Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شركة تغير المزارع البريطانية لإنقاذ الكوكب والحياة البرية

"المأكولات الرخيصة تُدمر الأرض وآن الأوان لنتخلى عنها"! 

استهلاك البشر كميات أصغر من اللحوم يحفظ موارد البيئة (ويكيبيديا.أورغ)

مضى تيم مارتن ذات يوم للبحث عن فراشات من نوع "فريتيلاري" ذات اللون البرتقالي المرقط بالأسود والفضي، لكن من دون جدوى. وبعد جهدٍ جهيد، اكتشف السبب الذي حال دون عثوره على ضالته. والغريب أن الأمر كان على علاقة مباشرة بالأبقار.

معلوم عن الأبقار أنها تتغذى على العشب. لكن من الأفضل القول إنها تأكل الأعشاب، بصيغة الجمع، أو قد تأكلها متى أُتيحت لها. وغالباً ما تُجبر على الرعي في مساحاتٍ شاسعة من عشب الشعير، وهو جميل وأخضر، لكنه ينمو منفرداً وله جذور قليلة العمق بحيث يتطلب الحفاظ عليه الكثير من الأسمدة والمبيدات. ولو عاد الأمر لها لأمضت أيامها تنهش في النباتات والأعشاب والبرسيم والبقوليات من النوع المُداوي الذي اعتادت تناوله بكثرة في المروج التقليدية. وتعتبر هذه الأراضي المليئة بالأعشاب والنباتات مفيدة جداً للطيور والنحل والفراشات وتحتضن بين 15 و20 نوعاً من النباتات، كما تلعب دوراً أساسياً في درء الجفاف والفيضانات، خصوصاً أن فيها نباتات عميقة الجذور.

وهذا ما حمل مارتن على إنشاء "فارم وايلدر"، وهي مؤسسة اجتماعية متخصصة في إصدار شهادات في الإدارة السليمة للأراضي، مع وضع تصنيفات لـ "لحم البقر الصديق للفراشات البرتقالية" و"لحم الضأن الصديق للقواق" والترويج لها، بهدف تمكين المزارعين من تحميل العملاء كلفة إضافية عادلة على منتجاتهم التي لا تؤذي البيئة. وهو يتساءل لمَ لا و"المأكولات الرخيصة الثمن تقتل الحياة البرية والكوكب".

بلغ مارتن العقد الخامس من العمر. لكنه  كان منذ نعومة أظفاره، عالم طيور متحمس لهذه الهواية منذ عامه الخامس. وُلد في بلغاريا، حيث كان والده يعمل ديبلوماسياً، لكنه نشأ وترعرع في مقاطعة شروبشاير الإنجليزية.  يقول عن تلك الأيام "كنتُ مهووساً بالطيور. لم أكن من هواة تتبع الطيور النادرة أو الانتقال من مكان إلى آخر بحثاً عنها: فأنا أُفضل مشاهدة طائر قيق أو نقار خشب في حديقة منزلي الخلفية على مشاهدة دريجة سوداء الظهر من خلال عدسة كاميرا". كان يقف مذهولاً أمام الجمال الذي تتمتع به الطيور، حتى المألوفة بينها كالقرقف الأزرق مثلاً. وكان لدى والده حاملاً ثلاثي القوائم وكاميرا جيدة وقد بدأ تيم الصغير يستخدمهما لالتقاط صورٍ للعصافير وهو ما زال في سنته السابعة أو الثامنة، ومن بينها الصورة التي التقطها من نافذة غرفته لطائر صائد الذباب الذي يُعشش في نبتة  وستارية (بُليعة) المعروفة بعناقيد زهورها البنفسجية الفاتحة. وما هي إلا فترة قصيرة حتى حظي بـ "إشادة كبيرة" من "نادي علماء الطيور الشباب" التابع لـ"الجمعية الملكية لحماية الطيور"  وحاز "جائزة أفضل مصور شاب للحياة البرية" لعامين متتاليين. وفي سن السابعة عشر، فاز بمسابقة "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) وظهر في برنامج "بلو بيتر"  بإشادة خاصة من ديفيد بيلامي وكريس باكهام.

درس مارتن علم الحيوان في "كلية سانت جونز" في جامعة أكسفورد والتقط صوراً لذئاب ذي عرف في كوستا ريكا. وبعد تخرجه، انتقل من تصوير الحياة البرية إلى صناعة الوثائقيات عن الحياة البرية من خلال عمله في "بي بي سي" في بريستول. ويشرح "كانت هذه الخطوة امتداداً طبيعياً... بفضلها، انتقلتُ من مرحلة أولية كنت فيها أشبه بمن يقول انظروا إلى هذا! أليس جميلاً؟، إلى حيث صرت أروي قصة كاملة". وحتى الآن، ما زال يُكرس يوماً أو يومين في الأسبوع، لتصوير الحياة البرية. أما بقية وقته، فيقدمها طوعاً ومجاناً لـ"فارم وايلدر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"عملتُ منتجاً تنفيذياً لمدة 13 عاماً. لكنني أردتُ أن أفعل شيئاً يتصل بشكل أكبر بالحفاظ على البيئة والحياة البرية". كان على مارتن أن يشهد عن كثب تناقص أو انقراض أنواع مختلفة من الكائنات حول العالم. ويذكر أن أحداً "لم يُحرك ساكناً لمنع حدوث الكارثة... كانت طيور القواق واسعة الانتشار في وسط شروزبيري أو بريستول، ولكنها لم تعد كذلك". والشيء نفسه ينسحب اليوم على القبرات، أيضاً القنافذ (التي انخفضت بنسبة 95 في المئة) والقمريات (التي تناقصت بنسبة 97 في المئة) والفراشات البرتقالية التي يقتصر ظهورها على مكانٍ واحد وعلى أسبوعين أو ثلاثة أسابيع في العام. يبدو أن الحيوانات تتعاقب، فصيلة بعد أخرى، على دوامة الموت أو "العناية المركزة". ولهذا تعتبر مبادرة مارتن تمرداً منفرداً على الإنقراض.

لكنه يقول إنها في الحقيقة ليست كذلك، فهي ليست مبادرته الخاصة بل جهد جماعي. ويضيف موضحاً "ما زلنا حتى هذه اللحظة نُلقي باللوم على المزارعين... لكن علينا ألا نخلط بين نظام الزراعة المكثف في البرازيل أو الولايات المتحدة ونظام الزراعة السائد في المملكة المتحدة. علينا أن نُغير نمط عمل المزارعين في بلادنا. فاستعمال المساحات الطبيعية للزراعة ليس بالأمر المستجد في بريطانيا والمروج المفيدة للحياة البرية، يجب أن تستعمل للرعي". ويعقد مقارنة بين الأحراج والمروج ليسلط الضوء على فرق مهم بينهما، قائلاً "لدينا أحراج جيدة؛ والحيوانات التي تعيش في كنفها في أفضل حال. لكن أراضينا الزراعية هي التي تُعاني". وهذا يحصل بسببنا نحن، عامة الناس، إذ "لما يتوجه الواحد منا إلى السوبرماركت ليشتري قطعة لحمٍ بقر بسعرٍ بخس، فإنه يُسهم بطريقةٍ ناشطة في التغير المناخي والتلوث وانقراض بعض الأنواع".

وهل هذا يعني أنه ينبغي على الجميع أن يتحولوا إلى نباتيين صرف؟ كلا، فمبادرة مارتن تقوم على مساعدة آكلي اللحوم على الاستمرار في تناولها، لكن بطريقةٍ مسؤولة بيئياً، أي بكميات أقل وبجودة أعلى. ويوضح "من وجهة نظري، الأمر أشبه بالكهرباء، بمعنى أنه يمكن للمرء أن يحظى بأنواع جيدة وسيئة من اللحوم ومشتقات الألبان". ويعتقد أن المعيار الرئيسي هنا يتمثل في استهلاك لحوم الحيوانات التي تربت على نباتات المراعي وليس على الحبوب، على اعتبار أن تقديم الحبوب للحيوانات المجترة هو مجرد إهدار للأراضي الزراعية والأفضل تربية الحيوانات، بما فيها الدواجن، في الأراضي حيث يُمكن أن تتغذى بطريقةٍ طبيعية، بعيداً من الصويا الذي بدأ يلتهم الغابات المطيرة. بالنسبة إلى مارتن، على تربية المواشي البريطانية أن تخلو تماماً من الحبوب.

ويرى أن الزراعة الحديثة والممكننة قطاع استخراجي بامتياز: إذ تستهلك التربة السطحية التي سرعان ما تخسر مخزونها من الكربون العضوي وتصبح عرضة للتآكل. صدقوا أو لا تصدقوا، ثمة "مناطق ميتة" في بريطانيا اليوم بسبب استنفاد تربتها أو استهلاكها. تفقد بلادنا سنوياً 3 ملايين طن من التربة السطحية، حتى باتت اليوم مورداً محدوداً غير قادر على التجدد واستعادة حيويته وخصوبته. يمكن أن تلحق الحراثة ضرراً بالتربة لأنها تزيد من تآكلها (لذا هناك حاجة لتغيير نشيد مهرجان الحصاد بحيث تحل عبارة "نزرع نباتات تنتج محاصيل وننثر البذور في النشارة"). ويلفت إلى أن "نظامنا الغذائي يشكو من الخلل من كل الجوانب". فلدينا فيضانات وتغيرات مناخية، ومزارعونا يعانون ونحن نزيد وزناً، ومأكولاتنا لم تعد مغذية كما كانت في السابق. لكنه يجد أن من الممكن "العمل مع الطبيعة لا ضدها" من أجل استعادة صحة التربة وتحويل الزراعة من مشكلة إلى حل.

وقد يكون شراء المأكولات العضوية خطوةً إيجابية في هذا الاتجاه، ولكنه ليس كافياً للحفاظ على الحياة البرية، لا سيما أنه من المسموح للمزارعين العضويين استخدام 40 في المئة من الحبوب في علف الحيوانات. وهنا يأتي دور "فارم وايلدر" الذي يتجاوز الزراعة العضوية نحو"الزراعة التجديدية" التي تهدف إلى زيادة التنوع الحيوي في مواطن النباتات وتمكين المزارعين من العيش جنباً إلى جنب مع الفراشات البرتقالية. يشهد قطاع الزراعة في بريطانيا حالياً ثورةً هادئة. ذلك أن "خطة العناية بالأرياف" تدفع للمزارعين (حوالى 45 بنساً  للكيلو الواحد) من أجل وقف التناقص في أعداد المروج. فـ"هذه المروج هي كنزنا الوطني" على حد تعبير مارتن. ومع هذا كله، لا يزال المزارعون الذين يعتنون بالأحراج والمروج مضطرون لبيع منتجاتهم بالسعر نفسه الذي يعتمده أقرانهم، مزارعو عشب الشعير. والكرة الآن في ملعب المستهلكين وكل الحريصين على حماية الحياة البرية، فهم يستطيعون المساعدة من خلال اتخاذ القرارات الصحيحة ودفع أسعار أعلى بقليل، دعماً للمزارعين والأرياف والفراشات.

(جدير بالذكر أن من الممكن حالياً العثور على المنتجات المرخص لها من قبل "فارم وايلدر" عبر شبكة الإنترنت وفي متاجر معينة في بريستول وسومرست وديفون، على أمل أن يتسع نطاق انتشارها ليشمل قريباً وايتروز وماركس وسبنسر وتيسكو).

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير