Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تداعيات كورونا لا تساوي آثار حرب عالمية اقتصاديا

سيجلب الابتكار الذي حفزته الأزمة  إيجابيات كبيرة لقطاعات كثيرة، بما في ذلك الصحة العامة حول العالم

 يستحق بيل غيتس أن يُؤخَذ على محمل الجد للأسباب الواضحة كلها، لكن ذلك يصح في شكل خاص ربما لأنه كان يحذّر من مخاطر جائحة عالمية منذ خمس سنوات (رويترز)

يستطيع بيل غيتس أن يرى ضوءاً في نهاية النفق. ففي مقابلة أجراها معه موقع "وايرد" Wired، يرى أنه بفضل موجة الابتكار في معالجة كوفيد-19 والموارد المخصصة لتطوير اللقاح "سنتمكن في العالم الغني من إنهاء الأمر بحلول نهاية عام 2021، وفي العالم الأوسع بحلول نهاية عام 2022".

لكن حتى لو صح ذلك، فهو يعتقد بأن الضربة التي تلقاها الاقتصاد العالمي كبيرة، ولن يعود إلى ما كان عليه في بداية هذا العام قبل سنوات عدة. وهو قلق في شكل خاص بشأن التقدم في مكافحة أمراض أخرى مثل الملاريا وشلل الأطفال، كما أنه متخوف  بسبب المديونية العالمية، إذ يقول "ما حدث ليس الحرب العالمية الأولى أو الحرب العالمية الثانية، لكنه ينطوي على المقدار نفسه من الصدمة السلبية للنظام".

لكنه يعرب عن ثقته في الأقل من نجاح لقاح ما مؤكداً "بفضل الابتكار لن تضطروا إلى التفكير في موقف أكثر حزناً، كأن يتأجج هذا الشيء لخمس سنوات حتى تصبح المناعة الطبيعية أملنا الوحيد".

يستحق بيل غيتس أن يُؤخَذ على محمل الجد للأسباب الواضحة كلها، لكن ذلك يصح في شكل خاص ربما لأنه كان يحذّر من مخاطر جائحة عالمية منذ خمس سنوات. و كذلك أدى دوراً ضخماً من خلال "مؤسسة بيل ومليندا غيتس" في تمويل البحوث المخصصة لمكافحة الأمراض العالمية. إلا أنه ليس خبيراً اقتصادياً، وفي حين قد يبدو من قبيل الغطرسة أن نشكك في تقييمه للضرر الذي لحق بمكافحة الملاريا وشلل الأطفال، فقوله إن ما يحدث على صعيد الاقتصاد يشبه حرباً عالمية هو خاطئ بالتأكيد.

وهو خاطئ بثلاثة طرق في الأقل. فالأرقام أصغر بكثير على صعيد نسبي. وما من دمار مادي أو خسارة ضخمة في مجال الأرواح. وسيجلب الابتكار الذي حفزته الأزمة إيجابيات كبيرة لقطاعات كثيرة، بما في ذلك الصحة العامة حول العالم.

ويسهل البرهان على النقطة المتعلقة بالأرقام. خذوا الدين الوطني البريطاني. بأرقام تقريبية، ارتفع عند نهاية الحرب العالمية الأولى إلى 175% من الناتج المحلي الإجمالي. وعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، بلغ 250% من الناتج. وكان في العام الماضي 80% من الناتج، ويتوقع "مكتب مسؤولية الميزانية" له أن يرتفع إلى أكثر من 100% من الناتج نتيجة للأزمة. لكن في أكثر التوقعات تشاؤماً للمكتب، لن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج أكثر من 150% حتى منتصف ثلاثينات القرن الحادي والعشرين، ويعود سبب ذلك في جانبه الأكبر إلى تقدم السكان في السن وافتراض عدم حصول زيادة مهمة في الضرائب، وليس فيروس كورونا.

أما بالنسبة إلى الأثر في المخرجات، فتشير الخسارة التي تتوقعها منظمات مثل "صندوق النقد الدولي" و"بنك إنجلترا" إلى شيء يشبه الركود الأخير بين عامي 2008 و2009. وعلى الرغم من أن الركود سيكون أعمق، سنتعافى منه في شكل أسرع.

يختلف أيضاً التعطل المادي الناجم عن الفيروس تماماً عن ذلك المترتب على حرب عالمية. ولم تتضرر القدرة على إعادة بناء الاقتصاد كما كان سيحصل لو أن هناك مدناً أصبحت ركاماً ومصانع دمرها القصف. وستحصل تحولات دائمة في أنماط الإنفاق، مثلاً، زيادة المشتريات عبر الإنترنت وخفضها من المتاجر المادية، وسيؤدي ذلك إلى تغيرات في استخدام الأراضي. لكن ما يحصل هو تغير مكرس بعيد الأجل نُفّذ بشكل مكثف في أشهر قليلة.

وهذا سيؤدي إلى الفرق الثالث. كثير مما يجري هو تسريع لاتجاهات كانت بدأت بالفعل. فبعيداً عن البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، تشمل هذه الاتجاهات تحولاً إلى العمل من المنزل والتواصل عبر الفيديو بدلاً من السفر المادي. لكن ثمة أيضاً أشياء تُفرَض علينا وستأتي بمنافع على كل المستويات، بدءاً بغسلنا جميعاً لأيدينا بوتيرة أعلى وانتهاء بتحويل شركات النفط استثمارها إلى الطاقة المتجددة.

والفكرة الكبرى هنا أن الابتكار الذي جلبته الحرب العالمية الثانية كانت له بعض الإيجابيات للمجتمع المدني، الطائرات النفاثة، والتطوير على نطاق أوسع للمضادات الحيوية، وربما الطاقة النووية، كانت تلك الإيجابيات إلى حد كبير ناتجاً ثانوياً، كما كانت هناك سلبيات ضخمة في شكل لا يصدق.

وعلى النقيض من ذلك، الابتكار مكرس حالياً بالكامل تقريباً للعثور على إيجابيات. وبسبب حصول تعطل، ثمة تكاليف كثيرة. وهذا مقلق في شكل خاص لأنه غير منصف إلى حد كبير. فعلى الصعيد الاقتصادي يحظى الأكثر حرماناً والأصغر سناً بالحصة الأكبر من المعاناة. وسيكون الدين أكبر وهذا مدعاة للقلق. لكن في سنتين أو ثلاث، سنخرج باقتصاد أكثر فاعلية وإنتاجية وسيستفيد الجميع من ذلك.

والأهم حتى أننا إذا افترضنا أن بيل غيتس على حق فلن نواجه خمس سنوات من المتاعب يتأجج خلالها الفيروس حتى تتدخل المناعة الطبيعية وتحمينا.

© The Independent

المزيد من آراء