يكتسب كتاب "من مكّة إلى كان: سيما عبدالله المحيسن" الصادر حديثاً للناقد السينمائي إبراهيم العريس أكثر من أهمية، فهو يقرأ في لحظة السينما السعودية الراهنة والمفعمة بالوعود والآمال، باتجاهين مترابطين: بكونه سيرة للسينما السعودية نفسها، من خلال حكاية عبد الله المحيسن مع الفن السابع، من ناحية، وبكونه، من ناحية ثانية، سيرة ذاتية لمسار هذا الرائد منذ طفولته في مكة وصولاً إلى عروض أفلامه في شتى المحافل الدولية، ولا سيما في مهرجان "كان" في الجنوب الفرنسي. فسيرة هذا السينمائي الرائد عبد الله المحيسن لا تنفصل عن سيرة السينما في السعودية، وذلك كما نعرف، حال كل الرواد الذين تؤرَّخ لهم لحظة مفصلية في تاريخهم الخاص وتاريخ السينما في بلادهم.
يعالج العريس في كتاب "من مكة إلى كان" (الدار العربية للعلوم – ناشرون) تأثيرات مكة الروحانية والدينية وكرسالة إشعاع ثقافية عربية وإسلامية حملها المخرج عبد الله المحيسن معه ووظفها بلغة سينمائية معاصرة، عكست فهماً عميقاً لتأثيرات عصر الصورة في حروب الكلمة الحديثة.
ويعكس الكتاب المضامين الفكرية والثقافية التي عمل المحيسن على ترجمتها في مجموعة الأعمال السينمائية طيلة الفترة الماضية، وظل المحيسن حالماً بأعمال تاريخية ذات قيمة حضارية، تستمد روحها من التاريخ العربي والإسلامي، توّجها في فيلمه "الإسلام جسر المستقبل" كقراءة مستقبلية عن الصراع حول الإسلام، ونظرته إلى الإسلام الحضاري والإنساني والعالمي. فمكة بقداستها ومكانتها الروحية والذهاب بها إلى العالم كرسالة إشعاع حضاري وثقافي، جعلت المحيسن يصر دائماً على ضرورة التواصل والتفاعل الحضاريين مع العالم بأدوات وأساليب ثقافية مختلفة.
يعيد العريس في هذا الكتاب الاعتراف بالدور الأساس والرائد الذي لعبه عبد الله المحيسن في هذه النهضة السينمائية الجديدة التي تعيد السعودية في شكل أو آخر، إلى زمن العالم السينمائي أو "الصحوة السينمائية" كما يُسميها والتي يبدو أن السعودية بدأت بالفعل تعيشها اليوم.
والمحيسن ولد عام 1947، سافر إلى لندن حيث درس الفلسفة، السينما، وأخرج العديد من الأفلام التسجيلية القصيرة، منها: مصرع مدينة، الإسلام جسر المستقبل، الصدمة، ومن أفلامه الطويلة: ظلال الصمت.
إبراهيم العريس ناقد سينمائي أصدر عدداً كبيراً من الكتب في العديد من البلدان العربية حول السينما والفلسفة والأدب والاقتصاد والتاريخ الإبداعي. وضع كتباً عن يوسف شاهين ومارون بغدادي ومارتن سكورسيزي، بالإضافة إلى "السينما والمجتمع في العالم العربي" الصادر في ثلاثة أجزاء و"السينما اللبنانية".