تكشف مصادر دبلوماسية عن أن النداء الذي أطلقه البطريرك الماروني في 5 يوليو (تموز)، والذي ناشد فيه رئيس الجمهورية ميشال عون تحرير الشرعية اللبنانية، معلناً أن الحياد هو الحل لأزمة البلاد، أتى بتوجيه من دولة الفاتيكان التي يستعد البطريرك بشارة بطرس الراعي إلى زيارتها. وكشفت المصادر ذاتها لـ"اندبندنت عربية" عن أن الراعي ينتظر تحديد موعد، فإذا أتاه الجواب يمكن أن تحصل الزيارة في الأيام القليلة المتبقية من شهر يوليو، وإلّا فستُرجأ إلى سبتمبر (أيلول) المقبل، لأن دوائر الفاتيكان في أغسطس (آب)، تكون في عطلة كما هي الحال في كل الدوائر الرسمية الأوروبية. ومن المقرر أن يلتقي البطريرك بابا روما وأمين سر دولة الفاتيكان ووزير خارجيتها.
زيارة فاشلة لحتي
وفي انتظار هذه الزيارة، تتحدث مصادر دبلوماسية عن أن الفاتيكان منسجمة في مواقفها من الأزمة في لبنان مع الموقف الأوروبي والأميركي والعربي. فوزير الخارجية ناصيف حتي، الذي زار الفاتيكان منذ أسبوعين، بإيعاز من سلفه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، فشل في إقناع دوائر القرار فيها باعتماد وجهة نظر السلطة الحالية من التطورات.
حتي، الذي راهن على علاقاته منذ تولّيه منصب ممثل جامعة الدول العربية في روما والفاتيكان، حاول اللعب على الوتر المسيحي والهجرة المتزايدة في صفوف المسيحيين، لحث الفاتيكان على التدخل لدى الولايات المتحدة الأميركية لوقف الضغوط المفروضة على لبنان، محاولاً إقناع مسؤوليها بأن الضغط على "حزب الله" ينعكس على كل اللبنانيين، بالتالي على المسيحيين.
وبناءً على طلب باسيل، تحدث حتي أيضاً عن المخاطر الناشئة عن الضغط الأميركي على لبنان وسوريا وإيران، واعتبر أنه إذا كان الأميركيون مصممين على مواجهة إيران، فيمكنهم شنّ حرب ضدها على أراضيها وليس في لبنان. لكن دوائر الفاتيكان المطّلعة على تفاصيل الأزمة في البلاد استناداً إلى تقارير دورية تردها من سفارتها، لم تقتنع بكلام حتي لا بل شجعته على الحوار مع الأميركيين، كمدخل أساس لموافقة صندوق النقد الدولي على مدّ الدولة بقروض ميسرة. وسألت دوائر الفاتيكان حتي عن مصير الإصلاحات وأسباب التأخر في تحقيقها مقابل استمرار الفساد. الربط بين الإصلاحات وأي مساعدات تطلبها الحكومة شرط سمعه حتي أيضاً من السلطات الإيطالية، التي دعته إلى البدء بالإصلاحات الضرورية لاستعادة ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي.
سفراء الخليج في الديمان وفرنسا تدعم الراعي
أوروبياً، تبدو فرنسا على خط واحد مع الفاتيكان في دعم مبادرة بكركي للحياد. مصادر دبلوماسية مطّلعة على الموقف الفرنسي كشفت عن أن باريس تدعم البطريرك الراعي في مطلب الحياد الذي كانت فرنسا بدورها طالبت به مراراً وتكراراً. وهي تشجّعه على الاستمرار في هذا التوجه، لكنها استبعدت أن يصدر بيان في هذا الخصوص حتى لا يفسّر الأمر تدخلاً في الشؤون اللبنانية الداخلية، علماً أن وزير الخارجية جان إيف لو دريان الذي سيلتقي البطريرك الماروني خلال زيارته إلى لبنان، سيبلغه تأييد بلاده لندائه في شأن الحياد، وسيعرض المساعدة في تحقيق ذلك.
عربياً وفي زيارة بالغة الدلالات، ينضمّ ممثلو الدول الخليجية إلى لائحة الدول الغربية الداعمة لنداء البطريرك الماروني، إذ يستعد سفراء هذه الدول إلى زيارة المقر الصيفي للبطريركية المارونية في شمال لبنان، والموعد طلبه سفير السعودية وليد البخاري، الذي كان أول من زار البطريرك داعماً موقفه في شأن المطالبة بحياد لبنان كحل وحيد متبقي لإنقاذ البلد.
"حزب الله" قلق ويواجه الراعي بالواسطة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا تتوقّع مصادر سياسية أن يقبل "حزب الله" بمطلب الحياد، الذي يهدف إلى تحييد لبنان عن كل الصراعات الإقليمية وفي مقدمها الصراع الأميركي الإيراني. فـ"حزب الله"، المرتبط عقائدياً ودينياً بطهران والذي يشكّل جزءًا من التركيبة الإيرانية، لن يقبل الانفصال عنها مهما كلّف الأمر. وهو يرفض أي تواصل مباشر مع البطريرك تجنّباً لفكرة اضطراره إلى مناقشة مبادرة بكركي لحياد لبنان.
وتكشف المصادر عن أن موقف البطريرك الراعي فاجأ "حزب الله"، الذي يشعر بالقلق تجاه توقيت هذه المبادرة وخلفياتها ومدى ارتباطها بجهات خارجية، وهو يتخوّف من أن يتطوّر موقف بكركي إلى موقف دولي يتبنّى مطلب حياد لبنان، على غرار القرار 1559 عام 2004.
ويحاول "حزب الله" بالواسطة اكتشاف حقيقة موقف بكركي، متجنّباً الرد المباشر عليها، فاستعان برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لقطع الطريق على أي أمل بإحيائها، بحجة التوافق المطلوب حولها، وأكمل حليفه، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مهمة إجهاض الحياد بالذريعة ذاتهاً، متحدثاً عن التحييد بدلاً من الحياد.
بالتزامن، علمت "اندبندنت عربية" أن وفداً من المسيحيين المشرقيين الذين يدورون في فلك "حزب الله"، طلبوا موعداً لزيارة الفاتيكان لشرح وجهة نظرهم من الحياد، كطرح يضرّ بالأقليات في لبنان، علماً أن تحديد موعد لهم دونه صعوبات، خصوصاً أن المعلومات تشير إلى احتمال عدم تلبية طلبهم.