Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من اللعب بجوهر الطائف إلى تعديله قبل التطبيق

اللامركزية الإدارية الموسعة وهي مشروع حيوي للمناطق اللبنانية بقيت حبراً على ورق

هل سيصمد اتفاق الطائف بعد تفجير مرفأ بيروت (غيتي)

ليس أمراً قليلَ الدلالاتِ في حرارة كارثة بيروت، أن يواجه لبنان استعجالَ الخروج من الطائف وحتى عليه قبل الدخول الحقيقيّ فيه.

فلا الدورانُ حول اتفاق الطائف الذي صار دستوراً هو مجرد حراك سياسي دستوري. ولا كل من يلحّ على تعديله يريد ذلك نحو الأفضل انطلاقاً من المخرج الذي نصّت عليه "وثيقة الوفاق الوطني" الموقّعة في الطائف عام 1989.

فالاتفاق كان تعبيراً عن الحال التي وصلت إليها موازين القوى بعد 15 سنة من حرب محلية وعربية وإقليمية ودولية تميّزت بالانخراط المباشر لكل القوى، واستعجال التعديل يأتي من طرفين حليفين كانا ضد الاتفاق أصلاً.

طرف يتصوّر أنه صار في موقع القدرة على استعادة شيء مما خسره في الحرب. وآخر يرى أن موازين القوى تغيّرت بقوة سلاح حزب الله والنمو الديموغرافي للطائفة الشيعية، بحيث صارت حصتها أصغر من دورها، وضاق هيكل السلطة على حجمها.

وهكذا أصبح المشهد سوريالياً، إذ بدا الطائف كأنه رصيد للسنّة لا لكل اللبنانيين، وكأن الدعوة إلى تطبيقه هجوم على "حقّ" الشيعة، وكأن تعديله هجومٌ على السنّة لمصلحة الشيعة والموارنة.
ذلك أن تعقيدات الوضع جاءت من خارج الطائف عبر مصالح الوصيّ السوريّ وممارسات حلفائه تحت عنوان الحكم بموجب الطائف.

ففي الاتفاق ثغرات واضحة، بينها توزيع الصلاحيات بحيث بدت إدارة السلطة والخلافات والأزمات من دون حَكَم داخلي في يده صفّارة، وأصبح من المحتّم اللجوء في كل أمرٍ إلى الوصيّ الذي يلعب دور "الضابط الكل".

لكن جوهر الاتفاق أو فلسفته السياسية يبرز في ثلاثة أمور أساسية من بين أمور كثيرة. الأول هو إناطة السلطة بمجلس الوزراء بعدما كانت مناطة برئيس الجمهورية الذي وصفه الرئيس الدكتور سليم الحص بأنه "ملك على جمهورية".

ومغزى ذلك مساواة الطوائف الكبيرة والصغيرة في القرار على قدم المساواة عبر توزير الممثلين السياسيين الحقيقيين لتلك الطوائف. والثاني هو النصّ على تأليف هيئة وطنية عليا لدرس "الوسائل الكفيلة بتجاوز الطائفية من أجل إلغاء الطائفية السياسية"، وبالتالي إجراء انتخابات نيابية على أساس وطنيّ من دون قيدٍ طائفيّ وتأليف مجلس شيوخ يضمن حقوق الطوائف في مواضيع معيّنة، والثالث هو التوجه نحو نظام "اللامركزية الإدارية الواسعة".
لكن ما حدث بالممارسة شيءٌ آخر. مجلس الوزراء لم يصبح مركز السلطة التي يديرها ممثلو الطوائف، لأن الحكومات باتت تضمّ موظفين وأصدقاء وممثلين لرؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة وبالطبع أصدقاء لدمشق. وهي هياكل حكومات للترويكا فوقها الوصيّ السوريّ، والآن كذلك وفوقها حزب الله.

الهيئة الوطنية لم يتمّ تشكيلها. وبدل تجاوز الطائفية السياسية دخلنا في المذهبية السياسية، أيّ أن المخرج الأمامي الذي فتحه الطائف لتطويره في اتجاه الدولة المدنية جرى سدّه والتوجه نحو المخرج الخلفيّ المعزّز للمذهبية والطائفية.

واللامركزية الإدارية الموسّعة، وهي مشروعٌ حيويّ للمناطق والبلد، بقيت حبراً على ورق حتى بعدما جرى إعلان مشروعٍ عمليّ لها في عهد الرئيس ميشال سليمان أعده فريقٌ بإشراف وزير الداخلية السابق زياد بارود.
ولا أحد يجهل ماذا يعني تعديل الطائف من دون تطبيقه لاكتشاف الثغرات ونقاطِ الضعف. وإذا كانت شخصية رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة تلعب دوراً في القرب أو البعد من الطائف، فإن من يتحكّم بالتعديل هو الطرف القويّ الذي يريد المزيدَ من السلطة، لا الأطراف الضعيفة التي تحلم باستعادة شيء من صلاحيات انتهت. وإذا كانت الديمقراطيةُ هي آليةُ تنظيمِ التعددِ والحرياتِ السياسيةِ، فإن ما نواجهه هو خطر استخدام الديمقراطية كآلية لتنظيم الهيمنة على لبنان واللبنانيين.
كان ميشال شيحا يرى أن إدارة العيش المشترك في المرحلة المؤقتة الانتقالية تقوم على "الخوف السياسيِّ المتبادل" و"المنفعةِ الاقتصادية المشتركة". واليوم، فإن الخوفَ صار من طرف واحدٍ. والمنفعةُ المشتركة قادت إلى إفقار اللبنانيين وإثراء المافيا السياسية والمالية والميليشيوية.
أما الديمقراطيةُ، وبحسب الدستور، فإنها في الواقعِ فيتوقراطيةٌ وكليبتوقراطيةٌ في بلد مفلسٍ.

المزيد من آراء