مبان تحمل بين أزقتها قصصاً من كتب التاريخ، تشهد على أهمية من مروا من هنا، وتنقل إليك أصواتهم التي تسمعها عندما تلصق مسمعك على جدرانها. تحف معمارية فريدة شيدها كبار القوم، قصور أبدع مشيدوها في بنائها باستخدام مواد البناء المحلية في عمارتها، ووقوع كثير منها في مراكز المدن جعلها علامة مميزة للوحدة، وعناصر بارزة للتراث العمراني في مواقعها. من هنا تأتي أهمية الاستفادة منها في حماية الذاكرة الجمعية للتاريخ السعودي، إذ تحتضن منطقة الرياض عاصمة البلاد عديداً من القصور التي تعكس تاريخ وفترات بنائها وتطورها.
هذه القصور التي شملها إعلان وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن فرحان، قبل أيام، بإطلاق مشروع ترميم وتأهيل مباني التراث العمراني ذات القيمة التاريخية في العاصمة، بدعم من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
إذ يرى الأكاديمي المتخصص في إدارة موارد التراث فهد الحسين، أن أبرز مجموعات القصور الطينية في مدينة الرياض، هي الواقعة شمالاً خارج أسوار مدينة الرياض القديمة. وتتوزع هذه القصور بين أحياء الظهيرة، وحوطة خالد، والسويدي، وحي الفوطة، ويبلغ عددها خمسة عشر قصراً.
ويضيف "تسعة قصور منها تقع في حي السويدي وحوطة خالد الواقعان شرق حي الفوطة. وهي قصر الشمسية، والقصر الأحمر، وقصر الملك فهد، وقصر الملك عبدالله، وقصر الأميرة هيا بنت عبد الرحمن، وقصر الأمير سلطان، وقصر الأميرة العنود، وقصر والدة الملك فيصل الأميرة طرفه آل الشيخ، وقصر الأمير عبدالله بن فيصل بن عبد العزيز".
وذكر الحسين في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن من أبرز السمات المعمارية للقصور الطينية، أنها مكونة من ثلاثة طوابق، شيدت بطوب اللبن والطين على الطراز النجدي، ويفصل بينها طريق عرضه نحو 7 أمتار، وهذه القصور "متماثلة في المساحة والتصميم المعماري، وقوامها مبنى مسقطه مستطيل الشكل، تقدر مساحتها بنحو 5000 متر مربع". واشتمل كل قصر منها على ثلاث وحدات معمارية ضخمة، تضم وحدة خاصة بالأمير، ووحدة خاصة بعائلة الأمير، ووحدة خاصة بالخدمات.
قصر المربع
في عام 1937 وجه الملك عبد العزيز بإنشاء مجمع من القصور ضمن سور واحد خارج أسوار مدينة الرياض القديمة وسميت بقصور المربع ليكون مقراً له ولأسرته.
ويعد المربع من أهم القصور التاريخية في مدينة الرياض، ويمثل أبرز عناصر مركز الملك عبد العزيز من الناحية التاريخية والتراثية.
وعرف أيضاً باسم الديوان، وكان القصر مخصصاً لمتابعة الأعمال الإدارية ومقراً لاستقبال ضيوف الملك.
وبني القصر بالمواد المحلية، فشيدت جدرانه من اللبن وهو "الطين المخلوط بالقش المجفف في أشعة الشمس"، وأسست قواعده من الحجر على أعمده من الحجارة الدائرية المثبتة بالجص، وتسند سقوفه على خشب الأثل وسعف النخيل، ويتكون الطابق الأرضي من ست عشرة غرفة، أبرزها غرفة الحرس وغرفة الخويا وغرف إعداد القهوة ومخزن الأطعمة ومستودع الحطب. أما الطابق الأول يتكون من ست عشرة غرفة أيضاً، أبرزها مجلس الملك ومكتب الشؤون الخاصة ومكتب الشؤون السياسية ومكتب آمر القصر.
ويعد هذا القصر آخر المباني التي شيدت من الطين وجذوع النخيل في عهد الملك عبد العزيز.
قصر الأميرة نورة
يسمى "قصر الشمسية"، ويتكون القصر من ثلاثة أدوار، وتقدر مساحته بـ650 متراً مربعاً تقريباً.
ويعود تاريخ بناء قصر الأميرة نورة إلى ثلاثينيات القرن العشرين الميلادي. فقد أمر الملك عبد العزيز ببنائه للأمير سعود بن عبد العزيز بن سعود، وأخته الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود.
ويشتهر القصر بإحدى بواباته التي كانت تسمى "باب الضعوف" حيث كان مقصداً للمحتاجين، الذين يقصدونه لتناول الطعام الذي يقدم بقربه. وكذلك أبناء القبائل الذين كانوا يأتون للملك عبد العزيز، وينصبون خيامهم عند القصر ويلقون من ساكني القصر كرم الضيافة.
قصور حي الفوطة
يزيد عمر القصور في حي الفوطة "وسط مدينة الرياض" إلى تسعين عاماً.
وستتحول قصور الفوطة الملكية بحسب الاستخدام المقترح من وزارة الثقافة إلى فنادق تراثية، وتبلغ مساحة القصور 11 ألف و200 متر مربع.
بنيت القصور جنوب قصر المربع لأبناء الملك المؤسس، وهم مشعل ومساعد وعبدالمحسن وسلطان وفهد بن سعود، واكتمل بناؤها عام 1942.
وهدمت هذه القصور أوائل الثمانينيات الهجرية، وأقيمت مكانها عمارات حديثة على شارع الخزان. وفي عام 1947، اكتمل بناء خمسة قصور أخرى جنوب غربي قصر المربع بأمر من الملك عبد العزيز، لأبنائه الأمراء بندر وعبد الرحمن ومشاري، ومتعب وفهد بن محمد بن عبد العزيز.
هدم اثنان منها، وأقيمت مكانهما عمائر حديثة، ثم هدم اثنان آخران جزئياً من الأمام، وبقيتها لاتزال قائمة. القصر الأخير الباقـي قصر الأمير فهد بن محمد بن عبد العزيز الذي استخدم كأول مقر لوزارة المواصلات في منتصف السبعينيات الهجرية، واستخدم فترة من الفترات في الثمانينيات والتسيعينيات الهجرية قصراً للأفراح.
القصر الأحمر
يقع في حي الفوطة وسط مدينة الرياض، بني بأمر الملك عبد العزيز بعد احتراق قصر ابنه الأمير سعود في حي المربع، ويعتبر القصر الأحمر أول مبنى يشيد بمادتي الإسمنت والحديد المسلح في مدينة الرياض.
أمر الملك عبد العزيز ببنائه في عام 1942، ليكون قصراً لابنه وولي عهده الأمير سعود بن عبد العزيز، الملك في وقت لاحق.
هذا القصر جزء من تاريخ الرياض الحديثة، وهو تحفة معمارية من حيث مساحته وتصميمه، كما يستقبل فيه الملوك ورؤساء الدول والحكومات. وكان القصر شاهداً على قرارات مهمة كما ذكر في كتاب القصر الأحمر للمؤلف عبدالله اليامي، مثل قطع العلاقات مع كل من فرنسا وبريطانيا عام 1956، ووقف تصدير النفط وغيرهما من المواقف، التي كان لها تأثير في مجريات الأحداث حينها، كما كان القصر مجلساً للوزراء في عهد الملك فيصل والملك خالد وسنوات من عهد الملك فهد.
قصر البديعة الملكي
وجه بإنشائه الملك عبد العزيز في منطقة زراعية تعرف بـ"الباطن" غرب سور الرياض، ويتكون القصر من ثلاثة أجزاءٍ، جزء للملك عبد العزيز ولضيوفه، وجزء للخدمات، والجزء الجنوبي لعائلته.
أنشئ القصر عام 1934، ويمتاز القصر بوجود بئرين اثنتين عذبتين، واحدة داخل القصر والأخرى تقع في الجزء الجنوبي.
وأُسست جدرانه من أحجار قوية، كما تلحق بالمبنى شرفات ذات أعمدة ومصابيح أضافت جمالاً، وأظهرت إتقان العمل المعماري في ذلك الوقت كما زينت جدرانه بالنقوش والزخارف من الجص الأبيض.
في عام 1375 استعمل القصر مدرسة مؤقتة لحين بناء مدرسة، وكذلك استخدم قسم الرجال من القصر مركزاً للشرطة لفترة مؤقتة.
قصر الملك فهد
يقع قصر الملك فهد في حي الظهيرة في وسط الرياض. تم بناؤه في أواخر الستينيات الميلادية.
كان يشرف على بنائه شخصياً كما ذكر الشيخ فهد بن دحام. القصر يختلف كلياً عن قصور نجد، فالمواد المستخدمه فيه كثيراَ ما نجدها في الساحل الشرقي من المملكة، والشبابيك والأبواب والسقوف كلها تستخدم في الأحساء والكويت والبحرين.
ويتكون سقف المنزل الداخلي من خشب الأثل والجريد والخوص المصفوف، وله ستائر تغطي سقف الغرف وتجملها، وبعض الغرف سقفها من المرابيع والألواح وجميع جدران المنزل الداخلية مجصصة بالكامل، ومجمله بزخارف وأقواس جبسيه لم نجدها في غيره من المنازل، ويعتبر أكبر منزل في حي الظهيرة له واجهتان شمالية وجنوبية، وإجمالي مساحته 1200 متر مربع.
عاش الملك فهد في هذا القصر أول استقلال لحياته الشخصية عن قصر المربع، وسيتحول القصر بحسب مقترح وزارة الثقافة إلى متحف لتاريخ الملك فهد.
قصر الأميرة هيا
يقع قصر الأميرة هيا "أخت الملك عبد العزيز" في السويدي غرب مدينة الرياض، وكان يسمى بقصر السويدي، بني عام 1953م. كان في فترة من الفترات مدرسة ابتدائية، والآن القصر مؤجر للعمالة. ومازال محتفظاً بتراثه، بناه محمد بن لادن.
وأكد الأكاديمي الحسين أن مجموعة القصور تمثل جزءًاً حيوياً من الهوية المعمارية، وذاكرة الرياض الثقافية، لوقوعها قرب آثار ما تبقى من المزارع الشمالية لحجر اليمامة، كانت تسقيها كظائم "خرزات" عين الخضراء، التي ذكرها ابن الفقيه، وحدد الدكتور الحسين موقعها في الجهة الجنوبية الغربية من مبنى مؤسسة النقد. وشدد الحسين على اقتناص المشروع، وتنفيذ تنقيبات أثرية استكشافية سريعة في مواقع مختارة، قبل البدء بأي أعمال ترميم للقصور، بحثاً عن الحلقات المفقودة من التاريخ الحضاري لمدينة حجر اليمامة.
