Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصر والسودان هل من أفق جديد؟

القاهرة تمتلك خبرات متراكمة في إنشاء محطة توليد الطاقة الشمسية قد تفيد الخرطوم والتواصل المستمر ضرورة لصالح شعبي وادي النيل

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك ونظيره المصري مصطفى مدبولي في الخرطوم  (أ ف ب)

تثير الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي على رأس وفد كبير من الوزراء، أسئلة مشروعة بشأن مدى فاعليتها الواقعية في تلبية مصالح البلدين، خصوصاً أنه قد تم اختزالها من جانب الميديا العالمية والإقليمية في إطار أزمة سد النهضة فقط، تلبية لأجندات تريد أن تقزم العلاقة في هذا الإطار الضيق، سعياً وراء ترسيخ النفعية المصرية من وراء الزيارة مع إهمال المصالح السودانية المؤكدة من تنامي علاقة صحية مع مصر، تقوم على أسس الندية والشراكات ذات النفع المتبادل في مختلف مجالات العمل التنموي. وعلى أي حال، هذه الخطوة المستجدة في علاقات البلدين بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، تحمل عدداً من المؤشرات الإيجابية بشأن توجهات كل من القاهرة والخرطوم في علاقاتهما الثنائية على المستوى الرسمي، بينما يبقى أن تفعيل السياسيات بين البلدين واجهت وسوف تواجه تحديات كبيرة، داخلية على مستوى البلدين وخارجية على المستوى الإقليمي.

فيما يخص المؤشرات الإيجابية، فإن هذه الزيارة هي دعم للحكومة الانتقالية، وأيضاً لاستمرار الفترة الانتقالية في مواجهة مخططات إجهاضها، سعياً وراء إعادة المعادلات السياسية السودانية على المستوى الداخلي إلى سابق عهدها، سواء في مرحلة البشير أو ما قبله، فربما يكون من نافلة القول إن تقديم دعم في المجالات الاقتصادية، المرتبطة بحياة الناس واحتياجات المواطن السوداني العادي، من شأنه أن يرفع من مستوى الرضا الشعبي عن الحكومة الانتقالية، التي سجلت أدنى المؤشرات في الفترة الأخيرة نتيجة التحديات الاقتصادية، ومماطلة المجتمع الدولي في تقديم الدعم المالي المطلوب لمخططات رئيس الوزراء عبد الله حمدوك التي طرحها مع توليه الحكومة في سبتمبر (أيلول) 2017، ذلك أن مؤتمرات أصدقاء السودان قد تأجلت أكثر من مرة كما أن الوعود المالية التي قدمتها قد جاءت دون مستوى التوقعات في السودان متأثرة بأزمة كورونا. وعلى المستوى العالمي، وبانخفاض مستويات سعر البترول إقليمياً، إلى حد أن أحد صناديق الدعم الخليجي النشطة بالسودان، وشرق أفريقيا، تراجع حالياً سياساتها في الدعم المالي لهذه المنطقة.

في هذا السياق، ربما تكون أهم الملفات المطروحة في زيارة مدبولي للخرطوم، هو ملف الكهرباء ذلك أن عملية الربط الكهربي بين مصر والسودان قد تسبب في تأخيرها على مدى العام الماضي عدم جاهزية الشبكات السودانية لاستقبال الربط الكهربي، مما تسبب في تأخرها من ناحية، وأسهم في محدودية كميتها من ناحية أخرى، وهو ما سيتم تداركه طبقاً لمخرجات هذه الزيارة إذ سيسهم الجانب المصري في الدعم الفني لرفع مستوى الشبكة السودانية لتكون كمية الربط 300 ميجا واط،  مقابل 70 ميجا واط حالياً تم البدء في تصديرها في يناير (كانون الثاني) الماضي.

ولعل الانتباه إلى مسألة الطاقة المتجددة في زيارة رئيس الوزراء المصري واصطحابه لوزيرها المختص يعد خطوة جيدة ومهمة، سيكون لها انعكاسات إيجابية على الأرياف السودانية، خصوصاً البعيدة عن نهر النيل وسدوده السودانية في مناطق مثل دارفور مثلاً، التي يمكن استخراج الكهرباء فيها من طاقتي الشمس والرياح، وهما قطاعان تملك فيهما مصر خبرات متراكمة، خصوصاً بعد نجاحها في إنشاء محطة توليد طاقة شمسية ضخمة في صعيد مصر.

أما في قطاع النقل والدعم اللوجستي فربما يكون النقاش في هذا الزيارة جاء تقليدياً، بمعنى أنه قد ناقش مسألة دعم النقل البري والنهري بين البلدين، خصوصاً فيما يتعلق بتحديث الأساطيل النهرية الداعمة للتجارة البينية، بينما لم يتضح مدى الاهتمام المصري في هذه الزيارة بقطاع النقل الداخلي في السودان، خصوصاً ما يتعلق بأزمة المواصلات السودانية، وهو أمر يجب أن يحوز على اهتمام مصري، ذلك أن العاصمة الخرطوم، تحتاج إلى ثلاثة جسور على الأقل حتى تنساب الحركة المرورية نسبياً، وتنعكس على حياة المواطنين، وإذا كان يعوز القاهرة التمويل المالي في هذا القطاع فربما يكون التواصل النشط مع بنك التنمية الأفريقي لهو أمر مطلوب في هذه المرحلة لدعم السودان وأهله بشكل فعال ومؤثر.

أما على المستوى السياسي، فإن الإشارة الواضحة في البيان الختامي للزيارة بالدعم المصري لمطالب رفع العقوبات عن السودان لهو خطوة مطلوبة وبإلحاح في هذه المرحلة، خصوصاً مع حالة السيولة النسبية التي يواجهها القطاع الدبلوماسي السوداني بدخول كوادر جديدة إلى سفارات السودان بالخارج وسط جدل داخلي بشأن مدى انتماء هذه الكوادر إلى النظام القديم، مما قد يعطل ويكبل المؤسسة الدبلوماسية السودانية ولو مؤقتاً. وهو ما يتطلب فاعلية مصرية كبيرة على المستويين الفني والسياسي، وتواصل في هذا الشأن مع الكونغرس والإدارة الأميركية، ذلك أن رفع كافة العقوبات عن السودان، سيكون له تأثير مباشر في التفاعل السياسي السوداني مع العالم سياسيا واقتصاديا، وهو ما قد يسهم في دعم عافية دولة السودان على المستوى المؤسسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وربما يكون من اللافت على المستوى السياسي هو الانتباه إلى ملف البحر الأحمر في علاقات البلدين، ذلك أن أمنه يتطلب تنسيقاً بين القاهرة والخرطوم وأسمرا، بما يلبي المصالح المشتركة لهذه الدول، خصوصاً مع وجود مشروع الحزام والطريق الصيني المار بالبحر، الذي يتطلب وجوده تنسيقاً بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر بحيث تكون الاستفادة من موانئها في إطار هذا المشروع، أو حتى مشروعات شركة دبي للموانئ تكاملياً وليس تنافسياً بأهداف تقليل حدة المنافسة الاقتصادية الإقليمية وتهدئة الصراعات البينية التي يستفيد منها فقط المستثمر أو المستفيد  بالحصول على الخدمات المطلوبة في الموانئ بأدنى الأسعار، ولعل السياسات التي مارستها إثيوبيا في القرن الأفريقي من إشعال التنافسية بين دول البحر الأحمر لمصلحتها، دون الاعتداد بمصالح أشقائها الأفارقة لهي خبرة لا بد أن تؤخذ في الاعتبار.

وفيما يخص ملف السلام السوداني، فرغم أهميته لمصر فهي تفتقد رؤية بهذا الشأن تلبي مصالح الاستقرار السياسي السوداني، ووحدة التراب الوطني، وتكتفي بمسألة الحرص على الوجود في المشهد، والتقريب بين الأطراف إذا تسنى لها ذلك، وأظن أن هذه حالة تتطلب مراجعة سريعة على المستوى الاستراتيجي.

وبطبيعة الحال، فإن هناك تحديات كبرى تواجه أي تقارب مصري سوداني، خصوصاً في هذه المرحلة، ولعل التحديات الداخلية على مستوى البلدين جديرة بالنقاش والتنوير في المجال العام لعلنا نستطيع مواجهتها، وربما يكون أول هذه التحديات هو طبيعة الإدراك المصري للعلاقات الثنائية ذلك أن عدم اصطحاب وزراء الثقافة والدولة للإعلام من الجانب المصري في هذه الزيارة،  لهو قصور واضح، يشير إلى عدم الإلمام بحساسيات العلاقات الثنائية، وضرورة معالجة هذه الحساسيات في القطاعين الثقافي والإعلامي، حتى يمكن معالجة مراحل طويلة من الإدراكات المشوهة لمصر في السودان، ومعالجات إعلامية وفنية خاطئة من مصر إزاء السودان وغيره من الدول الأفريقية، وهو ما استفادت منه إثيوبيا في أزمة سد النهضة على نحو فعال بترسيخ الإدراكات السودانية المشوهة إزاء مصر عبر الفاعلية على منصات الإعلام والتواصل الاجتماعي، ولعل هذه الحالة السلبية في العلاقات بين البلدين تتطلب من الوزراء المعنيين في البلدين القيام بمسؤوليتهم الوطنية، والاهتمام بهذا الملف، وتقديم المبادرات المطلوبة للحكومتين حتى يمكن توفير المناخ المطلوب لإنجاح التعاون الإقتصادي الثنائي.

وعلى المستوى المصري أيضاً، فإنه سوف يكون من الملح وجود آليات متابعة وتقييم من جهات مستقلة بشأن مدى التقدم المحرز في ملفات التعاون الثنائي لسببين؛ الأول  فترة الانقطاع الطويلة الذي عانت منه البيرقراطية المصرية في التفاعل مع أفريقيا عموماً والسودان خصوصاً،  وافتقاد البعض منها للمداخل المناسبة للتفاعل، التي تملك خصوصيتها في ضوء التنافسات الإقليمية، وكذلك مستوى الفاعلية. ولعلي لا أذيع سراً إذا قلت إنني قد تعرضت على المستوى الشخصي وأكثر من مرة إلى عدم وصول دعوات من مفوضية في الاتحاد الأفريقي، ومن بعض الجامعات الأفريقية، بسبب حالة التفاعل بين الوزرات المصرية على المستوى الداخلي، وأحسب أن الاستثمارات المصرية للقطاع الخاص قد واجهت وستواجه صعوبات بسبب هذه المشكلات التي سمعناها أكثر من مرة في أروقة اللجنة الوزراية المصرية للتفاعل مع إفريقيا، وهو ما يتطلب فكراً مصرياً جديداً يتجاوز مصالح البيروقراطية المصرية، لصالح مصالح الدولة المصرية التي يتم تعطيلها بسبب هذه البيروقراطية.

وفيما يخص السودان فنحن نواجه مشكلتين؛ الأولى إحساس النخب السودانية بعدم مسؤوليتها بإنجاح التقارب مع مصر، تحت مظلة تقدير أن التحركات المصرية إزاء السودان التي تندرج بالتبعية وفق الاهتمام المصري بأمنها المائي فقط، حيث تهمل هذه النخب ولا ترى المصالح السودانية في هذه العلاقة، خصوصاً في إيجاد جوار إقليمي مصر مستقر لا يلقي بأعباء أمنية على الجانب السوداني كالحالة في ليبيا وتشاد مثلاً، أيضاً يتم إهمال المنافع التجارية السودانية، والمنعكسة بالضرورة على الاقتصاد السوداني الذي في تقدمه يمكن أن يلقى منصات مصرية على ساحل المتوسط،  كما لا يتم النظر بجدية في منافع التكامل السياسي بين البلدين على المستويين الدولي والإقليمي.

أما المشكلة الأخيرة، فهي المخاوف السودانية خصوصاً الشبابية من تحالف مصري مع المؤسسة العسكرية السودانية يفضي إلى سيطرتها على الحكم، حيث يتجاهل الشباب أمرين الأول هو النزوع الذاتي لمؤسستهم في إحداث هذه النقلة، خصوصاً مع توجهات الدعم السريع، والأخير هو قصور النخب المدنية السودانية في التخلص من الولاءات الحزبية نحو الآفاق الوطنية الشاملة.

وختاماً يبدو لنا أن زيارة يوم واحد غير كافية، وأن كثيراً من العمل مطلوب من الحكومتين المصرية والسودانية لصالح شعبي وادي النيل، واستقرار الإقليم الذي يموج بتحديات كبيرة يخفف من أعبائها تنسيق بين القاهرة والخرطوم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل