح قضايا فساد قد تطاله وتطال شخصيات أخرى مقربة منه".

تفويض السيستاني 

وتأتي حملة الاعتقالات هذه بعد أيام قليلة من توجيهات أصدرها المرجع الديني الشيعي الأعلى علي السيستاني، طالب فيها الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات لمكافحة الفساد ومحاسبة المتورطين بقضايا قتل، الأمر الذي عده مراقبون "تفويضاً" لحكومة الكاظمي في إدارة تلك الحملة.

ويقول الشريفي، إن توجيهات المرجع السيستاني "أطلقت يد لجنة مكافحة الفساد ومثلت تفويضاً واضحاً لإدارة حملة على المتورطين بقضايا فساد وقتل وإرهاب"، مشيراً إلى أن لقاء المرجع الأعلى بممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس - بلاسخارت كان بمثابة "تفويض للإرادة الدولية بإجراء التغييرات في حال فشل الفاعل العراقي على اتخاذ خطوات جريئة". 

ويوضح الشريفي، أن "ما دفع السيستاني للتدخل هو عدم اقتناعه بأداء الكاظمي في إدارة تلك الملفات"، مبيناً أن تبريرات الكاظمي باعتماد "أسلوب ناعم" في التصدي للأحزاب المتورطة بقضايا فساد وقتل "غير مقنعة للمرجعية".

ويختم أن "السقف الزمني القصير وحالة التأييد التي يحظى بها الكاظمي يفترض أن تكون دافعاً للحكومة للشروع بحملة أكبر وعدم الاعتماد على خطط طويلة الأمد".

المزيد من تقارير