Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المزارعون يعتزمون تحويل شرق أنجليا إلى إحدى أكبر المحميات الطّبيعية   

من الممكن جداً إعادة توطين الجواميس والقنادس والفهود في بعض أنحاء نورفولك وسوفولك مع توسعة مناطق مخصّصة لتنمية الحياة البريّة

 بقرة ترعى في حقل في سومرليتون في سوفولك بشرق إنجلترا (عن وايلد إيست) 

يجري العمل على قدمٍ وساق لإعادة الجواميس إلى بيئتها الطّبيعية في كنت والقنادس إلى غابة دين Forest of Dean وحيوانات خزّ الصّنوبر إلى إنجلترا وويلز، وأيضاً لتحفيز النّسور ذات الذّيل الأبيض على التّحليق من جديد في أجواء جزيرة وايت Isle of Wight .

كلّ ما في الأمر أنّ المملكة المتحدة اليوم في خضم عملية موسّعة لإعادة توطين الحيوانات و"إعادة الطّبيعة البريّة" لمساحات شاسعة من الأراضي، اعترافاً منها بحالة الاستنزاف التي ترخي بثقلها على الحياة البريّة وتمسّ بوفرتها.

وقد أبصر هذا المشروع الطّموح والكفيل بتسخير موجةٍ عارمة من الحماسة، النّور على يد ثلاثة مزارعين يريدون أن يُعيدوا إلى الطّبيعة في شرق أنجليا East Anglia أرضاً تفوق مساحة لندن بأكثر من مرة ونصف المرة، على أمل إعادة توطين الجواميس والقنادس والفهود فيها وتحويلها إلى "إحدى أكبر المحميات الطبيعية المتعافية في العالم".

ولكنّ مشروع "وايلد إيست" (Wild East) الذي خطّط له كلّ من هيو سوميرليتون وأرغوس هاردي وأولي بيربيك، ليس مجرّد عملية إعادة تصوّر لما يُمكن القيام به على أرضٍ خاصة، إنّما هو مؤسسة إقليمية ضخمة لتحفيز عملية التّعافي الطبيعية في شتّى أنحاء القرى والبلدات والمدن والمناطق الرّيفيّة في منطقة شرق أنجليا (وهي منطقة في جنوب شرق إنجلترا أبرز مدنها كامبريدج ونورفولك وسوفولك ونوريتش).

ومن خلال العمل مع المدارس، ترغب "وايلد إيست" في تثقيف الأطفال وتعريفهم على عالم الطّبيعة وأهمية الزّراعة المستدامة، متمنيّةً على فلاحي المنطقة ومزارعيها الموافقة على أعمالها والمساهمة في تعزيز الحياة البرية المضطربة في المملكة المتّحدة.

وبحسب وصفها، فإنّ الهدف من وراء مخططها هو حثّ جميع الأطراف على تسلّم أو استخدام كل المساحات المفتوحة المتاحة أمامها – من حدائق وملاعب مدرسية ومزارع ومواقف سيارات وعقارات صناعية، بغية تبيان أهمية الأرض كموطن فعليّ للأنظمة الإيكولوجيّة الحيويّة من جهة، وحمل أصحاب الأراضي على التّبرع بنسبة  20 في المئة ممّا يملكونه للطبيعة، من جهة أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولو تمكّنت المؤسسة من تحقيق هذا الهدف على مستوى شرق أنجليا الممتدة على مساحة مليون و250 ألف هتكار، فقد يُفضي ذلك إلى إعادة تخصيص 250 ألف هكتار من الأراضي للتنوّع البيولوجي في إحدى أكثر مناطق أوروبا غنىً بالمزارع، بحلول عام 2070.

"من الواضح أنّ العديد من السّياسات الزراعية المعمول بها حالياً يستنزف الطّبيعة إلى أبعد حدود ويتمحور حول تطوير زوايا حقول ومناطق يمكن للأنظمة الطبيعية أن تعمل فيها ولكنّ هذه الأخيرة لا تنمو بوفرة"، يقول هاردي.

"في هذه المنطقة أنظمة زراعيّة ناجحة؛ والزّراعة ستستمرّ فيها إلى الأبد. لكن بدل استنزاف الطّبيعة إلى أبعد حدود، سنعمل ما في وسعنا لإعادة الطبيعية إلى الزراعة"، يردف هاردي.

ولا يخفى على أحد أنّ مشروع "وايلد إيست" يتأثر بمشاريع أخرى ناجحة في مجال إعادة الطّبيعة البرية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: مشروع "نيب إستايت" (Knepp Estate) القائم غرب ساسكس والذي تتحدّث عنه المالكة إيزابيلا تري في كتابها "وايلدينغ" (Wilding)، ومشروع "ألادايل إيستايت" (Alladale Estate) لبول ليستر؛ وفي إطاره، يجري العمل الآن على إعادة توطين الثعالب في أسكتلندا حتى تتصدّى لمجموعات الغزلان الخارجة عن نطاق السّيطرة.

"ولكننا في شرق أنجليا ولسنا في أسكتلندا؛ ولسنا في قفرٍ يمتدّ على 50 ألف هكتار ويمكن أن تجوز فيه الخطوات والتّدابير نفسها"، يوضح هاردي الذي استوحى وزملاؤه فكرة المشروع من اطّلاعهم الحثيث على مشاريع أوروبية كبرى ومن زياراتهم المتتالية مناطق في هولندا ورومانيا وكانتابريا شمال إسبانيا.

ويضيف هاردي: "حجم هذه المشاريع مبهر وقد لمسنا فيها توازناً غريزياً ومثيراً بين الأنظمة البيئية البرية والزراعة. لكن بالعودة إلى شرق أنجليا التي تعتبر إحدى أكثر المناطق غنىً بالمزارع في المملكة المتحدة وأوروبا، فقد اتضح لنا أنّه لا يمكن لمشروعنا أن ينجح ما لم يشمل المنطقة برمتها".

"إنها فكرة كبيرة"، يعترف هاردي، "ولكنّها في الأساس عملية مسح وتخطيط ومحاولة جديّة للتقريب بين مجموعات مختلفة على جميع المستويات – من المدارس التي تقدّم زوايا من ملاعبها إلى القرى التي تلقّب نفسها بـ"القرى البرية" وصولاً إلى الكنائس. وهذا أمرٌ مثير فعلاً".

وفي ما يتعلّق بإعادة توطين أنواع مختارة من الحيوانات، يشير هاردي إلى إمكانية تخصيص السنوات المقبلة للجواميس. فكما تبيّن من عمليات إعادة التوطين الناجحة في أسكتلندا وديفون وغابة دين، يُمكن لوجود أنواع معينة من الحيوانات أن يُغيّر المشهد البيئي ويُعزّز التنوّع البيولوجي.

والمعروف عن الجواميس أنّها تهوى تقطيع الأشجار بطبيعتها، حيث تضربها لتوقعها وتميتها فتتحوّل سريعاً إلى مسكنٍ مهم لحشرات أخرى يمكن أن تجذب بدورها المزيد من الحيوانات.

ووفق هاردي، "تُبلي (الجواميس) بلاءً حسناً في هولندا، حتى في المناطق المزدحمة نسبياً بالسكان. كما تلعب دوراً عملياً جداً في البيئات التي تتشاركها مع البشر".

"وحتى اليوم، لم تبلغ شرق أنجليا بعد الحدّ الذي يسمح بإعادة توطين الفهود فيها، لكن لا بأس لو حلمنا بأن تتعافى بيئتها الطبيعية في غضون سبعين عاماً من اليوم ويكون فيها بالتالي قدراً كافياً من الّتنوع البيولوجي لدعم حياة الفهود من دون خطر افتراسها حيوانات المزارع".

"ولو تمّ ذلك فعلاً، فسيكون حدثاً استثنائياً. لقد فقدنا كل الثدييات المهمة في المملكة  المتحدة. وصحيح أنّنا نعظ الدول الأخرى عن كيفية الحفاظ على ثديياتها المهمة، لكننا على ما يبدو غير منسجمين مع وجهة نظرنا الخاصة (بشأن الحفاظ على الحيوانات البريّة)".

وتأكيداً على كلام زميله، يقول هيو سوميرليتون إنّ نوعية الأرياف التي سنُورثها للأجيال القادمة هي واحدة من القوات المحرّكة الأساسية للمشروع وإنّ "انعكاس التّدهور الكارثي للطبيعة هو بحدّ ذاته تدهور كارثيّ للمعرفة"، مع التلميح إلى البطء الشديد الذي تعاطت به الهيئات والمنظمات المعنية مع قضايا الحفاظ على البيئة.

ويتابع سوميرليتون حديثه قائلاً إنّ المزارعين الثلاثة بدأوا يفكرون في ضرورة التّدخل من أجل "تحريك عجلة الأمور" متأثرين بمنظمات حيوية وديناميكية من قبيل "التمرد على الانقراض" وإنّ التحدي الأكبر للمشروع هو تغيير عقلية مالكي الأراضي، إلى جانب تثقيف الأجيال الصاعدة.

"لطالما كان المزارعون محميين، وبالتالي فإنّ ثورة بسيطة ستكون في محلّها. هناك ضرورة أخلاقية لمثل هذه الخطوة. علينا أن نتقبل فكرة حاجتنا إلى فعل المزيد. وعلينا أن نفهم ونستوعب أنه لا بدّ أن نقوم ببعض الأمور على نفقتنا الخاصة، فالتمويل لا يغطّي كلّ شيء".

وفي غضون الأسبوع الجاري، حاز مشروع "وايلد إيست" دعماً رسمياً من مجلس مقاطعة شرق سافولك الذي يقوم حالياً بتجربة الخطط الرّامية إلى تحفيز التّنوع البيولوجي، بما فيها تعريف 40 منطقة في أنحاء المقاطعة على أنها "مساحات برية" حيث سيُترك العشب لينمو وتُزرع بذور الأزهار البرية.

وبنظر هاردي، "يمكن العثور على الجمال في أكثر الأماكن غرابة ولو استمرينا في نهجنا الحالي، فلن نقوى على مواصلة الزراعة في هذه المنطقة لأنّ التربة حينها ستكون شديدة التأثر وستُحظر المواد الكيماوية التي نعوّل عليها كثيراً".

"وإن كان نظامنا الزّراعي بحاجة إلى إعادة ضبط، فهذا لا يعني أننا سنتوقف عن الزراعة يوماً. في هذه المنطقة، جميعنا مزارعون ولكي نستمر على هذه الحال، علينا بتحسين صورة شرق أنجليا وإعادة ضبطها كمنطقة اسثنائية ومميزة"، يختم هاردي.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة