Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في ذكرى الرحيل... أحمد زكي حلم سينمائي عاصف حتى "الغيبوبة"

العندليب وناصر والعميد وجوه خالدة... قصة أول لقاء مع "الكابتشينو" الغامض... مقاطعة مديحة كامل بأثر رجعي

من يمكن أن يمل من حكاية عنوانها "أحمد زكي"؟!، من يمكن أن يقاوم متابعة رحلة النجم ‏الذي لم تخفت نجوميته يوما، إنه لا يزال يصعد حتى اليوم. أحمد زكي لم يأتِ إلى السينما بعيون ملونة وشعر أشقر مثل ‏حسين فهمي ومحمود عبد العزيز، أو بملكة رهيبة في الإضحاك مثل عادل إمام، أو بـ"طلّة دنجوان" مثل فاروق ‏الفيشاوي، ولكنه كان كل هؤلاء، مضحكا وتراجيديا ورومانسيا ووسيما، بل وأكثر. أحمد زكي كان أكثرهم معاناة، ‏المتقمص الأشهر الذي دأب على ارتداء شخصيات شهيرة تبدو بعيدة كل البعد عن مواصفاته فيزيائيا بقدراته الفائقة ‏في التجسيد، يحضر خلال هذه السطور مع مرور 14 عاما على رحيله، حيث فارق الحياة في 27 مارس (آذار) عام 2005.‏

فتى الكابتشينو يبدع أمام السندريلا

أحمد زكي متولي عبد الرحمن بدوي "مواليد 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1949 بمحافظة الزقازيق المصرية"، بدأ حياته بأزمات صعبة بدءا من وفاة أبيه ‏عقب وقت قصير من ولادته، وزواج والدته بآخر لينشأ مع جده، مرورا بمشقات في مشواره، حيث واجه الاضطهاد ‏كثيرا بسبب لونه الأسمر، حتى أن هناك بعض الأدوار ذهبت لنجوم غيره لعدم رغبة المنتجين في العمل معه، ولكنه ‏رغم كل هذا كان مثابرا وقادرا على تفتيت الصخر وإذابة الجليد بموهبته، ليقف قبل أن يكمل عامه الثلاثين أمام السندريلا سعاد ‏حسني، التي هي ملء السمع والبصر حينها، ويتقاسم معها البطولة في "شفيقة ومتولي" عام 1978.‏

الشاب النحيل كانت أولى مشاركاته الصغيرة في مسرحية "حمادة ومها" عام 1967، بعد أن برع وقتها في تقليد الفنان ‏محمود المليجي، وذلك قبل أن ينهي دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث تخرج من المعهد بقسم التمثيل ‏والإخراج عام 1973 بتقدير امتياز، حكى أكثر من مرة عن ذكرياته الخجولة في القاهرة حينما لم يكن يعلم ما هو ‏‏"الكابتشينو" وكان يتعامل معه على أنه مشروب غامض، وانتهز أول فرصة بعدها وامتلك ثمن الفنجان ليجرب ‏هذا "الكباتشينو" الذي يتحدث عنه الجميع.

‏دفتر أحلام أحمد زكي

"زوجة رجل مهم" و"أحلام هند وكاميليا" و"إسكندرية ليه" و"أرض الخوف" و"البيه البواب" و"معالي الوزير" و"اضحك الصورة ‏تطلع حلوة" و"الحب فوق هضبة الهرم"، بعض من كثير قدمه أحمد زكي صاحب المسيرة الحافلة التي تقترب من المئة ‏عمل ما بين مسرح وسينما وإذاعة وتلفزيون، بات اسمه مرادفا للنجاح الجماهيري والجودة والقيمة، وهي صفات من ‏الصعب أن تجتمع، فالنجاح الجماهيري لا يعني بالضرورة الفوز بآراء النقاد والمتخصصين، ولكن زكي فعلها، كما فعل ما هو أكبر حينما كان يؤدي بعض الأغنيات بصوته وهي أغنيات بدروها لا تنسى أيضا، ومنها "كابوريا" و"مستر كاراتيه" و"إن ما قدرتش تضحك".

حقق الفتى ‏المصري كل هذه الإنجازات المهمة وتوفي فقط وهو في الخامسة والخمسين، حيث فارق الحياة بعد معاناة قصيرة مع سرطان الرئة في مستشفى "دار الفؤاد" بمصر، وقبل أن يكمل تصوير فيلمه الأخير "حليم"، الذي عرض عام 2006، فيما كانت دفاتره مليئة بالأحلام التي لم يمهله القدر لتحقيقها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شخصية العندليب عبد الحليم حافظ كانت آخر ما قدمه أحمد زكي من خلال فيلم "حليم"، حيث كان يصور المشاهد بينما ‏يتلقى العلاج في الاستراحات في تماس نادر بينه وبين سيرة عبد الحليم نفسه الذي عاش حياة تشابه كثيرا ما عاشه ‏أحمد زكي. قبل ذلك بسنوات طويلة كان زكي قد تميز في دور عميد الأدب العربي طه حسين بمسلسل "الأيام" عام 1979، وكذلك دور ‏الزعيم جمال عبد الناصر في "ناصر 56" عام 1996، وشخصية الرئيس محمد أنور السادات في عام 2001 بمسلسل "أيام ‏السادات"، وهو الفيلم الذي كتب له المعالجة بنفسه، عن قصة لأحمد بهجت وإخراج محمد خان. شهدت كواليس ‏التحضير لـ"أيام السادات" تعب وإرهاق وإخلاص ومجهود جبار من أحمد زكي، وكان شاهدا عليه المصور الكبير ‏عادل مبارز، الذي حضر معه كثيرا من تفاصيل كواليس هذا العمل، وخصوصا لقاءات أحمد زكي مع السيدة جيهان ‏السادات، قرينة الرئيس الراحل أنور السادات، يقول مبارز لـ(اندبندنت عربية) "كنتُ مقربا من أحمد زكي في فترات ‏كثيرة من حياته، وكانت علاقتنا طيبة للغاية، وهو شخص كان فنه هو الشيء الأهم في حياته، وقد حضرت معه لقاءاته مع السيدة جيهان ‏السادات، كان يسألها عن كل تفصيلة دقيقة تخص الرئيس الراحل، كي يتمكن من تلبّس الشخصية، وكان زكي يفاجئنا ‏أثناء الاجتماعات بمئات الأسئلة التي قد لا تخطر على البال، تقريبا سأل السيدة جيهان السادات على كل شيء، وهي ‏بدروها لم تبخل أبدا بالردّ والإجابة التفصيلية وكانت متعاونة لأقصى درجة، فهي بدورها شخصية رائعة".‏

كان أحمد زكي يريد أن يقدم كثيرا من الشخصيات المصرية البارزة، حيث تردد أنه كان ينوى تقديم سيرة الشاعر ‏الراحل أحمد فؤاد نجم "الفاجومي"، ولكن المشروع لم يكتمل، كما كان يحلم بتقديم سيرة زعماء سياسيين بينهم سعد ‏زغلول، ومحمد نجيب. يوضح المصور الشهير عادل مبارز "كان تواقا أيضا لتقديم شخصية الرئيس ‏المصري الأسبق محمد حسني مبارك من خلال فيلم (الضربة الجوية)، وقد عبّر عن هذه الرغبة أكثر من مرة، حيث كان ‏سعيدا بحالة تجسيد الشخصيات".‏

المصوراتي أحمد زكي

عادل مبارز يقول إنه التقط صورا كثيرة للقاءات أحمد زكي والسيدة جيهان السادات، وكان يستمتع بالحديث الدائر، وبذكاء أحمد زكي في التقاط ‏أطراف الحوار، وفي تمكنه من الحصول على كل ما يريد معرفته، لافتا إلى أنها كانت لقاءات للتاريخ، ولكن عادل ‏مبارز يتذكر دوما صورة مميزة له مع السيدة جيهان السادات، ويشرح سر تميزها، خصوصا وأن مبارز المعروف عنه لقبه "المصوراتي" تنازل عن هذا اللقب في تلك اللحظات لـ"الإمبراطور" أحمد زكي، يواصل عادل مبارز "التقط لي الفنان ‏أحمد زكي صورة بنفسه، حيث جلب الكاميرا وقام بتصويري مع السيدة جيهان السادات وهي صورة غالية جدا عليّ وأحتفظ ‏بها في بهو مكتبي".‏

مقاطعة مديحة كامل وطلب غريب

عادل مبارز كشف أيضا موقفا لا ينساه جمعه بأحمد زكي في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، يقول "كنت أحضر ‏تصوير أحد أفلامه مع الراحلة مديحة كامل وخلال دقائق وجدنا مناقشة حامية تطورت إلى خناقة بصوت عالٍ وحينما ‏هممت بالرحيل استوقفني فريق الإنتاج مع زميل آخر وطلبوا مننا التدخل لفض الاشتباك، وبالفعل حاولنا تهدئة ‏الموقف الذي كان صعبا، وبالكاد نجحنا في إنهاء المشادة، ليتم استكمال التصوير، بالطبع من الصعب الإفصاح ‏عن سبب الأزمة التي انفجرت بين مديحة كامل وأحمد زكي، ولكن ما يمكنني قوله إن أحمد زكي تأثر نفسيا للغاية بعد هذه الواقعة، ولم ينسَ هذا الأمر لمديحة كامل خصوصا وأنه كان ما يزال يحاول إثبات نفسه فيما هي كانت نجمة أولى، وتدور ‏الأيام وحينما يصبح هو من أبرز نجوم الصف الأول في جيله، تحاول هي العمل معه، ولكنه لم يقبل أبدا بسبب هذا ‏الموقف".‏

المصور عادل مبارز ما يزال يواصل سرده لقصص عن عشق الراحل أحمد زكي لمهنته كممثل، حيث يذكر موقفا ‏مؤثرا كان في أثناء مرض أحمد زكي الشديد وهو يصور فيلم "حليم"، ويقول مبارز إن الراحل طلب من عادل أديب أن ‏يتفق مع مخرج الفيلم شريف عرقة ليقوم بتصويره في أُثناء الغيبوبة التي كانت تأتيه على فترات من وطأة المرض، لكي يستعين بالمشاهد في الفيلم لتبدو ‏واقعية وكي لا يعطل التصوير، لأن مشاهد السيناريو المكتوب كانت تتضمن كذلك لقطات لـ"حليم" على سرير المرض، ولكن أسرة ‏"أديب"، التي أشرفت على إنتاج وتنفيذ الفيلم، رفضت رفضا باتّاً.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون