Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتقادات لاتفاق حمدوك - الحلو على الرغم من خرق جمود المفاوضات

يرى البعض أنه لا يحق لرئيس "الحركة الشعبية – شمال" فرض مبادئ عامة على الشعب السوداني كله

نائب رئيس المجلس العسكري الإنتقالي محمد حمدان دقلو (على اليسار) بعد عودته من جوبا في 3 سبتمر الحالي (غيتي)

أثار الاتفاق الذي وقعه رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مع رئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال" عبد العزيز الحلو، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الخميس 3 سبتمبر (أيلول) الحالي، جدلاً كبيراً في أوساط الأطراف السياسية المكونة لـ"قوى الحرية والتغيير"، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، وأطراف أخرى خارج الحكومة، باعتبار أنه تناول قضايا تتعلق بتقرير المصير وعلاقة الدين بالدولة، مما يتطلب تفويضاً من الشارع السوداني عبر انتخابات عامة. 

لكن سرعان ما أصدر مجلس الوزراء بياناً أكد أن الاتفاق مبدئي ونص على استئناف التفاوض برعاية دولة جنوب السودان. كما حدد القضايا التي يجب مناقشتها على طاولة المفاوضات، مع وضع خريطة طريق تحدد منهجية التفاوض، على أن يمر الاتفاق عبر القنوات والأجهزة المعنية من الجانبين.
 

اختراق كبير 

وفي هذا الشأن، اعتبر جعفر حسن الناطق الرسمي باسم "التجمع الاتحادي السوداني" في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "اتفاق حمدوك - الحلو يُعد بمثابة اختراق كبير لجمود استمر لفترة طويلة مع الحركة الشعبية- شمال، وبالتالي فإن هذه الخطوة مهمة لبناء السودان بعد خطوة اتفاق جوبا الذي وُقع بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية، الإثنين الماضي، وذلك انطلاقاً من أن السلام يمثل المحور الأساسي لاستقرار الفترة الانتقالية والسودان بشكل عام"، لافتاً إلى أن "تحقيق هذا الحلم يلزمه دفع ثمن غالٍ وتقديم كل التنازلات، ولن يتم بسعر رخيص إذا أردنا تعزيز الروح السودانية والعيش في حياة كريمة لكل السودانيين، وأن تُستغل موارد البلاد بالصورة المطلوبة من دون وجود عوائق، فهذا هو المنظور الذي يجب أن يسعى إليه كل مَن هو حادب على السلام، لأن الغوص والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة ستقودنا إلى الغرق في مستنقعات يصعب الخروج منها". 

وتابع جعفر حسن "بنظري فإن البيان المشترك الذي صدر عن الطرفين عقب الاتفاق كان محترماً وموضوعياً، فعند التفاوض مع شخص يمثل قوة حقيقية على الأرض كالحلو، لا تملي عليه شروطاً بقدر ما تحاول أن تقدم تنازلاً لتكسبه شريكاً، لأن تأخير السلام يعني مزيداً من المعاناة لكل أهل السودان، بخاصة مَن يقطنون مناطق الحرب"، منوهاً بأن "السلام هو أحد مطالب الثورة، وقد فوضت الجماهير الحكومة الانتقالية لتحقيق وإنجاز هذا الملف بالسرعة المطلوبة. لذلك كرست الحكومة جهودها منذ مرور اليوم الأول على توليها مقاليد السلطة، لإيقاف الدم مع حاملي السلاح بأي ثمن. وهذا ما حدث بالفعل، لأن التشدد بالوقوف خلف الشعارات لن يؤدي إلى السلام". 

وبيّن حسن أن "الاتصالات مع عبد الواحد محمد نور لم تنقطع، لأن هناك قاسماً مشتركاً بيننا هو الوطن، فكلنا نجلس فوق مركب واحد، وإن اختلفت وجهات نظرنا في معالجة وحل قضايا السودان المتعددة، لكننا نشترك في الهموم ومساعي الحلول، والأمل موجود بالتوصل إلى اتفاق وطي صفحة الحرب دون رجعة". 


الاستقرار والتنمية 

في سياق متصل، وصف نور الدين بابكر الناطق الرسمي باسم "حزب المؤتمر السوداني" لـ"اندبندنت عربية"، التوقيع على مذكرة التفاهم بين الحكومة الانتقالية و"الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال" بأنه "خطوة إيجابية تؤكد حرص الجانبين على السلام باعتباره أحد أهم أهداف الثورة التي أطاحت بنظام البشير في أبريل (نيسان) 2019، ومسعى مهم لاستكمال السلام الشامل والعادل في البلاد، لأنه لا قيمة تعلو على السلام الذي من شأنه أن يفكك تعقيدات الواقع السوداني الموروثة منذ الاستقلال". ونوه بأنه "غير صحيح أن الحكومة الانتقالية غير مفوَضة لمناقشة كل ما يتعلق بقضايا الوطن سواء كان شكل الحكم أو غيره، فمن أجل السلام تقدم أي تنازلات ممكنة لأنها قضية مركزية تتعلق بالاستقرار والتنمية وبسط العدالة والحريات بمختلف أنواعها كمبدأ أصيل يُبنى عليه الحكم الديمقراطي للدولة". 

وأشار بابكر إلى أن "قضية السلام معقدة وممتدة، وما قامت به الحكومة السودانية من مساع وخطوات حتى الآن، هو الأمر الممكن الذي قاد إلى اتفاق السلام مع الجبهة الثورية، لذلك فإنه من خلال تحرك بسيط يمكن انخراط حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور في عملية التفاوض حتى يكتمل السلام الشامل العادل الذي يضم جميع الأطراف دون استثناء، انطلاقاً من المرتكزات التي وضعتها ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019 بأن السودان يسع الجميع".

حسن نوايا 

في المقابل، رأى الحاج حمد المتخصص في الاقتصاد السياسي في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "الاتفاق بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان يعبر عن حسن النوايا، لكن الحديث عن فصل الدين عن الدولة ليس له قيمة، فالدين منذ فترة النظام السابق ظل مفصولاً عن السياسة على الرغم من وجود أحكام الشريعة، فلم يكن هناك إصرار من قبل الدولة في ذاك الوقت على تطبيق تلك الأحكام. كما أن انتقاد الاتفاق من ناحية عدم أحقية الحكومة الانتقالية مناقشة تلك القضايا ليس في محله، فالوثيقة الدستورية فوضت الحكومة بالتوصل إلى السلام من دون أن تضع حدوداً للتفاوض، وفي الوقت ذاته، فإن حرية الأديان والمعتقدات مكفولة للجميع، وبالتالي فإن تمسك الحركة الشعبية بالعلمانية هو موقف تفاوضي فقط". ولفت حمد إلى أن "الحلو أراد بهذا الاتفاق قطع الطريق أمام بعض الحركات المسلحة ليكون جزءاً من الزخم الذي أحدثه اتفاق السلام مع الجبهة الثورية". 

وبينما انتقد حمد الطريقة التي اتبعتها الحكومة السودانية في عملية السلام، والتي وصفها بـ"الأسلوب الخطأ" الذي أدى إلى رفض 13 حركة مسلحة موالية لـ"الجبهة الثورية"، الاتفاق الذي وقِع في جوبا، أخيراً، أكد أن "استدامة السلام تحتاج إلى جمع كل الحركات المسلحة البالغ عددها 82 حركة في مؤتمر جامع، بمشاركة أصحاب المصلحة والحاضنات الأجنبية لتلك الحركات التي تدير الحرب بالوكالة في إطار الصراع الدولي في القارة الأفريقية". لكنه رأى أن "موضوع السلام وقع في لهيب الصراعات الدولية وعطل الحكومة الانتقالية عن أداء مهماتها بالشكل المطلوب، وذلك من أجل امتصاص الزخم الثوري المتمثل في الشارع السوداني". 

وحول إمكانية إلحاق حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور بركب السلام، أوضح المتخصص في الاقتصاد السياسي، أن "مسألة السلام مرتبطة بالنظام العالمي، فهو يعطل واحداً، ويسمح للآخر بأن يفاوض، لكن بشكل عام، فشل المفاوض السوداني في إدارة الشراكة مع المجتمع الدولي، فما زالت التبعية التي انتهجها نظام البشير قائمة، وبالتالي نحن في أزمة حقيقية ومركبة، وتزداد تعقيداً بسبب ألاعيب النظام العالمي". واعتبر أن "الحل يكمن في التعامل مع كل الحاضنات الأجنبية وفق مبدأ المصالح المشتركة، وأن تنتهج الحكومة السودانية إستراتيجية واضحة في التفاوض مع مَن تبقى من حركات مسلحة". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مشابه للتطبيع 

في سياق متصل، علق محمد المهدي رئيس المكتب السياسي لـ"حزب الأمة القومي" في السودان على الاتفاق بالقول إنه "بلا شك، السلام غاية يتطلع إليها كل الشعب السوداني الذي عانى ويلات المشاكل بسبب الحروب التي أقعدت البلاد اقتصادياً، لكن يجب في الوقت ذاته أن يعبر السلام عن كل مكونات هذا الشعب وأن تكون خطواته محسوبة. وبالنظر إلى الاتفاق الذي تم بين حمدوك والحلو، أخيراً، فإنه جاء مشابهاً لما جرى بشأن محاولات التطبيع مع إسرائيل إبان زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، على اعتبار أن قضايا التطبيع وتقرير المصير وعلاقة الدين بالدولة تتطلب مناقشتها والبت فيها من قبل حكومة منتخبة ومفوَضة من الشارع السوداني، وليس من حق الحكومة الانتقالية القيام بأي عمل من هذا القبيل". وأوضح "صحيح أن للحلو قوات وأرضاً يسيطر عليهما منذ عام 2011، لكن بالطريقة ذاتها، يجب ألا يطلب شيئاً يتعلق بخيار الشعب السوداني ككل، كمسألة فصل الدين عن الدولة والعلمانية وغيرهما، وألا يفرض أجندته بالسلاح، بل يُفترض أن يعتمد على الحوار في مناقشة قضايا وهموم البلاد والتي من أهمها قضية السلام".
 

استئناف التفاوض 

ووفقاً لمجلس الوزراء السوداني، فإن اتفاق حمدوك - الحلو تضمن إقامة ورش تفاوض غير رسمية لمناقشة القضايا الخلافية، مثل إشكالية العلاقة بين الدين والدولة، وحق تقرير المصير، للوصول إلى فهم مشترك يسهل مهمة فرق التفاوض الرسمي. كما شمل الاتفاق العودة إلى المفاوضات الرسمية على ضوء ما يتحقق من تقدم في المفاوضات غير الرسمية. 

كما اتفق الطرفان على رعاية دولة جنوب السودان للتفاوض، ووضع خريطة طريق تحدد منهجيته، مع تثمين دور الشركاء الإقليميين والدوليين. 

وأشار بيان مجلس الوزراء السوداني، إلى أن اتفاق حمدوك - الحلو ركز على ضرورة الاعتراف الكامل باختلاف الأعراق والثقافات في السودان، مع تحقيق المساواة وحمايتها قانونياً، فضلاً عن إقامة دولة ديمقراطية في السودان، يكون فيها الدستور قائماً على مبدأ فصل الدين عن الدولة"، مع "احترام حق تقرير المصير، وحرية المعتقد، إضافة إلى أنه "لا يجوز للدولة تعيين دين رسمي، ولا يجوز التمييز بين المواطنين السودانيين على أساس دينهم". 

وتأتي هذه الخطوة عقب دعوة حمدوك، الحركة الشعبية برئاسة الحلو، وحركة جيش تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور، إلى الانضمام لركب السلام في خطابه بمناسبة توقيع السلام مع الجبهة الثورية في جوبا، الذي تضمن 8 بروتوكولات، أبرزها تقاسم السلطة، والثروة، والعدالة الانتقالية. 

ووصل حمدوك العاصمة الإثيوبية، للقاء الحلو، بهدف كسر جمود التفاوض في جوبا، بعد تعليق المفاوضات منذ 20 أغسطس (آب) الماضي. وتقاتل الحركة الشعبية، القوات الحكومية في ولايتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق) منذ يونيو (حزيران) 2011. 

المزيد من العالم العربي