Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تغييرات الكاظمي توصم بـ"المحاصصة" وكتل ترفض التعيين من دون التشاور معها

فرقاء سياسيون بنوا مواقفهم الرافضة على أساس موجة الغضب الشعبي حيال تعيينات رئيس الوزراء

الكاظمي مترئساً جلسة الحكومة (المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي)

أثارت سلسلة التغييرات التي أجراها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في مناصب عليا في الدولة ردود فعل غاضبة كونها اشتملت على شخصيات سياسية، وأخرى شغلت في السابق مناصب رسمية رفيعة، الأمر الذي يعدّه مراقبون استمراراً لمنهج المحاصصة الذي تدار به البلاد.

وتضمنت التغييرات 16 منصباً رفيعاً، من بينها تعيين القيادي في "الحشد الشعبي"، نائب رئيس ديوان الوقف الشيعي السابق سامي المسعودي، رئيساً لهيئة الحج والعمرة، وتسليم وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، منصب "وكيل العمليات" في جهاز الاستخبارات.
وشملت التعديلات أيضاً شخصيات غير معروفة، من بينها مصطفى غالب الكتاب، لرئاسة البنك المركزي العراقي. ويقول مراقبون إن الأخير على صلة بالتيار الصدري. كما عيّنت مستشارة الكاظمي لشؤون الاستثمار سهى النجار، رئيسة للهيئة الوطنية للاستثمار، ومنهل الحبوبي، لأمانة بغداد، وسالم الجلبي، لرئاسة المصرف العراقي للتجارة، وفالح العيساوي، وكيلاً لرئيس جهاز الأمن الوطني والقاضي علاء جواد، رئيساً لهيئة النزاهة، بعدما كان يشغل المنصب ذاته في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عام 2011.


تبروء ورفض و"شلع قلع"

وعلى الرغم من اشتمال تغييرات الكاظمي على شخصيات تنتمي لأحزاب رئيسة وأخرى مقربة أو محسوبة عليها، إلا أن كتلاً سياسية أساسية عبّرت عن رفضها لسلسلة التعديلات تلك، مبرّرة ذلك بأنها اعتمدت على "مبدأ المحاصصة".
وأعلن زعيم "تحالف الفتح" هادي العامري "براءته" من تلك التعيينات، على الرغم من ضمها اسم سامي المسعودي، مبيّناً أن الأخير "معيّن وكالة منذ زمن رئيس الوزراء السابق". وأضاف في بيان، "إذا كان رئيس الوزراء الحالي يريد أن يجامل الفتح بهذا التعيين، فالأخ الشيخ المسعودي أكبر من هذا الأمر".
أما تحالف "سائرون" المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، فرفض تلك التعيينات، قائلاً في بيان إن "قائمة تعيينات الكاظمي غلب عليها الإطار الحزبي والسياسي"، معتبراً ذلك بمثابة "عودة إلى ذات الدائرة السابقة، ما يمثل نكوصاً في المشروع الإصلاحي".
ونشر حساب صالح محمد العراقي، المقرّب من الصدر، تغريدة ذكر فيها "خاب أملنا وعدنا إلى المحاصصة، وعدنا إلى تحكم الفاسدين، وعدنا إلى إضعاف البلد والمؤسسات الخدمية والأمنية والحكومية". وأردف "أكرّر خاب أملنا، وإن لم تتم محاكمة الفاسدين وإلغاء تلك المحاصصات فنحن لها، ولن يرهبنا أي شيء ولن نركع إلا لله وعلى الإخوة في "سائرون" التبرّؤ فوراً، وإلا تبرّأنا من الجميع شلع قلع".


الكاظمي يتساءل

وردّ الكاظمي على الأطراف السياسية التي وصفت التغييرات الأخيرة التي أجراها بـ"الخضوع للمحاصصة"، قائلاً إن "مواقف بعض الكتل السياسية من موضوع المحاصصة يجب أن تقترن بمعلومات محددة حول هذه المحاصصة المزعومة"، مشيراً إلى أن حكومته "ستتعامل مع هذه المعلومات بجدية وتتحقق منها ضمن السياقات المعمول بها".
وتساءل "إذا كانت القوى السياسية أعلنت براءتها من هذه التغييرات وهي فعلاً لم تتدخل فيها ولم تؤثر فيها، فكيف تتهم بأن التغييرات اعتمدت على المحاصصة الحزبية؟". وأوضح أن هذه "التغييرات الضرورية أتت منسجمة مع سياق إداري وقانوني فرضته نهاية المدد القانونية الرسمية لبعض المسؤولين بل وتجاوز تلك المدد سقوفها لفترات طويلة"، مردفاً أنه "على هذا الأساس، تم اختيار معظم الأسماء المطروحة من داخل المؤسسات ذاتها، أو من المتخصصين في مجالات معيّنة، مع الأخذ في الحسبان عامل النزاهة والخبرة وضمان التوازن الوطني".


دوافع رفض الكتل السياسية

في المقابل، تتباين آراء المراقبين والسياسيين حول دوافع إعلان رفض و"براءة" بعض الكتل من تلك التعيينات، إذ يعزو فريق منهم موقفه المعارض إلى كون تلك التعيينات لم تجرِ بتوافق مسبق بين الكاظمي وقادة الكتل السياسية على الرغم من شمولها شخصيات تابعة لتلك الكتل، أما الفريق الآخر، فيرى أن ما دفع البعض إلى تسجيل موقف سلبي منها هو موجة الرفض الشعبية لها.
وجاءت سلسلة التغييرات تلك بعد يوم واحد من إصدار المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني حزمة توصيات للحكومة، تطالب بمحاربة الفساد وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف دولي ومحاسبة قتلة المتظاهرين.
في السياق، قال النائب المستقل في البرلمان العراقي باسم خشان إن "رد الفعل الشعبي هو الذي دفع الكتل إلى التراجع عن دعمها لتلك التعيينات، ومن غير المنطقي أن يكون اختيار شخصيات حزبية فيها مصادفة".
وأشار في حديث لـ"اندبندنت عربية" إلى أن "الكتل السياسية لا تزال معتمدة على القرار التشريعي رقم 44 لعام 2008، الذي ينصّ على تقسيم المناصب العليا في الدولة، من مدير عام فما فوق، وفق التمثيل البرلماني، على الرغم من إلغائه من قبل المحكمة الاتحادية عام 2019"، موضحاً أن "جهل الكاظمي بالقانون وقرارات المحكمة الاتحادية جعله مستمراً بالخضوع للمحاصصة".
أما بشأن التغييرات في هيئة النزاهة، فاعتبر خشان أنه "كان على الكاظمي تعيين وجوه جديدة لمحاربة الفساد، فالرئيس الجديد للهيئة كان يعمل فيها وفشل في مهمته"، مبيّناً أن "تسويقه على أنه تغيير، أمر غريب". وأضاف أن "تلك التعيينات تدلّ على أن الكاظمي غير عازم على مواجهة الفساد وتعطي انطباعاً بأنه إما خاضع بشكل تام للكتل للسياسية أو جاهل بسبل معالجة الإشكالات في الدولة العراقية، أو الأمرين معاً".


وجبة أولى واتفاقات مسبقة

ويبدو أن تلك القائمة تشكّل مقدمة لسلسلة تغييرات أخرى ستشمل عدداً كبيراً من المناصب العليا في الدولة ضمن اتفاقات مسبقة بين القوى السياسية تهدف إلى إنهاء "الدولة العميقة" التي أسّسها "حزب الدعوة". وصرح الصحافي مصطفى ناصر أن تلك الاتفاقات "حصلت خلال ولاية رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي"، مضيفاً لـ"اندبندنت عربية" أن التغييرات الأخيرة "وجبة أولى" ستليها تعديلات عدة إضافية، ولافتاً إلى أنها "مبنيّة على الخلافات التي حصلت عام 2018 بين الكتل السياسية حول رؤساء الهيئات والدرجات الخاصة".

وتابع أن ما دفع القوى السياسية إلى رفض تلك التعيينات، هو كون "الكاظمي اختار شخصيات من دون استشارة الكتل السياسية المتحاصصة على الرغم من كونها شخصيات حزبية"، مستدركاً أن "الكاظمي حاول أن يوازن بين المحاصصة الحزبية ومعايير الكفاءة وإرادة الشارع العراقي".

وأكد ناصر أن أحد أبرز البنود التي تم الاتفاق عليها في الحوار الأخير بين الكاظمي والزعامات الشيعية، كان "إنهاء المناصب بالوكالة والمضي بالتعيينات التي أقرّت وفق مبدأ المحاصصة". واستبعد تراجع رئيس الحكومة عن تلك التعيينات لأنه يقع "تحت ضغط الشارع الراغب في التغيير من جهة، وضغوط الكتل السياسية المطالبة بحصصها من جهة أخرى"، مشيراً إلى أن "أي تراجع ستنتج منه قرارات أسوأ تخضع بشكل مباشر لإرادة الكتل السياسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


غياب التفاهمات المسبقة

أما أستاذ العلوم السياسية إياد العنبر، فرأى أن الغاية من إدراج الكاظمي لشخصيات حزبية في التغييرات الأخيرة هي "التمكّن من إمرار شخصيات يريدها هو لإدارة هيئة الاستثمار وأمانة العاصمة والمصرف العراقي للتجارة". وأشار إلى أن السبب الرئيس لاعتراضات قادة الكتل هو "عدم وجود تفاهمات مسبقة معهم وليس المحاصصة".
وتساءل عن إمكانية مكافحة الفساد من خلال استخدام أدوات مجرّبة في هذا السياق، شارحاً أن تشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد يعني أنه "يرغب في تعطيل عمل المؤسسات المعنيّة فعلاً بمحاربة الفساد، من بينها هيئة النزاهة، والدليل على ذلك هو تعيين شخصية مجرّبة في هذا الإطار ولم تثبت كفاءة".


"قتل الملل"

وقال الصحافي رضا الشمري من جهته إن تلك التعيينات تخدم غرضاً واحداً صرحت به الحكومة وهو "قتل الملل" في مؤسسات الدولة، معتبراً أن الحديث عن أهداف إصلاحية أو نتائج تخدم مكافحة الفساد أو إلغاء منهج المحاصصة، بمثابة "مبالغات من قبل أشخاص حالمين، يحاولون البحث عن أمر مختلف في حكومة الكاظمي منذ تكليفه".

وعزا إشكالية إدارة الدولة إلى "النظام الإداري والفساد وثقافة الخدمة العامة الرديئة والرثّة، يضاف إليها ما نتج منها وما أنتجها، من تدخلات خارجية وتطرف وعنف"، مبيّناً أن "حل تلك المشكلات لا يتم بتعيين رؤساء دوائر خاضعين للأحزاب أو قادة حزبيين مشتركين في الفساد".
ولفت إلى أن "الكاظمي بدأ بالفشل حتى في جانب الاستعراض الإعلامي، بعدما كشفت التعيينات عن ترشيح شخصيات فاسدة، ميليشياوية، وأخرى ذات سلوك سوقي معلن"، مردفاً أن هذا "يعكس بشكل واضح أن القرارات في حكومة الكاظمي تتّخذ من دون أي نوع من الدراسة".

وختم الشمري أن "التعيينات فاشلة حتى في جلب التأييد للكاظمي من قبل المستفيدين منها، بعدما تبرّأ تحالف الفتح وسائرون من مرشحيهما ومن المحاصصة بشكل عام"، مردفاً أن "هذا التبرّؤ كان مثيراً للسخرية تجاه التحالفَين، والحكومة أيضاً".

المزيد من العالم العربي