Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة المشيشي في تونس بلا معالم

تحديات واستحقاقات كبرى يواجهها البرلمان الذي قد تضطرّه إلى المصادقة على تشكيلة غير سياسية مُكْرَهاً

هل يدفع قيس سعيد من خلال حكومة هشام المشيشي إلى إقصاء الأحزاب والدفع نحو حل البرلمان؟ (موقع رئاسة الجمهورية)

قطعت مشاورات رئيس الحكومة التونسية المكلف هشام المشيشي، نصف المسافة التي تفصلها دستورياً على عرض حكومته أمام مجلس نواب الشعب لنيل الثقة، من دون أن تتضح معالم هذه الحكومة وطبيعتها وتركيبتها، فهل ستكون حكومة سياسية، ممثلة للأحزاب البرلمانية الكبرى، أم حكومة كفاءات مستقلة؟.

في المقابل، خلق هذا الوضع حالة من الغموض، لدى مختلف الأحزاب، التي تنتظر شكل الحكومة المقبلة، على الرغم من أن المكلّف بتشكيلها أجرى سلسلة من المشاورات مع العديد من الأحزاب والشخصيات والمنظمات الوطنية.

وعلى الرغم من دخوله في عطلة برلمانية، حتى 30 سبتمبر (أيلول) المقبل، سيبقى مكتب مجلس النواب في تونس، في حالة انعقاد، استعداداً للمتطلبات الوطنيّة، حيث يُنتظر أن تتم الدعوةُ إلى جلسة عامّة، يعرض خلالها رئيسُ الحكومة المكلف، هشام المشيشي، تشكيلة حكومته أمام البرلمان، لنيل الثقة، وتقديم برنامج عمل حكومته، خلال الفترة المقبلة.

خيارات محدودة أمام البرلمان

يجد المجلس التشريعي، نفسه "مُكرهاً"، أمام خيارات محدودة، تتراوح بين القبول بشكل الحكومة، مهما كان لونها، (حكومة سياسية ممثلة بالأحزاب الفائزة بأكثرية المقاعد في البرلمان، أو حكومة كفاءات وطنيّة مستقلة لا علاقة لها بالأحزاب)، من أجل تفادي مأزق إمكانية حلّ البرلمان، والدّعوة إلى انتخابات تشريعية مبكّرة، من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، وهي فرضية قد يكون عديد الأحزاب غير مستعد لها بما يكفي.

برلمان منقسم وأمام تحدّيات كبرى

فما هي أبرز التّحديات التي يواجهها البرلمان في الفترة المقبلة؟ وكيف سيتفاعل مع تشكيلة حكومة المشيشي؟

يبدأ البرلمان، عهدة نيابية جديدة، مُثقلاً بهموم العهد السّابقة، التي شهدت توتّرات سياسية حادّة، ومساءلة لرئيس المجلس راشد الغنّوشي، انتهت بعقد جلسة لسحب الثقة منه، في الرّمق الأخير من العهدة البرلمانية، نجا منها بصعوبة، إثر تصويت 97 نائباً من أجل سحب الثقة، التي تتطلّب 109 أصوات، في جلسة حضرها 133 نائباً فقط من أصل 217.

وأمام البرلمان، تحدّيات بالجملة، من بينها الأكثر إلحاحاً وهي المحكمة الدستورية، من أجل صون المسار الدستوري في البلاد من الانزلاق، واستكمال بقيّة الهيئات الدستوريّة، على غرار، الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، واستكمال انتخاب رئيس جديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، خلفاً لنبيل بفّون، الذي انتهت ولايته وعضوين آخرين، بحسب القانون في إطار التداول، والتّجديد الدّوري، كل سنتين لثلث تركيبة الهيئة، التي تضمّ تسعة أعضاء، لضمان استقلاليتها، إضافة إلى هيئة حقوق الإنسان، وهيئة التنمية المستدامة، وهي هيئات نصّ عليها الدستور.

جملة من التحدّيات يواجهها البرلمان، وهو في حالة انقسام واضحة، في علاقة بنتائج التّصويت على سحب الثقة من رئيسه، راشد الغنوشي، الذي وافق على استقالة رئيس ديوانه، الحبيب خذر، والذي تتّهمه كتلة الدستوري الحرّ، بتوظيفه مؤسسة البرلمان لفائدة حزب حركة النهضة، وفشله في إدارة المجلس.

الانقسام والتّشتت والاستحقاق الدستوري

من جهة ثانية، ينتظر التونسيون، مشهداً برلمانياً مغايراً للفترة السّابقة، يقطع مع حالة التشنج والفوضى التي سادته، ويعمل على التّسريع، في إنجاز المهمّات الملقاة على عاتقه، من أجل الدّخول في الإصلاحات التّشريعية الكبرى، ومساندة عمل الحكومة للاستجابة، إلى حاجة التونسيين في حياة كريمة.

انتظار المواطنين من البرلمان، تبدو بعيدة من الواقع، إذ يوصّفُ الصحافي، عبد السلام الزّبيدي، في تصريح إلى "اندبندنت عربيّة" حالة البرلمان بالانقسام، والتشتت، ويجد نفسه، أمام استحقاق دستوريّ، سيحلّه بالطرق الدستورية، التي تضع البرلمان أمام خيارين، فإمّا المصادقة على الحكومة، ويبقى يشتغل، أو يرفضها، ويضع نفسه، أمام احتمال حلّه، من قبل رئيس الجمهورية.

ويضيف الزبيدي، أنّه في النّهاية ستتمّ المصادقة على الحكومة، لأسباب لا تتعلّق فقط بالتخوّف من حلّ البرلمان، وإنما أيضاً لأسباب اقتصاديّة، واجتماعيّة، ومن بينها ضرورة تمرير قانون المالية، في 15 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وتفادي احتقان اجتماعي، ربما سينفجر في البلاد، مع العودة المدرسية والجامعيّة.

أزمة حكم حقيقية

ويؤكد أنّ الإشكال ليس في البرلمان، وإنما في المشهد السياسي العام، والمشكلة في النظام السياسي، وفي طبيعة رئيس الجمهورية قيس سعيد، واختياراته، مشدّداً على أنّ تونس أمام أزمة حكم حقيقية، لأنّ الرئيس اختار الفخفاخ في مناسبة أولى، وله صفر مقاعد في البرلمان، ومن ثم اختار هشام المشيشي، وهو ليس له أي سند حزبي، أو نيابي، وهي "مفارقة غريبة" على حدّ قوله، مشيراً إلى أنّ رئيس الجمهورية لا يؤمن بالدّيمقراطية، وله قراءة خاصّة للدستور ويريد تغيير النظام من خلال النظام نفسه.

ويرى الزبيدي، أن قيس سعيّد، يؤوّل الدستور بطريقة عجيبة، فالفصل 89 منه، ينصّ على أنّ تعيين وزير الخارجية، ووزير الدفاع، يتم بالتشاور، مع رئيس الجمهورية، وقيس سعيد يعتبر هذا التشاور ملزم إلا أنّ الفقرة نفسها من الدّستور تنصّ، على أن اختيار الشخصيّة الأقدر لرئاسة الحكومة، تكون بالتشاور مع الائتلافات الحزبية، ويعتبر سعيّد أنّ هذا التشاور، مسألة شكليّة، فرئيس الجمهورية يؤوّل عبارة "التشاور" في الفصل نفسه من الدستور، بطريقتين مختلفتين.

ويعيب الزبيدي، على أساتذة القانون الدستوري، غضّ الطرف عن هذه المسألة، موضحاً أنّ جميعهم، يؤوّلون الدستور، بطريقة سياسية، وليست قانونية.

"حكومة الضرورة" ستسقط ولو بعد حين

وحول احتمال سحب الثقة من حكومة المشيشي، بعد فترة من المصادقة عليها، يجيب الصحافي التونسي، أنّ الحكومة المقبلة، سيتم منحها الثقة للضرورة، مرجّحاً إمكانية إسقاطها بعد أشهر قليلة، لأنها حكومة ضرورة، وليست حكومة اختيار، ولأن رئيس الجمهورية، وضع الأحزاب، أمام الأمر الواقع، فإما الموافقة على هذه الحكومة، من أجل استحقاقات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، أو تبقى حكومة الفخفاخ، بكلّ ما يشوبها من تضارب مصالح، وملاحقات قضائية، والتي في صورة عدم نيل حكومة المشيشي ثقة البرلمان، فإنها ستواصل عملها، لمدّة تزيد على ستّة أشهر أخرى للإعداد لحلّ البرلمان، وإعلان موعد، الانتخابات التّشريعية المبكّرة.

النهضة متمسّكة بحكومة سياسيّة

بالتوازي مع ذلك، وفي لقاء غير معلن، التقى المكلف بتشكيل الحكومة هشام المشيشي رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، قبل انطلاق أشغال مجلس شورى حركة النهضة.

وأكد الغنوشي، ضرورة أن تكون الحكومة سياسية، وتُرَاعَى فيها الأوزان البرلمانية، بينما شدّد المشيشي على ضرورة تشكيل حكومة سياسية، لا تكون فيها الأحزاب ممثلة بوزراء من الصف الأول.  

وكان رئيس مجلس شورى حركة النهضة، عبد الكريم الهاروني، أكّد في تصريحات صحافية، أنّ الحركة، حريصة على أن تكون الحكومة المقبلة حكومة سياسية معتبراً ذلك الشرط الأساسي لنجاحها، من خلال حزام برلماني قوي، حتى تتمكّن من القيام بالإصلاحات واتخاذ القرارات المناسبة للوضعية التي تعيشها تونس اليوم.

واستغرب الهاروني، أن تُبنى الحكومات على الأحزاب التي فشلت في نيل ثقة الناخبين، بينما يتم التخلي عن الأحزاب الرئيسية، الفائزة في الانتخابات التشريعية.

حكومة المشيشي لن تدخل في الإصلاحات الكبرى

اعتبر النّائب عن التيار الديمقراطي منعم العش، في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أنّ رئيس الحكومة المكلف، متّجه نحو حكومة "كفاءات"، لا علاقة لها بالأحزاب السياسية، مشيراً إلى أنّ أغلب الأحزاب رافضة هذا التوجّه.

وأضاف العش، أن الأحزاب اليوم في تونس لا يمكنها تحمّل مسؤولية سياسية، في حلّ البرلمان، والذّهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، لأنها مكْلِفة على الدّولة وعلى المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، وعلى الشّعب، ومعتبراً أنها إهدار للوقت.

وأكد أنه سيكون هناك ضغط كبير على الأحزاب والكتل البرلمانية، من أجل تمرير هذه الحكومة، ولكن في نهاية المطاف لن يكون هذا هو الحل، الذي تحتاجه تونس اليوم، لأن البلاد في حاجة إلى حكومة سياسية، أكثر منها إلى حكومة "كفاءات"، من أجل الدخول في الإصلاحات الضروريّة، التي تحتاجها البلاد فعلاً.

ويرى العش، أن وضع حكومة المشيشي، إن اختيرت شخصيات مستقلة لها، ستكون حكومة تصريف الأعمال، أكثر منها حكومة إصلاحات كبرى، نظراً إلى وضعية المالية العامة، ووضعية مختلف القطاعات الاقتصاديّة.

وشدّد على أن هذا الوضع يحتاج إلى جرأة سياسية، من أجل الإصلاح، ومن أجل حلّ المشاكل العالقة، مرجّحاً إمكانية تمريرها كُرْهاً في هذا الظرف، إلا أنها قد تواجه مستقبلاً احتمال سحب الثقة، لأن الأحزاب القوية الممثلة في البرلمان ترفض شكل هذه الحكومات.

ويتعيّن على المشيشي إنهاء مشاوراته، وعرض حكومته، على البرلمان لنيل الثقة قبل السّادس والعشرين من الشهر الجاري، وتتطلب المصادقة عليها 109 أصوات بحسب ما ينصّ على ذلك الدستور، فهل تنال ثقة البرلمان أم أنّ تونس ستدخل مرحلة انتخابية جديدة في حال تمّ حل البرلمان؟.

المزيد من العالم العربي