أي رئيس يسعى إلى إعادة الانتخاب؟ دونالد، السياسي المعروف ككبير المقاتلين الأشداء الذين يواجهون خصومهم بجسارة وبأس؟ أم دون الهامد ذو الطاقة المنخفضة؟
قد يكون الجزم صعباً في الآونة الأخيرة.
هل هو دونالد ترمب الذي نعرفه، وأطلق يوم الجمعة في السابع من أغسطس (آب) اتهامات وشتائم طنانة رنانة بحق منافسيه الديمقراطيين خلال تجمع انتخابي مصغر في مطار بولاية فلوريدا، والذي زعم أيضاً صباح يوم الخميس في 13 أغسطس أن الديمقراطيين يهدفون إلى حظر "أنواع الحيوانات كلها"، ومارس ضغوطاً على كبار مسؤولي إنفاذ القانون لديه لمساعدته على الفوز بولاية ثانية؟
أم أنه ذاك الذي تحدث لأكثر من نصف ساعة مساء الأربعاء في 12 أغسطس بصوت رتيب مسطح وهو يقدم بياناً مضللاً إثر آخر، والذي بدا أيضاً غير مستعد للرد بقوة على الانتقادات الحادة لرئاسته التي وجهها قبل ساعات منافسوه الديمقراطيون في الانتخابات العامة، بل وظهر غير راغب في ذلك؟
لقد أصبحت حملة الرئيس من أجل ولاية ثانية متقلبة بقدر ما هي مجردة من أي أفكار جديدة تساعد الناخبين أو تعيد بناء الاقتصاد فور تجاوز البلاد جائحة فيروس كورونا بعد يوم الانتخاب، هذا إذا تجاوزتها فعلاً.
يطرح ترمب يوماً مزاعم قوية، وربما غير دستورية، حول إبطال إرادة الكونغرس بما يتعلق بالسياسة الضريبية خلال ولايته الثانية. فقد قال مساء الأربعاء "عند نهاية العام، على افتراض أنني سأكسب الانتخابات، سأنهي الضريبة على الرواتب، وهو أمر يرغب بعض الاقتصاديين العظماء في حصوله. وسندفع للضمان الاجتماعي من خلال الصندوق العام. وسينجح الأمر تماماً".
(غير أن اقتصاديين آخرين وديمقراطيين وجمهوريين في كابيتول هيل يقولون إنه لن ينجح).
ثم يعود في اليوم التالي، إلى فعل شيء يتجنبه عادة دونالد الذي نعرفه، وهو التلميح علناً إلى أن "الفوز" الذي وعد به عام 2016 قد ينتهي فجأة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني). وقال أثناء إعلانه بعد حوالى 14 ساعة في المكتب البيضاوي عن اتفاق السلام بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة، "إذا فزت بالانتخابات، سأتوصل إلى اتفاق مع إيران خلال 30 يوماً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من المؤكد أن الزعيم المتهور الذي كان يلقي خطابات طويلة يومية حول سحق جو بايدن في الخريف قد انتهى، وربما طُويت صفحته في هزيمة انتخابية كاسحة.
يقطر ترمب عملياً بانعدام الثقة هذه الأيام، ويبدو واعياً تماماً لأرقامه المتدنية في استطلاعات الرأي والمعركة الصعبة التي تنتظره للفوز بولاية ثانية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال متحسراً لارتفاع أسهم أنتوني فوسي وديبورا بريكس عضوي فريق البيت الأبيض المكلف بمتابعة جهود الإدارة الأميركية في مكافحة فيروس كورونا، "هما يحظيان بتقدير كبير. لكن لا أحد يحبني". وجاء استنتاجه المحبط والمليء بكراهية الذات حول السبب كما يلي "ربما يقتصر الأمر على شخصيتي".
إنه رئيس فقد تماماً تبجحه المتمثل في قوله السابق "أنا المختار".
غير أن المرء يجب أن يتوقع اشتداد المنافسة بعد إعلان الحزبين مؤتمريهما الخاصين بإعلان المرشّحَين. لكن ليس هناك بين أصحاب التوقعات السياسية الموثوقين من لا يرى أن الرئيس في مأزق، لأسباب من أهمها أن المنافسة مع بايدن محتدمة جداً في مناطق فاز بها ترمب بسهولة في عام 2016، ولاسيما ولايات فلوريدا وأوهايو وتكساس وجورجيا ونورث كارولينا.
في لحظة يبدو أن ترمب لم يعد يملك أي ورقة تقريباً، وفي اللحظة التي تليها يعود إلى ذاته القديمة ويبدأ برمي القنابل الخطابية. ولا مثال أفضل على الاستراتيجية المتقلبة بين السخونة والبرودة التي يتبعها في الحملة من أجل إعادة انتخابه من موقفه حيال ترشح كامالا هاريس لنيابة الرئاسة.
فقبل بضعة أسابيع، قال إنها ستشكل "خياراً جيداً".
وهذا الأسبوع، وصفها بأنها "خيار غير مألوف" وامرأة "كريهة" كانت أحقر في التعامل مع بريت كافانا، الذي أصبح الآن قاضياً في المحكمة العليا، مقارنة بأي عضو آخر في لجنة العدل بمجلس الشيوخ خلال جلسات الاستماع الخاصة بتأكيد قبول تعيينه في المنصب القضائي.
بيد أن الرئيس لم يتمكن من الرد في شكل قوي خلال مؤتمره الصحافي اليومي مساء الأربعاء على انتقاداتها القاسية لتعامله مع وباء كورونا. وبالنظر إلى الكلمات الحادة التي يوجهها عادة إلى خصومه السياسيين الآخرين، بدا ذلك المساء وكأنه لم يحاول حتى مهاجمتها بطريقته المعتادة تلك.
وقالت هاريس في مناسبة عُقِدت قبل ساعات حين قدمها بايدن رسمياً "لقد أغرقتنا إساءة إدارة الرئيس للجائحة في أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير". وزعمت أن البلاد "تتوق إلى قيادة" لأن ترمب غير مهتم كثيراً بأداء دور القائد.
وكان رد الرئيس فاتراً في شكل مفاجئ، ما استلزم مهاجمتها مرة أخرى بشكل أعنف خلال اتصال أجراه ترمب، لتصويب الأمر، مع مقدم لبرنامج صباحي على قناة "فوكس بزنس" يكنّ له الود.
وإلى الآن لم يستطع أن يردّ على هاريس سوى بإطلاق النعوت عليها. وفي حين يواصل الأميركيون رفض تعامله مع الوباء، وأظهر استطلاع نُشِرت نتائجه هذا الأسبوع أنهم يثقون بالديمقراطيين أكثر منه ومن الجمهوريين بما يخصّ خلق الوظائف، ولطالما كان خلق فرص العمل من نقاط قوته. لكنه لم يعد كذلك.
ومن المتوقع أن يشهد بايدن قفزتين في الاستطلاعات المقبلة، الأولى جرّاء اختياره هاريس، العضو الأحدث في مجلس الشيوخ عن كاليفورنيا، وضمّه السلس لها إلى جانبه في سباقه الرئاسي، والثانية بسبب المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي حيث يتوجه إلى الأمة بعد قبوله ترشيح الحزب.
وقال مارك هيذيرينغتون أستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث كارولينا "لن نتأكد قبل بضعة أسابيع، لكن يبدو الآن أن هاريس خيار ممتاز… ما لم يحدث شيء غير متوقع، لن يضر اختيار بايدن بحملته الانتخابية. وفي ضوء تقدمه، كان عدم إلحاق الأذى بحملته في قمة أولوياته... هي توفر أيضاً توازناً للحملة بطرق كثيرة جداً في شكل لافت: العرق، والجنس، والمنطقة، والعمر، إلخ".
التوازن، هذا شيء يفتقر إليه الرئيس قبل أقل من ثلاثة أشهر من يوم الانتخابات.
وهاريس على حق حين قالت إن البلاد "تتوق إلى قيادة"، لكن كل ما يستطيع الرئيس أن يتقنه في وقت صار مستقبله السياسي على المحك هو أداء دور مزدوج يُذكر بشخصيتي الدكتور جيكل والسيد هايد القصصيتين، فيكون تارة حريصاً على خدمة نفسه وعلى كرهها في تارة أخرى.
© The Independent