فنّد متخصّصون في قطاع المياه والسدود المخاوف التي أثارها البعض من سلامة وأمان سدّ النهضة الذي يشهد تعثّراً في المفاوضات بين الأطراف المعنية (إثيوبيا ومصر والسودان)، بسبب اختلاف وجهات النظر حول ملئه وتشغيله.
وتؤكد المعلومات أن السد شُيّد وفق أحدث المعايير والتصاميم العالمية، ما جعله يتفوّق في هذه الناحية على السدود القائمة على النيل وخارجه.
كلام للاستهلاك
يوضح وزير الري السوداني السابق والمدير التنفيذي الحالي لمبادرة حوض النيل، ونائب رئيس شبكة الأحواض المائية الأفريقية البروفيسور سيف الدين حمد عبد الله لـ"اندبندنت عربية"، أن "تنفيذ سدّ النهضة الأثيوبي اتّبع معايير عالمية عالية المستوى من النواحي كافة، لا سيما التصاميم والدراسات والجودة والتشييد والبناء، ما يجعل أي حديث متداول عن عدم أمان السدّ، مجرد كلام للاستهلاك وغير منطقي، لأنه بحسب ما توافر لدينا من متابعات ومعلومات دقيقة أن هذا السدّ أُحيط باهتمام وعناية فائقَيْن في مراحل تشييده كافة، بل أنه يفوق في هذه النواحي عدداً كبيراً من السدود سواء القائمة على نهر النيل أو خارجه".
ويضيف "اتّبعت إثيوبيا جميع الخطوات المهمة من الناحية الاستشارية وأخذت بملاحظات الجهات ذات العلاقة، بالتالي لم تترك أي ثغرة في جانب أمان السدّ، كما وجدت التصاميم والدراسات إشادة من الأطراف المعنية، وكذلك من الجهات ذات الاختصاص".
ويتابع عبد الله "أستطيع القول إن أمان سدّ النهضة محلّ رضا الجانبين السوداني والمصري، من حيث عدم تهديده البلدين لناحية حدوث كوارث طبيعية كالزلازل وغيرها، فهو بعيد كل البعد من مثل هذه الأنشطة، كما بإمكانه استيعاب حمولة مائية تفوق كل سدود المنطقة من دون توقع أي حادث انهيار أو غيره، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الشركة التي نفّذت السدّ وهي شركة ساليني إمبرجيلو الإيطالية تُعدُّ من الشركات العملاقة في مجال تشييد وبناء السدود، ولها خبرة وسمعة عريقتان في بناء السدود، فضلاً عن اتّباع إثيوبيا المعايير ذاتها في الأعمال الهندسية والاستشارية والكهروميكانيكية".
ويلفت الوزير السابق أن الاتفاق بين الأطراف الثلاثة نصّ على أن تكون قضايا أمان السدّ محل اهتمام بينهم من خلال إتاحة التبادل اليومي للمعلومات عن بدء التشغيل، واطّلاعهم على قراءات أجهزة أمان السدّ من أجل متابعتها ورصد الملاحظات بشأنها وتقييمها وتحليلها من النواحي كافة لضمان سلامة السدّ وعدم تعرضه لأي مخاطر قد تهدّد مستقبله".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحصين أمني
ويقول عبد الله "لا بد أيضاً من الإشارة إلى أن موقع السدّ محكم جداً، ويصعب الوصول إليه بسهولة، فهو يقع في منطقة جبلية تتحمّل كل ظروف الطبيعة المفاجئة، بالتالي فإن جانب السلامة من النواحي الأمنية والطبيعية والبيئية يُعتبر عالياً جداً ولا تحيطه ثغرة، كما أن إثيوبيا حصّنته أمنياً استعداداً لأي تهديد قد يتعرض له في ظلّ ما يشهده العالم من توترات وهجمات من قوى ومنظمات إجرامية لها مصلحة في تخريب المنظومات الاستراتيجية من أجل خلق بلبلة وحالة من عدم الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي المعروفة بأهميتها الاستراتيجية، في حين سبقت تنفيذ هذا المشروع دراسات أولية ودراسات جدوى اقتصادية وبيئية واجتماعية على مراحل عدّة، أعدّتها شركات متخصّصة في هذه المجالات وبمواصفات عالمية".
وينوّه بأن هناك معلومات كثيرة عن السدّ لم تكن متاحة، بل كانت محلّ حذر شديد، بخاصة في ظلّ سير المفاوضات حتى لا تؤثر في التوصل إلى اتفاق وتنهار المحادثات.
ويبيّن عبد الله أن السودان، ممثلاً بوزارة الري، شكّل لجاناً وفرق عمل، شارك فيها عدد من المهندسين والباحثين والأكاديميين والقانونيين ومتخصّصين في مجالات الجيولوجيا وتشغيل السدود والمياه الجوفية والطاقة الكهربائية والزراعة والملاحة النهرية، لتقييم آثار السدّ من شتى النواحي والعمل على تأسيس قاعدة معلومات يستفاد منها في متابعة السدّ وآثاره في سدود السودان القائمة على النيل.
ويشير إلى أن الدول الثلاث شاركت في المرحلة الأولى قبل أن يحدث الخلاف حول بعض بنود اتفاقية "عنتبي" التي اعترضت عليها كل من القاهرة والخرطوم، ورفضتا التوقيع عليها.
لكنه يتوقع أن يحصل السودان على الرغم من تسبّب سدّ النهضة في فقدان بعض المساحات الزراعية على ضفاف النيل، على فوائد أكثر من ناحية زيادة العمر التشغيلي لسدوده الواقعة على نهر النيل الأزرق وهي سدّ الروصيرص وسدّ سنار وسدّ مروي، التي كانت تعاني نقصاناً في سعتها التخزينية بسبب تراكم كميات الطمي، إضافةً إلى سهولة انسياب المياه إلى المشاريع الزراعية وتقليل تكلفة الصيانة الدورية للبوابات.
تهويل وضجة
في سياق متصل، يقول أستاذ هندسة مصادر المياه في كلية الهندسة بجامعة الخرطوم البروفيسور محمد عثمان عكود، "ليست هناك مخاوف تُذكر من ناحية أمان جسم سدّ النهضة وسلامته، فهي مسألة مفروغ منها، إذ إنّ الشركة التي نفّذت السدّ من الشركات العالمية، فضلاً عن الاستشاري فهو بالمستوى ذاته، بالتالي لا أحد يستطيع أن يطعن في سمعتهما".
ويضيف في حديث لـ "اندبندنت عربية"، "ما يُشاع عن عدم الاطمئنان ووجود مخاوف، غير علمي، فهناك خبراء مصريون وسودانيون وعالميون وقفوا على التصاميم والدراسات التي اتُّبعت قبل تشييد السدّ، وقدّموا مقترحات مهمة أسهمت في اتجاه أمان وتحسين أعمال الإنشاء، فهو من أكثر السدود سلامة وأماناً"، مبيناً أن هناك تهويلاً غير مبرر لكنه مربوط بالخيال وليس بالواقع، وذلك نظراً إلى غياب المعلومة الموثّقة.
أما من جانب سلامة تشغيل السدّ، فهذا أمر مهم وجرى أخذه في الاعتبار بشكل كبير بحيث يكون القياس دورياً، فهناك حوالى ثلاثة آلاف جهاز مراقبة وتحكّم ذات تقنية حديثة غير متوفرة في السدود القديمة، يُصار من خلالها إلى التعرّف على سريان المياه من حيث الارتفاع والانخفاض وحركة الزلازل وغيرها من الظروف والكوارث الطبيعية التي يمكن أن تُحدِث أثراً من ناحية السلامة، فضلاً عن تبادل المعلومات اليومية والدورية وكذلك في أوقات الطوارئ. ويوضح أن السدّ مشيّد على أساس من الصخور النارية وهو أفضل من أساس السدود القائمة على النيل، بما فيها السدّ العالي.
ويعتبر محمد عثمان عكود أنه على الرغم مِمّا أُثير من ضجّة حول تشييد السدّ، كونه من المنشآت الضخمة على مستوى العالم، لكن في الغالب، كانت أبعاد معظم هذه التساؤلات سياسية واقتصادية. وعلى الرغم من تحفّظ بعض الفنيين والقانونيين السودانيين على قيام السدّ، إلّا أن البلاد سستفيد منه بشكل كبير سواء في مجال الزراعة أو الملاحة، موضحاً "صحيح إذا نظرنا إلى السدّ، سنجد له إيجابيات وسلبيات، ومن المهم كيف نعمل على الاستفادة من الإيجابيات".