لم تمضِ ساعات على إعلان التحالف العربي في اليمن، عودة الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى طاولة الحوار بمبادرة من السعودية جاءت امتداداً لجهودها الساعية إلى وقف التصعيد والقتال بين طرفي النزاع، حتى أعلنت قوات التحالف العربي، اليوم الثلاثاء، اعتراضها طائرات من دون طيار مفخخة، وصواريخ باليستية أطلقها الحوثي باتجاه العاصمة الرياض ومدينتين جنوب البلاد.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية "واس"، عن المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن، تركي المالكي قوله إن "قوات التحالف تمكنت، اليوم الثلاثاء، من "اعتراض وتدمير صاروخ باليستي أطلقته الميليشيات الحوثية من صنعاء باتجاه مدينة الرياض".
وسبق هجوم الثلاثاء الذي وصفه المالكي بـ "العملية العدائية المتعمدة والممنهجة"، إطلاق الحوثيين صواريخ باليستية من محافظة صعدة فجر اليوم نفسه، قبل أن يعلن التحالف اعتراضها في سماء مدينتي نجران وجازان جنوب البلاد، من دون أي أضرار بشرية أو مادية.
وكشف التحالف أمس الإثنين، عن "استهداف الميليشيات في اليمن، الأعيان المدنية والمدنيين، بثماني بطائرات مفخخة من دون طيار، وعلى الرغم من أن البيان لم يذكر المدن التي تعرضت للهجوم، فإنه أكد اعتراض القوات المشتركة المسيّرات".
إدانة عربية
وجدد مجلس الوزراء السعودي، الثلاثاء، إدانته لإطلاق الحوثيين طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية لاستهداف المدنيين. وقالت وكالة الأنباء السعودية في بيان إن مجلس الوزراء ندد بالهجمات ووصفها بأنها "أعمال إرهابية استهدفت المدنيين وهددت أرواح المئات".
ودانت الإمارات، الهجمات الأخيرة ضد المدنيين، وأكدت الوقوف مع السعودية، ودعمها في كل ما تتخذه من إجراءات لحفظ أمنها وسلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها، وأشار البيان الصادر عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي، اليوم الثلاثاء، إلى أن استمرار هذه الهجمات يوضح طبيعة الخطر الذي يواجه المنطقة من الانقلاب الحوثي، واعتبرته دليلاً جديداً على سعي هذه الميليشيات إلى تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأعربت مصر عن إدانتها الشديدة لاستهداف ميليشيات الحوثي المناطق السكنية والمدنيين، وأكدت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها اليوم على تضامن مصر الكامل، مع السعودية في مواجهة أي محاولة لاستهداف أمنها واستقرارها، ودعمها كل ما تتخذه الرياض من إجراءات في مواجهة ما وصفته بـ " الإرهاب الغاشم".
الحوثي يؤكد الهجوم
وفي سياق متصل، قال المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي اليمنية في كلمة نقلها تلفزيون المسيرة، إن الجماعة أطلقت صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة في هجوم على العاصمة السعودية الرياض اليوم الثلاثاء واستهدفت وزارة الدفاع وقاعدة عسكرية، بحسب ما أوردته "رويترز".
وكان التحالف بقيادة السعودية في اليمن قد قال في وقت سابق إنه اعترض صاروخاً باليستياً أطلقه الحوثيون باتجاه الرياض، ولم يصدر تأكيد حتى الآن من التحالف أو السلطات السعودية على أن الهجوم استهدف وزارة الدفاع أو قاعدة الملك سلمان الجوية مثلما قال المتحدث باسم الحوثيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن التحالف في اليوم نفسه اعتراض وتدمير "8 طائرات من دون طيار لاستهداف الأعيان المدنية والمدنيين بالمملكة" بالإضافة إلى "3 صواريخ باليستية من محافظة صعدة باتجاه السعودية" مشيراً إلى أنه تم اعتراض اثنين كانا باتجاه مدينة نجران وآخر باتجاه مدينة جيزان.
وقال الحوثيون في وقت سابق، عبر قناة المسيرة المتحدثة باسمهم إنهم سيقومون بالإعلان عن "عملية واسعة في العمق السعودي" خلال ساعات.
وقدّمت السعودية، يوم الخميس الماضي، مقترحاً يهدُف إلى إنهاء الخلاف بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بعدما تفاقم الصراع بينهما في أبريل (نيسان) الماضي، إثر إعلان الأخير الحكم الذاتي في عدن، المقرّ المؤقت لـ "الشرعية"، بعد استيلاء الحوثي على العاصمة صنعاء عام 2014.
وذكرت ثلاثة مصادر لـ "رويترز"، أن "السعودية اقترحت إطار عمل لإنهاء المواجهة الأخيرة في جنوب اليمن، تحت مظلة التحالف العربي لدعم الشرعية، في وقت تتصاعد الاشتباكات مع الحوثي في الشطر الشمالي من البلاد".
أبرز ملامح الاقتراح
ويدعو المقترح الجديد إلى وقف إطلاق النار في محافظة أبين، وإلغاء المجلس الانتقالي الجنوبي حالة الطوارئ، على أن يعين بعدها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي محافظاً ورئيساً للأمن في عدن، ويختار رئيساً للوزراء، بهدف تشكيل حكومة يشارك فيها المجلس الانتقالي.
وفيما اقترحت الرياض سحب المجلس الانتقالي قواته من عدن، وإعادة نشر قوات للطرفين في أبين، قالت مصادر لـ "رويترز، إن "المجلس الانتقالي يريد تشكيل الحكومة قبل نقل قواته".
وكان التحالف قد رحب باستجابة كل من الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي لطلبه بوقف إطلاق النار الشامل، ووقف التصعيد، للمضي قدماً في تنفيذ اتفاق الرياض، وعودة اللجان والفرق السياسية والعسكرية للعمل على تنفيذه وبشكل عاجل.
لكن الترحيب لم يخلُ من استنكار للتطورات الأخيرة في عدد من المحافظات الجنوبية في اليمن حيث دعا جميع الأطراف إلى "إعلاء المصلحة الوطنية لليمن ومصالح شعبه وأمنه واستقراره ووقف إراقة الدماء الطاهرة، وذلك من خلال الالتزام باتفاق الرياض وبإعادة الأوضاع إلى طبيعتها في جزيرة سقطرى، ووقف إطلاق النار في أبين، وتجنب التصعيد في كل المحافظات اليمنية بما في ذلك التصعيد الإعلامي".
ولم يقتصر بيان التحالف أمس، على دعوة المكونات والقوى السياسية والاجتماعية والإعلامية اليمنية لدعم استجابة الأطراف للاجتماع بالرياض، بل أكد نشر مراقبين على الأرض في أبين بهدف مراقبة وقف إطلاق النار الشامل وفصل القوات.
وفي سياق متصل، رحّبت مصر بالاستجابة الأخيرة، وأعربت عن ثقتها في أن "تؤدي الجهود إلى تهيئة الظروف الملائمة لاستئناف العملية السياسية بين الأطراف اليمنية بهدف التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة، وذلك استناداً إلى المرجعيات ذات الصلة؛ لاسيما مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن رقم 2216".
اتفاق الرياض
ويأتي مقترح السعودية خطوة ثانية سبقها "اتفاق الرياض"، في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، الذي أُعلن إثر تفاقم النزاع، ووقّع حينها الطرفان مصالحة برعاية سعودية، استندت إلى عدد من المبادئ، أبرزها التزام حقوق المواطنة الكاملة، ونبذ التمييز المذهبي والمناطقي، ووقف الحملات الإعلامية المسيئة بينهما.
وتضمن الاتفاق الساعي إلى تركيز الجهود على إيقاف نفوذ الحوثي في اليمن، عدداً من البنود منها تفعيل دور كل سلطات ومؤسسات الدولة اليمنية، وإعادة تنظيم القوات العسكرية بقيادة وزارة الدفاع، وإعادة تنظيم القوات الأمنية تحت لواء وزارة الداخلية، كما شدد على "التزام حقوق المواطنة الكاملة لكل أبناء الشعب اليمني، وتوحيد الجهود بقيادة تحالف دعم الشرعية لاستعادة الأمن والاستقرار في اليمن، كما تضمّن الاتفاق مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي، لإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية على الحكومة الشرعية".
الهجوم على أرامكو
وتعرضت السعودية لعشرات الهجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة العام الماضي، أبرزها الهجوم الذي تبناه الحوثيون، واستهدف منشآت لشركة أرامكو في أيلول (سبتمبر) الماضي، لكن الرياض شكّكت في ذلك، وحمّلت المسؤولية لإيران.
وبعد الهجوم على أرامكو بأيام، أطلق المتمرّدون الحوثيّون بشكل مفاجئ "مبادرة سلام" عبر إعلانهم وقف الهجمات على السعوديّة.
وكشف تقرير أممي بعد أشهر من التحقيقات، عن أن صواريخ كروز التي هوجمت بها منشأتان نفطيتان تابعتان لأرامكو ومطار دولي في السعودية العام الماضي "أصلها إيراني".
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أمام مجلس الأمن، إن قطعاً عدة ضمن أسلحة ومواد متعلقة بها ضبطتها الولايات المتحدة في نوفمبر 2019 وفبراير(شباط) 2020 "من أصل إيراني"، وأضاف بأن "خصائص تصميم بعضها مشابهة لتلك التي أنتجها كيان تجاري في إيران أو تحمل علامات فارسية، وأن بعضها تم تحويله إلى إيران بين فبراير 2016 وإبريل 2018".
وذكر غوتيريش أن "هذه القطع ربما نُقلت بطريقة لا تتسق" مع قرار مجلس الأمن لعام 2015 المنصوص فيه على الاتفاق بين طهران والقوى العالمية لمنعها من تطوير أسلحة نووية".
ويشهد اليمن منذ سنوات صراعاً مسلحاً بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي بعد انقلاب الأخيرة على حكومة عبدربه هادي، وفرض سيطرتها على العاصمة صنعاء، الأمر الذي دفع بالتحالف العربي بقيادة السعودية إلى التدخل عام 2015 للمساعدة في استعادة العاصمة من الميليشيات التي تتهمها الرياض بالولاء إلى إيران.
وتتخذ الحكومة اليمنية من عدن عاصمة مؤقتة لها، إلى حين استعادة المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وتصاعدت معاناة البلاد إثر النزاع القائم بعد تفشي فيروس كورونا عالمياً وسط نقص حاد في الأدوية، وانتشار أمراض أخرى كالكوليرا وسوء التغذية.