Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

براعة ترامب في التلاعب بالإعلام لن تضمن له الانتصار على كورونا

يجد الأميركيون صندوق خدعه السياسية أقل إغراءً مع كل زلّة لسان بما في ذلك اقتراحه عليهم حقن المطهّرات للوقاية من الفيروس القاتل

 الرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض (رويترز) 

تقهقر دونالد ترمب في استطلاعات الرأي بعيداً بما يكفي  لبعث الأمل في العالم بإمكان إسدال الستار قريباً على ولايته كرئيس للولايات المتحدة بحلول الانتخابات المقرر إجراؤها في غضون 100 يوم. ونظراً إلى تعامله الكارثي مع جائحة فيروس كورونا، فإنّ انهيار شعبيته لا يكاد يكون مفاجئاً على الإطلاق.

ومع ذلك، لطالما أظهر ترمب قدرة دراكولا على النهوض من قبره السياسي. وفي هذا الصدد، لفت الكاتب والسياسي كونور كروز أوبراين ذات مرة إلى القدرة المدهشة المماثلة التي يتمتّع بها رئيس الوزراء الأيرلندي الأسبق تشارلي هوغي في النجاة من الفضائح والأزمات. وقال أوبراين "إذا رأيتُ السيد هوغي يُدفن عند منتصف الليل في مفترق طرق وقد اخترق وتدٌ قلبه، يجب أن أستمرّ في ارتداء فص ثوم حول عنقي (ما يؤدي بحسب الأسطورة إلى التحصّن ضد دراكولا) من باب الاحتياط".

ويكمن سرّ نجاة ترمب في مهارته باستخدام وسائل الإعلام والتلاعب بها لمصلحته الخاصة. فهو قد يبدو بذيئاً، لكنه خبير في تغيير موضوع الساعة بحيث تصبح فضيحة اليوم خبراً قديماً غداً. لذا فهو يهيمن، من خلال سلوكيات شنيعة، على أجندة الأخبار. وبغضّ النظر عن إخفاقاته، فهو ليس مملّاً أبداً.

قد لا تبدو هذه السمة الأخيرة ذات أهمية سياسية، لكن صناعة الأخبار تدور كلها حول ما هو جديد ومثير وممتع. وربما يجد المرء تصريحات ترمب وتغريداته غريبة أو مجنونة، لكنها في الحقيقة عبارة عن عناوين أخبار أُعدّت لتوفّر له دعاية هائلة، وغالباً عبر الصحف والشبكات التلفزيونية التي تكرهه. ويدرك الصحافيون أنهم يرقصون على أنغامه، لكن لا يمكنهم أن يفعلوا شيئاً حيال ذلك.

ويصيب النقاد حين يعزون قدرته الفائقة على البقاء محطّ الاهتمام إلى سنواته الـ14 التي أمضاها كقطب أعمال قوي في برنامج تلفزيون الواقع "ذا أبرينتس" The Apprentice، إلّا أنّ نبرة الانتقادات تتجاهل ذلك، كما لو كان لعب دور البطولة عاماً بعد عام في برنامج تلفزيوني ناجح للغاية أمراً سهلاً. بالطبع، ليس ثمة شيء "حقيقي" في تلفزيون الواقع، إذ إنّ ساعة واحدة على الهواء من برنامج "ذا أبرينتس" هي خلاصة 300 ساعة من اللقطات المصوّرة، مِمَّا يؤدي إلى منتوج نهائي مصطنع.

ومن شأن الأسباب التي جعلت المنتجين يعتبرون ترمب عبقرياً في الأعمال، على الرغم من إفلاس فنادقه وكازينوهاته ست مرات، أن تساعد على تفسير نجاحه السياسي. فقبل سنوات عدّة، شرح ريتشارد ليفاك، وهو عالم نفس عمل مستشاراً لبرنامج "ذا أبرينتس"، في مقابلة أجرتها معه مجلة "ذا نيو يوركر" The New Yorker سبب ملاءَمة شخصية ترمب للبرنامج. وقال إن السمات التي ضمنت لترمب العمل في البرنامج هي "الطاقة والاندفاع وعدم القدرة على التعبير عن فكرة كاملة لأن عواطفه تغلبه وتقطع عليه الطريق، لذا فإنه عندما يتحدث، يكون كلامه كله عبارة عن صفات مثل 'عظيم' و'رائع' و'فظيع'". بيد أن ما جعله قادراً على اجتذاب الجمهور كثيراً، فهو استعداده لتجاوز القواعد وخرقها حسبما أشار ليفاك، وهو تفسير لا يزال صحيحاً حتى اليوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فعفويته الفوضوية واستحالة التنبّؤ بتصرفاته جعلتا ظهوره التلفزيوني حتى الآن موضع جذب لا يُقاوم. وفي هذا الصدد، اعتبر ليفاك "أنْ يكون شخص ما قادراً على تحقيق كل هذا النجاح فيما هو غير منضبط عاطفياً، فهذا أمر مروّع إلى حدّ لا يمكنك معه إلّا أن تشاهده... وتستمر في المشاهدة كي ترى عقابه. بيد أن هذا لا يأتي".

لكن ربما جاء عقاب ترمب على شكل فيروس كورونا، إذ يجد الناس صندوق خدعه السياسية أقلّ إغراء عندما يقترح عليهم حقن أنفسهم بمطهّر للشفاء من الإصابة بكوفيد-19.

ليست جميع صفات ترمب من مميّزات أميركا. وبصرف النظر عن قدرته الفريدة على التلاعب بوسائل الإعلام، فهو يحمل معظم سمات الحكّام الشعبويين والقوميين والسلطويين أينما كانوا. إنه كهؤلاء يتّسم بكراهية الأجانب ذاتها التي تحمل على شيطنة أبناء الأقلّيات في الداخل والأجانب في الخارج؛ والإشادة بالقانون والنظام عند تطبيقهما على الآخرين فيما يتجاهلهما هو ومساعدوه؛ والتعامل مع الممثلين المنتخبين والخبراء والمتعلمين جيداً بازدراء مماثل. وفوق كل شيء، هناك رائحة الفساد ذاتها التي تفوح من الشعبويين والقوميين والسلطويين والتباهي بالقوة العسكرية والرغبة في استخدام العنف.

يكون ترمب في أخطر حالاته عندما يُحاصَر ويتعرّض لخطر فقدان السلطة. إنه يسعى إلى المواجهة في كل منعطف، وعنصريته أشدّ وضوحاً في الولايات المتحدة، كما يدلّ استعداده لنشر الأمن الفيدرالي ضد المتظاهرين في المدن التي يديرها الديمقراطيون مثل بورتلاند وأوريغون وشيكاغو، من أجل إثارة اشتباكات قد تعزّز سجلّه في مجال فرض القانون والنظام. وفي الخارج، تتصاعد الحرب الباردة المختلقة حديثاً ضد الصين يوماً بعد يوم. وفي العادة، تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) تحذيرات مرعبة بشأن تخطيط ساكن البيت الأبيض لـ"مفاجأة أكتوبر" على شكل أزمةٍ تُغيّر قواعد اللعبة في الانتخابات. ومع أن نظريات المؤامرة المكيافيلية هذه نادراً ما تبلورت في الواقع، إلّا أنّها قد تحدث فعلاً في هذه المناسبة.

لكن حتى إذا جرى طبخ أزمة ما، فلا ينبغي أن يكون لها تأثير حاسم في مواجهة الواقع المروّع للجائحة، مع وفاة 142 ألف أميركي وتأكيد إصابة أربعة ملايين. قد يكون من المتأخر جداً لترمب أن يتراجع بشكل مفاجئ عن الاستهانة بالمرض الذي كان يعتبره خدعة دبّرها له أعداؤه، فيرتدي قناعاً للمرة الأولى ويلغي المؤتمر الجمهوري في جاكسونفيل بولاية فلوريدا، حيث كان سينال ترشيح الحزب لولاية ثانية.

ومع ذلك لا تزال هناك خيارات أمامه. فمن خلال استئناف الإحاطات الصحافية للبيت الأبيض حول الجائحة، سيركّز اهتمام الجمهور على شخصيته ويهمّش جو بايدن. فهو لا يزال شرساً وفعّالا في الترويج لنفسه، وكما كانت الحال عام 2016، يحارب اليوم في بايدن مرشّحاً باهتاً للحزب الديمقراطي.

فشلت استراتيجية الديمقراطيين قبل أربع سنوات بافتراض أن ترمب سيدمّر نفسه لأسباب منها أنها خلقت فراغاً في المعلومات مَلَأَهُ ترمب بالافتراءات حول هيلاري كلينتون. لكن هذه المزايا قد تكون أقلّ أهمية الآن مِمّا كانت ستكون عليه في أي عام آخر، لأن خصمه الحقيقي ليس هو بايدن بل فيروس كورونا. وها هو فشله في السيطرة على الجائحة أو في إقناع الأميركيين بأن الخراب الناجم عنها مبالغ فيه، يشلّ حملته. وكان ارتباكه واضحاً خلال إحاطاته الصحافية الجديدة، وهو يسرد قائمة لا حصر لها من الإجراءات غير المتناسقة التي اتّخذتها الحكومة الفيدرالية لمكافحة الفيروس. وتبدو مزاعمه حول النجاح الأميركي المتفوّق على العالم مختلّة على نحو خطير، عندما تُقارَن بالرسوم البيانية التي تُظهر عدد الإصابات يحلّق إلى ما يزيد على أربعة ملايين إصابة، فيما تزيد الوفيات على ألف حالة يومياً.

من المحتمل أن يرحل ترمب ولكن من غير المرجّح أن يرحل بهدوء. قد تغرقه الجائحة، لكنها أيضاً تتيح له فرصاً غير مسبوقة لتعكير المياه وإثارة الكراهية والانقسام في يوم الانتخابات. ففي المناطق الحضرية، على سبيل المثال، حيث يتمتّع الديمقراطيون بغالبية قوية، عادة ما تُدار مراكز الاقتراع من قبل متطوعين من كبار السن المتقاعدين، وهم الفئة الأكثر عرضة لفيروس كورونا. وإذا لم يحضروا في يوم الانتخابات، فستُغلق مراكز الاقتراع ما يصبّ في صالح ترمب الذي يحاول بالفعل نزع الشرعية عن التصويت عبر البريد. ويمكن ببساطة ألّا يغادر عدد كبير من الناخبين منازلهم للإدلاء بأصواتهم مخافة الإصابة بالفيروس.

يصعب التفكير في كلمة واحدة تصف الفوضى الشاملة التي تشهدها أميركا هذا الصيف. لكن الكاتب كونور كروز أوبراين صاغ كلمة GUBU، وهي مناسبة للظروف الاستثنائية الحالية في الولايات المتحدة. وتُعتبر اختصاراً لكلمات بشع، غير معقول، غريب وغير مسبوق (grotesque, unbelievable, bizarre and unprecedented) - التي استخدمها هوغي ( رئيس الوزراء الأيرلندي الأسبق تشارلي هوغي) لوصف اعتقال قاتل مزدوج وُجِد مختبئاً في منزل المدّعي العام الأيرلندي في دبلن.

© The Independent

المزيد من آراء