Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا انقلبت الأمور على برنامج إيلين ديجينيريس؟

تتعرض مقدمة البرامج الأميركية المحبوبة وبيئة العمل في برنامجها الحواري للانتقاد على الرغم من اعتزازهم بالأدب والحشمة

لم يعد الجمهور الأميركي يستسيغ المزاح على طريقة النجمة إيلين ديجينيريس وصار يعتبره تنمراً (غيتي)

"في الواقع، ليس الأمر كذلك، هذه ليست الحقيقة يا إيلين"، كانت تلك هي الجملة التي فتحت الباب على مصراعيه أمام سلسة الأحداث التي تلت.

جاءت العبارة على لسان الممثلة داكوتا جونسون، التي استضافتها إيلين ديجينيريس في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019، ووجدت نفسها موضوعاً لإحدى نكات مقدمة البرامج المعروفة. وإذا لم يتسنَ لكم في السابق مشاهدة مقاطع من برنامج "ذي إلين ديجينيريس شو" The Ellen DeGeneres Show، فهذا مثال نموذجي عن أسلوبها  الكوميدي، تُلقي مقدمة البرنامج، بطريقتها الساخرة بعض التعليقات المحرجة التي تربك المشاهير قليلاً، ما ينسجم مع روح البرنامج. وفي هذه الحالة، كانت النكتة التي ارتجلتها ديجينيريس أن جونسون لم تدْعُها إلى حفلة عيد ميلادها. لكن الأخيرة لم تستسغ المزحة.

فردت الممثلة قائلة "لابل لقد دُعيتِ... آخر مرة كنتُ فيها ضيفة في البرنامج، السنة الماضية، ثرثرتِ بما فيه الكفاية حول عدم توجيهي دعوة لك... لقد دعوتكِ بالفعل وأنت لم تحضري". كانت المشادة بسيطة لكنها محرجة للغاية، وسرعان ما انتشرت انتشار النار في الهشيم. وشكلت نقطة تحول في الطريقة التي يرى بها الجمهور ديجينيريس، إحدى أشهر مقدمي البرامج الحوارية في أميركا وأكثرهم شعبية. وبعد مضي أقل من عام، يقال إن أسهم إيلين انخفضت إلى أدنى مستوى لها في 17عاماً وسط الرواج الواسع لما يُشاع عن السمية المزعومة السائدة في مكان العمل حيث يجري إعداد البرنامج.

ويبدو حالياً أن ديجينيريس وبرنامجها باتا يواجهان صعوبات للحفاظ على صورتهما، التي طالما تمحورت حول اللطف.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وينبع جزء كبير من الغضب الدائر أخيراً حول برنامج إيلين من حقيقة أن الناس لا يحبون ذلك الشعور بأن أحداً ما يبيعهم أكاذيب. ولم تكن الادعاءات الأولى حول ديجينيريس تتصل بأي نوع كهذا من إساءة السلوك الواضحة، بل كان الناس يقولون، ما يمكن وصفه بصريح العبارة، إنها كانت وضيعة.

واختصر الفنان الكوميدي كيفين تي بورتر هذا كله في منشور له على موقع تويتر دعا فيه إلى تقديم دليل على أن ديجينيريس كانت "واحدة من أكثر الناس وضاعة الذين ما زالوا على قيد الحياة". وحمل أحد الردود ادعاء كاتب تلفزيوني، كان يعرف أعضاء سابقين في فريق برنامج إيلين، أن "حاسة الشم عند (ديجينيريس) "عالية"، إذ توجب على الجميع أخذ علكة من وعاء موجود أمام مكتبها ومضغها قبل التحدث للمقدمة، وإذا اعتقدت أن رائحة الموظف كريهة لتوجب عليه أن يعود إلى منزله للاستحمام".

وذكرت الصحافية كاري بوبي Carrie Poppy في المنشور ذاته أن "صديقتي التي تعمل في أحد مطاعم "ريل فود ديلي" Real Food Daily في كاليفورنيا، قالت إن إيلين حضرت لتناول العشاء، وعندما لاحظت أن أحد أظافر النادلة التي تقدم لها الطعام كان مكسوراً، استدعت إدارة المطعم وحاولت طرد النادلة". لكن مثل هذا النوع من الأقاويل لن يشكل أزمة لأي نجم، ففي نهاية المطاف، هوليوود مليئة بقصص عن فظاظة المشاهير، أو معاملة مرؤوسيهم المفترضين بطريقة سيئة. أما بالنسبة لـ ديجينيريس التي تنهي كل حلقة من برنامجها الرائج بعبارة "كونوا لطيفين مع بعضكم بعضاً"، فإن هذه الاتهامات أشد خطورة.

والواقع أن بريق البرنامج أخذ يخبو فيما بدأ يفقد طابعه اللطيف على عجل، مع تعرضه لسيل من الانتقادات التي جاءت هادرة وسريعة. وبدأ المعجبون (وأنا منهم) بالتفكير، ليس فقط بـ ديجينيريس كشخص بل ببرنامج إيلين كبنية أيضاً. وتأتي هذه الانتقادات في إطار أزمة ثقافية على نطاق أوسع بكثير، تدور حول أخلاقيات البرامج الحوارية الرائجة، بدءاً بـ"ذا جيري سبرينغر شو" ووصولاً إلى "ذا جيرمي كايل شو"، و "تايرا بانكس شو"، التي يسترجع الناس محتواها، وينتقدونها بسبب إساءتها لأشخاص ضعفاء. بيد أن القسوة في "برنامج إيلين ديجينيريس" كانت متقنة أكثر. وابتعدت علامة برنامج إيلين في الترفيه عن الإثارة التي تولدها الصراعات بين الأشخاص، واعتمدت بدلاً من ذلك تصرفات غريبة تبعث على "الشعور بالرضا"، لكن، بقيت فيها الفظاظة إلى حدٍ ما.

 وقال لي أحد الأصدقاء أخيراً "معظم المقالب في برنامج إيلين لن تكون مضحكة في غياب جمهور". وهذه المقالب تعتمد بشكل عام على أشخاص ليس لديهم شك في ما يجري حولهم. ففي مقطع فيديو شوهد أكثر من 7 ملايين مرة، تضع ديجينيريس كاميرا خفية في غرفة تبديل الملابس الخاصة بالممثلة "جينفير أنيستون"، وتلقن الأخيرة عبارات لتستخدمها مع بائع دراجات هوائية ليس لديه أي علم بالموضوع. وتجعل ديجينيريس أنيستون تبدو سخيفة، إذ تردد الممثلة كلمات ديجينيريس التي تصلها عبر سماعة مثبتة في أذنها قائلة "هذه دراجة جميلة حقاً... جميلة، جميلة، جميلة، جميلة جميلة". وتتصرف على نحو جعل شعور بائع الدراجات بالحرج أمراً واضحاً، كطلبها منه أن يحك لها ظهرها مثلاً. وينتهي المقطع بالإيعاز إلى أنيستون أن تسأل الرجل ما إذا كان معجباً بها، فينفي ذلك معرباً مع هذا عن رغبته في أن يدعوها إلى تناول القهوة. وفجأة، اتضح لبائع الدراجات الهوائية أن أنيستون، المليونيرة ونجمة مسلسل "فريندز" الشهيرة، لم تكن مهتمة به بالفعل، وهو دعاها للخروج معه أمام ملايين الناس. مفاجأة! هناك جمهور يشاهد ذلك مباشرة في الاستوديو. أنت في برنامج "ذي إيلين شو".

وثمة فقرات أخرى مزعجة في البرنامج تحمل طابعاً مماثلاً، كـ"إيلين حصلت على صوركم الفيسبوكية!"، حيث تزيح الستار عن صوركم المنشورة عبر الإنترت (عادة ما تكون صوراً فاضحة)، وفقرة "اصطادتك كاميرا إيلين الخفية في المحلات"! وفيها يحصل أحد الجمهور على فرصة للسرقة من أحد محلات الهدايا ثم تُعرض اللقطات للشخص متلبساً بجريمة السرقة على الشاشة الكبيرة. أتذكر أنني تضايقت عندما شاهدت تلك الفقرات للمرة الأولى، لكن من دون أن أعرف جيداً لماذا شعرت بذلك. الآن، أعرف لماذا. أسأل نفسي، مثل كثيرين، ما إذا كان ذلك الإحراج العلني، بقشوره المرحة الخادعة التي توحي بأننا "جميعاً معاً في هذا"، هو في الواقع قاسٍ بعض الشيء.

ثم يأتي دور السياسة. ففي السنة الماضية، وتقريباً في الوقت الذي أثير فيه موضوع عيد ميلاد داكوتا جونسون، تعرضت ديجينيريس لهجوم عنيف بعد نشر صور لها تجمعها بالرئيس الأسبق جورج بوش الذي وقف بحزم ضد زواج المثليين. وأدلت بعد ردة الفعل تلك ببيان للجمهور من خلال البرنامج قائلة "أنا وجورج بوش أصدقاء. في الواقع، لدي كثير من الأصدقاء الذين لا يشاطرونني المعتقدات ذاتها... حين أقول "كونوا لطيفين مع بعضكم بعضاً"، لا أعني فقط الأشخاص الذين يفكرون بطريقتكم نفسها. أعني أن تكونوا لطيفين مع الجميع".

على كل حال، غالباً ما يتجاهل هذا النوع من اللطف غير السياسي التمييز والقمع الحاضرين كما يبدو في الثقافة السائدة خلف الكواليس في برنامج إيلين. وذكرت موظفة سوداء سابقة فيه  لموقع "بازفيد" Buzzfeed الإلكتروني أن أحد كتّاب البرنامج الرئيسين قال لها في حفل عمل "أنا آسف، أنا أعرف أسماء الأشخاص البيض فقط الذين يعملون هنا". وأوضحت الموظفة نفسها أن زملاءها أطلقوا عليها لقب "شرطية اللباقة السياسية" عندما أثارت قضايا متعلقة بالإثنية والتمثيل العرقي في البرنامج. بينما أفادت امرأة أخرى كانت تعمل هناك أيضاً، بأن بعض كبار المسؤولين في البرنامج لم يحركوا ساكناً عندما اشتكت أن أحد زملائها  كان يتقاضى ضعف مرتبها لقاء الوظيفة نفسها. ويشار إلى أن تعامل البرنامج هذا العام مع أزمة فيروس كورونا، التي تركت عديداً من الموظفين لا يعرفون مصير وظائفهم وأجورهم، يوحي أيضاً بعدم مراعاة حقوق العمال. ويبدو عبثياً عدم قدرة صنّاع برنامج إيلين خلف الكواليس على فهم أن "اللطف" يعني أيضاً أخذ أمور كالعنصرية والتمييز على أساس الجنس وظروف العمل في الاعتبار.

 ومنذ تداول الأخبار حول خضوع "برنامج إيلين ديجينيريس" للتحقيق بشكل رسمي، يدور كثير من التخمينات حول ما إذا كان مقدم آخر للبرنامج سيحل محل ديجينيريس، وإذا حصل ذلك، من سيكون؟ لكن يبدو أن المشكلة لا تقتصر على ديجينيريس كشخص، بل هي مسألة منهجية مستفحلة في أعمال برنامج إيلين من الألف إلى الياء. وكان هناك أيضاً تحول في الموقف من برامج التلفزيون النهارية. ثمة تطور مستمر في التلفزيون وعادات المشاهدة، وأن العديد من الأشياء التي أحبها الجمهور، أو كانت مقبولة بالنسبة له قبل عشر سنوات ليست بالضرورة مرغوبة أو مريحة الآن. لا ينطبق هذا فقط على المواقف المحرجة والاستفزاز التي تميز عمل برنامج إيلين إلى حد كبير، بل أيضاً على الروح التي تُسوَّق لنا عبر شاشاتنا، خاصة في عام 2020، ومفادها أن "اللطف" غير السياسي ليس جيداً بما فيه الكفاية بالنسبة لعديد من المشاهدين.

إذا كان بمقدور المسؤولين عن البرنامج تعلم شيء واحد من هذا، فهو أنه عندما تتمكن علامة ما (سواء كانت شخصية مشهورة، أو برنامجاً أو مزيجاً ضبابياً من الاثنين معاً كما في حالة إيلين) من كسب الملايين بفضل صورة جماهيرية معينة، فإن الجمهور يشعر بأنه قد خُدع عندما يتكشف زيف تلك الصورة. أراد الناس أن يصدقوا أن مقولة "كونوا لطيفين مع بعضكم بعضاً" كانت من المبادئ التوجيهية في فريق عمل برنامج ديجينيريس. لكن كما قالت داكوتا جونسون، يبدو أنها لم تكن كذلك، هذه ليست الحقيقة يا إيلين!

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات