Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تتصاعد المخاوف حول التصويت بالبريد في الانتخابات الأميركية؟

100 مليون ناخب يصوتون غيابياً هذا العام وخدمة توصيل الرسائل تواجه أزمة طاحنة

مواطنون أميركيون يدلون بأصواتهم مع احترام التباعد الاجتماعي خلال انتخابات بولاية أوهايو في 28 أبريل الماضي (أ ب)

أصبح التصويت عبر البريد في الانتخابات الأميركية المقبلة خلال جائحة فيروس كورونا هو حجر الزاوية في معركة سياسية متنامية بين الرئيس دونالد ترمب الذي يؤمن بأن تلك الطريقة في الإدلاء بالأصوات تُعدّ "كارثة مروعة تجعل الانتخابات عُرضةً للاحتيال والتزوير"، وبين خصومه الديمقراطيين الذين يرون في التصويت بالبريد طريقةً ملائمة لحماية الناخبين من فيروس كورونا المميت، وأن الفشل في ضمان توسيع هذا الخيار سيحرم ملايين الأميركيين، بخاصة الفقراء وذوي الأصول الإفريقية واللاتينية الذين يميلون إلى التصويت لمصحلتهم، أكثر عرضةً للإصابة. فما هو التصويت بالبريد ولماذا يثير كل هذه الضجة الآن مقارنة بالعقود السابقة؟ وإلى أي مدى يهدد توسيع التصويت بالبريد نزاهة الانتخابات وبالتالي شرعيتها؟
 

100 مليون ناخب

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وتسارع العد التنازلي إلى أقل من ثلاثة أشهر، تتزايد المخاوف بشأن إجراء انتخابات عامة وسط جائحة كورونا المستعرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ومع استبعاد هزيمة الوباء بحلول شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يعتقد كثيرون أن التصويت عبر البريد سيكون الأكثر تفضيلاً لنحو 100 مليون شخص يدلون بأصواتهم حضورياً في صناديق الاقتراع.

ومع استمرار الرئيس ترمب كأبرز معارض للتصويت عبر البريد، تحوّل النقاش حول إيجابياته وسلبياته بسرعة إلى قضية حزبية، ففي حين يصف ترمب التصويت عبر البريد بأنه كارثة مروعة وطريقةً سهلة تسمح بتدخل دول أجنبية في الانتخابات، يدعم الديمقراطيون التصويت بالبريد على نطاق واسع، إذ قالت عضو مجلس الشيوخ الأميركي آيمي كلوبتشار إن "الناخبين لا يجب أن يختاروا بين المخاطرة بصحتهم وبين الإدلاء بأصواتهم"، واقترحت لذلك إقرار تشريع في الكونغرس يضمن تمكّن كل ناخب من الإدلاء بصوته عن طريق البريد في اقتراع مبكر قبل 20 يوماً على الأقل من يوم الانتخابات المحدد وهو الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بهدف خفض الازدحام في يوم الاقتراع لأولئك الذين يحتاجون إلى التصويت بأنفسهم في الصناديق.



كيف يختلف التصويت بالبريد؟

تحدد كل ولاية قواعد التصويت الخاصة بها، ويوضح "المجلس الوطني للهيئات التشريعية في الولايات"، وهو هيئة معنية بنزاهة الانتخابات واستقلاليتها ودعم التعاون بين الولايات والحكومة الفيدرالية، أن القواعد الحالية للتصويت عبر البريد تختلف اختلافاً كبيراً عبر الولايات. وهناك خمس ولايات فقط هي كولورادو وهاواي وأوريغون ويوتا وواشنطن، تُجري انتخابات شاملة بالبريد ولكنها تفتح بعض مواقع التصويت لأولئك الذين يفضلون التصويت حضورياً بأنفسهم أو قد يحتاجون إلى المساعدة.

غير أن 30 ولاية أخرى تسمح بتصويت الغائبين من دون عذر، أي أن الناخبين لا يحتاجون إلى الإفصاح عن سبب الإدلاء بأصواتهم عن طريق البريد، بينما تشترط الولايات المتبقية وعددها 15 ولاية، تفسير سبب عدم التصويت حضورياً في مراكز الاقتراع، والذي غالباً ما يتعلق بالتقدم في السن أو المرض أو أي أسباب أخرى، لكنها في النهاية تسمح بهذه الآلية المشروطة للاقتراع غيابياً.


تطور الاقتراع في أميركا

تطورت عملية الاقتراع في الولايات المتحدة على مدى 250 سنة ، فبعدما تأسست الولايات المتحدة لأول مرة، كان الناخبون يعلنون اختياراتهم في قاعات المحاكم بصوت مرتفع ومسموع من الجميع، ولكن في نهاية القرن التاسع عشر، أصبح الاقتراع الورقي شائعاً في مكان مخصص للاقتراع في كل ضاحية.
ومع مرور الزمن، سمحت غالبية الولايات للناخبين بالإدلاء بأصواتهم بشكل مُبكر قبل اليوم المحدد للانتخابات، سواء بالحضور شخصياً للتصويت في مواقع محددة للاقتراع المُبكر، أو عبر اقتراع يتم إرساله بالبريد إلى منزل الناخب. ويجري ذلك حالياً في جميع الولايات بشكل مُبكر قبل موعد الانتخابات بأيام أو أسابيع بحسب قانون كل ولاية.


اقتراع الغائبين

ويطلَق على الاقتراع الذي يتم إرساله إلى الناخب ليصوّت خارج مكان الاقتراع أو مكتب المسؤول الانتخابي على أنه "اقتراع غائب"، ويطلَق على الشخص الذي يصوّت على ذلك الاقتراع "الناخب الغائب"، على اعتبار أن قانون الولاية يسمح للناخب باستخدام هذا الخيار عندما يكون غائباً عن مكان الاقتراع في اليوم المحدد للانتخابات.

ومع مرور الزمن وطلب مزيد من الناخبين إجراء الاقتراع بشكل مُسبَق، سمحت الولايات بتقديم مزيد من الفرص للأميركيين للقيام بذلك، وأصبحت البطاقات تُسمى بأسماء مختلفة مثل "بطاقات الاقتراع المُسبق" أو "بطاقات الاقتراع بالبريد"، ويشير هذا المصطلح إلى بطاقات الاقتراع التي يرسلها مسؤولو الانتخابات بالبريد إلى الناخبين، ولكنه لا يشير إلى الطريقة التي يختارها الناخبون لإعادة أوراق الاقتراع إلى اللجان الانتخابية لفرزها، حيث يتم غالباً إعادة بطاقات الاقتراع الغيابية المُرسلة من الناخبين عبر طرق أخرى بخلاف البريد، أي بالحضور شخصياً إلى مكان التصويت، أو باعادتها عبر إلقاء أوراق الاقتراع داخل صندوق آمن مخصص لذلك في أماكن مُحددة.


لماذا الآن؟

غير أن الرئيس ترمب الذي لم يبد اعتراضه على الاقتراع بالبريد عام 2016، يُظهر الآن تخوفات متكررة بشأنه نظراً إلى تحرك ولايات عدة لتوسيع قاعدة الاقتراع بالبريد في محاولة للحد من تصويت الناخبين حضورياً في صناديق الاقتراع وسط جائحة فيروس كورونا، فيما تزايدت المخاوف من حدوث تأخير في الخدمة البريدية يؤدي إلى استمرار فرز الأصوات على مدى أيام أو أسابيع بعد يوم الانتخابات، فضلاً عن المخاوف من أن تؤدي عمليات الاقتراع المتأخرة أو المفقودة أو التي يتم إبطالها بسبب مخالفات صغيرة، إلى دعاوى قضائية وأسئلة حول نزاهة الانتخابات.

وخلال الأيام القليلة الماضية، خضعت خدمة البريد الأميركية (USPS) وهي وكالة مستقلة تابعة للحكومة الفيدرالية، لتدقيق مكثف من ترمب المنتميإلى الحزب الجمهوري والمشرعين الديمقراطيين على حد سواء، حيث تصاعدت التحذيرات من أن الوكالة قد تكون غير مجهزة للتعامل مع عشرات ملايين بطاقات الاقتراع بالبريد التي يُتوقع إرسالها للمقترعين في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ولهذا السبب حذر الرئيس الأميركي من الاحتيال الواسع النطاق ونبّه إلى أن الجهود الديمقراطية لتوسيع التصويت عبر البريد ستؤدي إلى الفوضى والتأخير، فيما يتهم الديمقراطيون ترمب بمحاولة تفكيك الخدمة البريدية لجعل التصويت عبر البريد أكثر صعوبة.


هل يُنقَذ البريد؟

ويصرّ الديمقراطيون على أن قانون تحفيز الاقتصاد الأميركي الذي يجري النقاش حوله في الكونغرس يجب أن يشمل تمويلًا إضافياً بقيمة 3.6 مليار دولار لخدمة البريد، التي كانت تعاني من تأخيرات في كل أنحاء البلاد بعدما اتخذ مديرها الذي عيّنه ترمب، لويس ديجوي، اجراءات من شأنها تقويض نظام البريد لتعقيد التصويت من خلاله، الأمر الذي سيكون حاسماً لإجراء انتخابات آمنة في نوفمبر 2020، لكن الجمهوريين يعارضون مثل هذا التمويل.

ويتحدث الديمقراطيون عن تعيين "مجلس محافظي الخدمات البريدية" أخيراً، لويس ديجوي، وهو أحد كبار المانحين في الحزب الجمهوري ، ليكون المدير العام لوكالة الخدمات البريدية الأميركية، وتناقلت تقارير إعلامية، مذكرات مسربة تدعو إلى تقييد العمل الإضافي بين موظفي الخدمة البريدية وادخال تغييرات على طريقة فرز البريد، ما سيؤدي إلى تأخير واسع النطاق.

غير أن خدمة البريد وصفت التقارير الإعلامية بالمبالَغ فيها وأن المذكرات المسربة جاءت من موظفين منخفضي المستوى. كما أبلغ  المستشار العام لوكالة الخدمة البريدية توماس مارشال، الكونغرس بأن الخدمة تعمل بشكل وثيق مع المسؤولين المنتخَبين في كل ولاية والمسؤولين المحليين للتحضير للزيادة المتوقعة في التصويت عبر البريد، لكن مارشال، أوضح أن الخدمة البريدية في حالة مالية صعبة، مشيراً إلى تخفيضات وشيكة في عدد العاملين، قائلاً إن "الوكالة ستتخذ خطوات لتعزيز الكفاءة التشغيلية وخفض التكاليف".

وتشير جمعيات أهلية معنية بخدمة البريد إلى أن الآلاف من عمال البريد أصيبوا بوباء كورونا وتوفي بعضهم على الرغم من أن الخدمة البريدية سارعت إلى تطهير منشآتها البالغ عددها 31 ألفاً وتوفير معدات الحماية الشخصية لقوتها العاملة.


الضوء الأخضر

وعلى الرغم من تصريحات ترمب حول أن التصويت عبر البريد سيؤدي إلى احتيال واسع النطاق، إلا أنه منح التصويت بالبريد الضوء الأخضر ولكن فقط في ولايات معينة مثل أريزونا وفلوريدا وهي ولايات تتولى منصب الحاكم فيها شخصيات جمهورية، لكنه اعتبر أن ولايات أخرى مثل نيفادا لا تملك الوقت الكافي لتحسين نظام التصويت بالبريد الذي وصفه بالـ "معيب"، وأن "السماح بذلك في ولاية مهمة هو بمثابة كارثة تنتظر الحدوث".

وتشير تعليقات ترمب إلى مخاوفه من صدور قانون وقعه حاكم ولاية نيفادا ستيف سيسولاك يقضي بإرسال بطاقات الاقتراع بالبريد إلى الناخبين بسبب جائحة فيروس كورونا، كما اتخذت ولايتي كاليفورنيا وفيرمونت خطوات لتبني قوانين مماثلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تجارب كاشفة

ولا تنبع مخاوف ترمب وحلفاؤه الجمهوريون من فراغ، حيث أكدت تقارير عدة وجود خلل في التصويت عبر البريد في أكثر من ولاية خلال الانتخابات التمهيدية. وذكرت صحيفة "نيويورك بوست" أن هيئة الانتخابات أبطلت 84 ألف بطاقة اقتراع بالبريد في مدينة نيويورك من بين 403 آلاف أدلوا بأصواتهم عن طريق البريد في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الديمقراطي والتي جرت في يونيو (حزيران) الماضي، حيث تم استبعاد ربع بطاقات الاقتراع بالبريد بسبب وصولها في وقت متأخر أو افتقادها إلى ختم البريد أو عدم تضمنها توقيع الناخب، أو بسبب عيوب أخرى، وهو ما يعتبره عدد من الجمهوريين دليلاً آخر على أن المسؤولين عن الانتخابات والخدمة البريدية كانوا غير مستعدين بشكل مؤسف للتعامل مع الكم الهائل من بطاقات الاقتراع بالبريد التي يجري تشجيع الناخبين على ملئها لتجنب الذهاب إلى صناديق الاقتراع خلال مرحبة تفشي وباء فيروس كورونا.

كما تشير دراسة أجرتها شبكة "فوكس نيوز" إلى أن التصويت عبر البريد في البلاد أدى إلى سلسلة "نتائج غريبة" في الأسابيع الأخيرة بما في ذلك بطاقات الاقتراع التي تأخرت عن الوصول في موعدها، والبطاقات المفقودة والضائعة.


تهديد التضليل

ويرجع خبراء استراتيجيون في الانتخابات، رغبة الرئيس في خفض معدل التصويت بالبريد إلى سياسته التي تستهدف جعل عدد من مؤيدي منافسه جوزف بايدن غير المتحمسين، يمتنعون عن الإدلاء بأصواتهم بعدم الذهاب إلى الصناديق، وبالتالي فإن الاقتراع بالبريد يمكن أن يقوّض هذه الاستراتيجية أو يقلل من فعاليتها ضد الخصم بخاصة بين كبار السن.

في الوقت ذاته، يحذر خبراء في مجال "أمن الانتخابات" من أن التهديد الرئيسي الذي تواجهه الانتخابات هذا العام يتمثل في التضليل والمعلومات المزيفة حول التهديدات التي يمثلها التصويت عبر البريد.

وخلال شهادته في جلسة استماع أمام لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب، قال ديفيد ليفين من فريق نزاهة الانتخابات في "التحالف من أجل تأمين الديمقراطية" التابع لـ"صندوق مارشال"، إن العديد من خبراء ومسؤولي الانتخابات قلقين من احتمال رفض بعض الناخبين لنتائج اقتراع نوفمبر باعتبارها غير صالحة أو مزورة بسبب زيف المعلومات أو التضليل.

ووفقاً لتقييم حول المخاطر الأمنية المحتملة للتصويت بالبريد أصدرته وكالة الأمن السيبراني التابعة لوزارة الأمن الداخلي الأسبوع الماضي، فإن جميع أشكال التصويت تحمل قدراً من المخاطر والتداخل، وأن المخاطر الناشئة عن التصويت عبر البريد يمكن إدارتها من خلال سياسات وإجراءات وضوابط مختلفة.

في سياق متصل، حذر أكبر مسؤول أميركي في مجال مكافحة التجسس، وليام إيفانينا، يوم الجمعة 7 أغسطس (آب) الحالي، من أن روسيا والصين وإيران ستحاول التدخل في انتخابات الرئاسة المقبلة، مضيفاً أن روسيا تحاول بالفعل تقويض انتخاب بايدن.
وفي بيان علني غير معتاد، قال إيفانينا، وهو مدير المركز الوطني للأمن ومكافحة التجسس إن "تلك الدول تستخدم التضليل الإلكتروني ووسائل أخرى في محاولة التأثير على الناخبين وإثارة الاضطراب وتقويض ثقة الناخبين الأميركيين بالعملية الديمقراطية.
أما ترمب فقال عندما سُئل خلال مؤتمر صحافي عقده في نيوجيرزي عن كيفية رده على أي تدخل في الانتخابات، "سنراقبهم. ينبغي علينا التحلي بالحذر"، معبراً عن اعتقاده بأن روسيا والصين وإيران تتمنى هزيمته.
وقد يحاول الخصوم في الخارج أيضاً التدخل في النظم الانتخابية الأميركية من خلال محاولة تخريب عملية الاقتراع أو سرقة بيانات الانتخابات أو التشكيك في شرعية النتائج الانتخابية.
لكن إيفانينا شدد على أنه سيكون "من الصعب على خصومنا التدخل في نتائج التصويت أو استقطابها على نطاق واسع".
وشدد المتحدث باسم حملة إعادة انتخاب ترمب، تيم مورتو، على أن الرئيس الأميركي "أكثر حزماً مع روسيا من أي إدارة في التاريخ" الأميركي. وأضاف "لا نحتاج أو نريد تدخلاً أجنبياً، وسيهزم الرئيس ترمب جو بايدن بنزاهة وشرف".

المزيد من تحقيقات ومطولات