حذّر وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك، أن الاقتصاد "سيواجه أوقاتاً عصيبة" رغم حزمة الدعم الطارئ التي أعلنها الأربعاء. وفي مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز" الخميس، اعترف وزير الخزانة بأنه "لن نستطيع حماية كل الوظائف"، وأعرب عن قلقه من وضع الاقتصاد، بينما لم تتضح بعدُ الآثار الكاملة لأزمة وباء فيروس كورونا (كوفيد 19).
وكان الوزير أعلن تقديم ما يصل إلى 38 مليار دولار (30 مليار جنيه إسترليني) من الخزانة العامة لدعم الاقتصاد، في ما وصف بأنه المرحلة الثانية من خطط الدعم الحكومي المكوَّن من ثلاث مراحل، على أن تكون المرحلة الثالثة والأخيرة ضمن الميزانية التكميلية في الخريف.
وتضمّن إعلان الأربعاء تقديم جواز للشركات التي تعيد موظفيها المسجلين معطلين، وخفض ضريبة المبيعات لقطاع الضيافة من 20 في المئة إلى خمسة في المئة، وإلغاء ضريبة الدمغة العقارية على العقارات، التي يصل سعر بيعها إلى 632 ألف دولار (500 ألف جنيه إسترليني) وما دون، وتقديم كوبونات مجانية للمطاعم والمقاهي والبارات لتشجيع المواطنين على الإنفاق، ومطالبة الشركات والأعمال بقبول مزيدٍ من المتدربين، وطرح برامج تدريب مهني لتأهيل الساعين للتوظيف.
ومنذ بداية أزمة وباء كورونا زادت حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون الإنفاق العام بمئات المليارات، إلى جانب إنفاق مباشر بقيمة 201 مليار دولار (159 مليار جنيه إسترليني) على إجراءات دعم، مثل برنامج الحفاظ على وظائف، وخفض ضرائب الأعمال للشركات، ونحو 155 مليار دولار (123 مليار جنيه إسترليني) بشكل غير مباشر بترحيل زيادة الضرائب الدورية.
واعترف وزير الخزانة، في مقابلاته الصحافية في اليوم التالي لإعلانه حزم الدعم الجديدة، ضمنياً لا تصريحاً، بأن المليارات المخصصة لتشجيع الأعمال والشركات على إعادة العاملين المعطلين وعدم اللجوء إلى تسريح العمالة قد تذهب سُدى، بمعنى أنها قد لا تؤثر كثيراً في خفض معدلات البطالة المتوقعة، نتيجة أزمة وباء كورونا.
وفي التحليلات التي ملأت صفحات الصحف البريطانية الخميس، وقبلها الحوارات والنقاشات على محطات الإذاعة والتلفزيون، أعرب كثيرون عن أن ما أعلنه وزير الخزانة ربما لا يكون كافياً لإطلاق دينامو الانتعاش الاقتصادي، بما يؤدي إلى تعافٍ قوي وسريع بعد أزمة وباء كورونا. كما أنّ كثيرين قارنوا ما أعلنه بما جاء في برنامج بوريس جونسون الانتخابي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ليخلصوا إلى أن أغلبه سياسات معلنة من قبل.
ربما كان الجديد هو برنامج التدريب والتأهيل المهني للراغبين في دخول سوق العمل. وحتى هذا البند اعتبره كثيرون نسخة من برنامج حكومة حزب العمال في 2009 "صندوق وظائف المستقبل"، وكان للبرنامج في حينه، بعد الأزمة المالية العالمية، تأثير إيجابي في توفير الوظائف وخفض معدلات البطالة وقتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أمّا الآن، فتوجد انتقادات لطريقة وزير الخزانة في طرح ما يصفه حزب العمال المعارض بأنها إجراءات "مقاس موحد" للاقتصاد كله. ورغم أن وزيرة الخزانة في حكومة الظل أنيليس دودز قالت إنها تتفق مع كثيرٍ من الإجراءات التي أعلنها ريشي سوناك فإنها انتقدت بند الأموال للشركات لتعيد العاملين المعطلين. ويرى حزب العمال المعارض أن كثيراً من بنود برامج الدعم يجب أن تكون موجّهة إلى فئات بعينها هي الأكثر تضرراً، أو التي يمكن للدعم أن يؤدي إلى نتائج واضحة.
وبالنسبة إلى تقديم المنحة المالية للشركات لإعادة العاملين، يعترف كثيرون أنها ربما ليست مجدية تماماً، لأن الشركات التي ستعيد موظفيها المعطلين مع انتهاء إجراءات الحظر كانت ستعيدهم بالفعل طبقاً لخطتها التشغيلية، بدعم حكومي أو من دونه.
وفي تعليق على ما أعلنه وزير الخزانة، الأربعاء، حذّر معهد الدراسات المالية من بعض البنود التي تضمنها إعلان الوزير، مشيراً إلى زيادة الفاتورة التي يتحمّلها دافعو الضرائب إلى 240 مليار دولار (190 مليار جنيه إسترليني).
وفي مقدمة تلك البنود ما تضمنته خطة الدعم التي أعلنها سوناك أمام مجلس العموم من دفع نحو 1250 دولاراُ (ألف جنيه إسترليني) للشركات والأعمال عن كل عامل (برنامج الحفاظ على الوظائف) يعاد إلى وظيفته في نوفمبر (تشرين الثاني) بعد نهاية البرنامج، ويظل فيها حتى العام المقبل. ويقدر المعهد أن تصل تكلفة هذا البند إلى أكثر من 11 مليار دولار (تسعة مليارات جنيه إسترليني) ربما تكون مهدرة بالفعل من دون تأثير كبير في الحدّ من البطالة.
كما أشار إلى أن هناك علامة استفهام كبيرة حول فائدة برامج تمويل الحد من استهلاك الطاقة وتوفير الوظائف للشباب، وأضاف تحليل المعهد أن خفض ضريبة المبيعات لقطاع الضيافة (المطاعم، والفنادق، والمقاهي، والبارات) ربما جاء في وقت مبكر. وعلى العكس ربما كان من الأفضل إعلان تمديد إعفاءات ضريبة الدمغة العقارية لأبعد من مارس (آذار) من العام المقبل.
ولا تقتصر الانتقادات على المعارضة السياسية، إنما توجد مخاوف أيضاً من دوائر مختلفة في حزب المحافظين الحاكم وقطاعات الأعمال الداعمة تقليديّاً للمحافظين. وتتركز تلك المخاوف على زيادة الإنفاق العام، بما يوسِّع فجوة العجز في الميزانية، ويجعل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي أكبر من أن تستطيع الحكومة تضييقها في ما بعد.