Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توم جونز في ثمانينه "إنه ليس عاديا"

"باريتون" ويلز وكبير الأهرام الغنائية لا يتوقف عن ضخ كم هائل من الإبداع على الساحة الفنية

توم جونز (أ.ف.ب)

توماس جونز وودوارد، المعروف باسمه الفني توم جونز، مغنٍ ويلزي معروف بصوته القوي الصدّاح المصنّف أوبرالياً في خانة "الباريتون" وبأسلوبه المتميز الجامع بين ضروب شتى من الموسيقى السوداء و"الروك آند رول"، وبسعة انتشار أغانيه. وهو يكمل اليوم ثمانين عاماً قضى 55 منها وهو يطرب السامعين في شتى أرجاء المعمورة ويحفر في ذاكرتهم أغاني على طراز Delilah وIt's Not Unusual وغيرهما من درره الغنائية التي يعرفها حتى أولئك الذين لا يتحدثون كلمة إنجليزية واحدة.

قاب قوسين من الموت

ولد السير توم جونز في مثل هذا اليوم 7 يونيو (حزيران) 1940 في تريفوريست بجنوب ويلز، بريطانيا، على بعد 20 كيلومتراً من عاصمتها كارديف لأبيه عامل مناجم الفحم توماس وودوارد - توفي في أكتوبر (تشرين الثاني) 1982، وأمه فريدا جونز - توفيت في فبراير(شباط) 2003- وكلاهما من بوتيبريت في المنطقة نفسها.

بدأ توم جونز مشواره الغنائي منذ أن كان طفلاً في التجمعات العائلية، وفي كورال المدرسة. وفي سن الثانية عشرة عانى من إصابته بالسل الذي ألزمه السرير قرابة 24 شهراً قضاها في الاستماع للموسيقى والرسم وهو أقصى ما كان جسده يتحمّل. ولهذا السبب نفسه هجر المدرسة في عمر مبكر من دون الحصول على أي شهادة، فاضطر إلى الانخراط في عدد من المهن منها اشتغاله عامل بناء وبائعاً متجولاً.

الفتى اللعوب

في 1957، في سن السادسة عشرة لا أكثر، تزوج ليندا ترينشارد التي أنجبت له ابنه الشرعي الوحيد مارك وعاشت معه 60 سنة حتى مماتها في 2016. وله ابن آخر غير شرعي، من مغامراته النسائية العديدة، هو جوناثان بيركري الذي ولد عام 1988. ورغم إنكاره القاطع في بادئ الأمر فقد أُجبر على إجراء فحوصات الحمض النووي (دي أن إيه) التي أثبتت أخيراً أبوّته له. الواقع أن غزواته العاطفية كانت سرّاً معلوماً حتى أن زوجته اعتدت عليه جسدياً بسببها في حادثة صنعت عناوين الأخبار الرئيسة في وسائل الإعلام. لكنها ظلت وفيّة له فدام زواجهما ستة عقود إلى مماتها قبل أربع سنوات.

إلى أعالي الشهرة

صعد جونز إلى سماء النجومية في منتصف الستينيات بفضل أسلوب غنائي جديد خاص به وكان يظهر مرتدياً بنطالاً ضيقاً وقميصاً واسعاً يظهر كل صدره، مؤدياً رقصات كانت تعتبر صادمة، إذ لا تبتعد كثيراً عما كان المجتمع يصنّفه وقتها في خانة الإباحية. وعام 1963 صار مغني فرقة Tom Scott and the Senators التي لم تتعد شهرتها جنوب ويلز ولم تتمكن حتى من الوصول إلى لندن. على أن جونز نفسه استرعى انتباه غوردون ميلز، وهو مدير فني يعمل في العاصمة البريطانية لكنه في الأصل أحد أبناء المنطقة. فأصبح مديراً لأعماله وأخذه في معيته إلى لندن معطياً إياه اسمه الفني، توم جونز، ومغيراً اسم فرقته الموسيقية إلى The Playboys (صارت Squires في ما بعد). وهكذا بدأت المرحلة الثانية في مسيرته الفنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حظر بسبب الإيحاء

وجد ميلز صعوبة في تسويق موهبة الفتى إذ كان رأي شركات الأسطوانات أن أسلوب غنائه لا يخلو من فحش، وأن صوته شديد الوقع على السمع، إضافة إلى أنه "يرقص مثل ألفيس بريسلي". لكنه، في نهاية المطاف، وقّع عقداً مع شركة "ديكا" وسجل أولى أغانيه Chills and Fever عام 1964.

لم تجد الأغنية رواجاً لكن التي أعقبتها، عام It’s Not Unusual) 1965) أصابت نجاحاً مدوياً وصارت من أشهر أغانيه إلى اليوم، رغم أن تلفزيون "بي بي سي" رفض بثها في بادئ الأمر، وكان هذا فقط بسبب ما اكتسبه جونز من سمعة أتت إليه من ملبسه وطريقة أدائه الموحييْن. وبلغ نجاح شعبية هذه الأغنية أنها أصبحت الأكثر مبيعاً في بريطانيا وضمن العشر الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة. في العام نفسه أدى جونز الأغنية الرئيسة في Thunderball، أحد أفلام جيمس بوند، فمهدت له الطريق نحو نيله جائزة "غرامي" لأفضل موهبة موسيقية جديدة للعام 1965.

دليلة تأتي بالنجدة

العام التالي بدأت شعبية جونز تنحسر حتى كادت تتلاشى بالكامل. فسارع مدير أعماله، ميلز، لتغيير صورته فسلّحه بترسانة من أزياء العرض ابتداء من الجلد بدلا عن القماش لبنطلوناته الضيقة وحتى بذلات السموكينغ الفاخرة. وأطلق أكثر أغانيه نجاحاً على الإطلاق Green, Green Grass of Home وبدأ يغني بأسلوب استهدف قطاعاً أعرض من المستمعين، وكان بين أشهر ما غناه في هذه المرحلة Delilah. ونجحت هذه الاستراتيجية إذ عاد إلى صدارة The Charts (الأغاني الأكثر مبيعاً) في بريطانيا وعبر الأطلسي في الولايات المتحدة.

في 9 فبراير (شباط) 1964 بدأ جونز ظهوره في عدد من البرامج التلفزيونية المهمة في بريطانيا. وعام 1967 ركز على نشاط مربح في المنتديات الليلية في نيويورك ولاس فيغاس التي التقى فيها ألفيس بريسلي، ونشأت بينهما صداقة حميمة دامت إلى حين ممات هذا الأخير عام 1977. وفي الفترة 1969 – 1971 صار لجونز برنامجه التلفزيوني الخاص باسم This is Tom Jones (هذا هو توم جونز) الذي ارتفع به إلى قمة النجومية العالمية إذ كان يعرض في مشارق الأرض ومغاربها.

وكان جونز قد علم في 1974 أنه سيفقد جلّ ماله لمصلحة الضرائب البريطانية مع انتخاب حكومة عمالية جديدة. فهاجر مع زوجته إلى لوس أنجليس، كاليفورنيا، حيث اشترى بيت المغني الأميركي الراحل دين مارتن. وعاش هناك أكثر من ثلاثة عقود صعد خلالها إلى مقام صفوة المغنين الأشهر على الإطلاق من أمثال بريسلي وجمع ثروة طائلة.

ثنائيات ناجحة

في يوليو (تموز) 1986 توفي غوردون ميلز، مدير أعماله لفترة 24 عاماً، فتولى هذه المهمة ابنه، مارك، الذي حصل له عام 1993 على عقد مع شركة "انترسكوب ريكوردز" ووجهه للسير على درب استقطاب الشباب. فخرج بألبومين هما The Lead، وأيضاً How To Swing It، وهو ما ضمن له استمرارية مدهشة في قائمة الأغاني الأكثر مبيعاً.

وبحلول عام 1999 كاد نجمه يخبو كما حدث في أواخر الستينيات. لكنه أنتج ألبومه Reload، وهو مجموعة من الثنائيات الغنائية مع ألمع النجوم، الشيء الذي أعاده إلى الأضواء من جديد. وعام 2000 دعاه الرئيس الأميركي بيل كلينتون للغناء في حفل عشية الألفية الجديدة في واشنطن. وعام 2000 حصل على جوائز عدة من بينها "جائزة بريت لأفضل مغن". والعام التالي أحيا حفلاً ناجحاً في جولة واسعة قادته إلى بعض بلاد الشرق الأوسط. وفي السنوات التالية أصدر عدداً من الألبومات ضمت عديداً من الثنائيات الغنائية مع نجوم مثل وايكليف جين، وجولز هولاند.

واحتفالاً بعيد ميلاده الخامس والستين في 2005 – في وجود مناخ سياسي واقتصادي في بريطانيا مختلفيْن تماماً عما كان الحال عليه في الستينيات- عاد إلى موطنه ويلز وأقام حفلاً مذكوراً في متنزه اينيسانغهرات في مدينة بونتبريت، مسقط رأسي أبويه.

السير توم

بسبب إنجازاته الفنية الضخمة، حصل جونز على جوائز وتشريفات تكاد لا تحصى، من نجمة في Walk of Fame (ممشى الشهرة) في 60608 هوليوود بوليفارد الشهير، مروراً بجائزة "بريت" للإنجاز الموسيقي الاستثنائي، ووصولاً إلى وسام الإمبراطورية البريطانية عام 1999، ثم لقب "سير" (فارس) من الملكة إليزابيث الثانية في 29 مارس (آذار) 2006.

وعندما بلغ سن السبعين ظن الناس أن وهدة العمر ستجبر هذا الفارس على الترجّل مرة وإلى الأبد. لكنهم فوجئوا بإطلاله عليهم أسبوعياً في برنامج مسابقات المواهب الموسيقية التلفزيوني The Voice (الصوت) في 2012 وبألبوم جديد في العام نفسه. وفي 2015 (وهو في سن 75) خرج بألبوم آخر هو الحادي والأربعين في سلسلة ألبوماته المسجلة في الاستوديو وحدها (من دون حساب ألبومات عروضه الحية).

عطاء مدهش

لا شك في أن توم جونز عاش حياة مدهشة بدأت به في فقر، ومرض خطير كاد أن يقتله، وتقلّب في مهن الذين تلقوا القدر الأدنى من الشهادات الأكاديمية. لكن موهبته الصوتية الفريدة وذكاءه وحسن إدارة أعماله قذفت به إلى مراتب من الثراء والشهرة تناطح السحاب. وقد ابتدع هذا المغني - الذي تقدّر ثروته اليوم بنحو 300 مليون دولار- لنفسه أسلوباً غنائياً جمع فيه ما تعلّمه من فنون الموسيقى السوداء ("البلوز"، و"الآر آند بي") على أنماط عمالقتها أمثال ليتيل رتشارد، وسولومون بيرك، وجاكي ويلسون وغيرهم، و"الروك آند رول" من نجوم مثل جيري لي لويس وصديقه ألفيس بريسلي. أضف إلى ذلك إتقانه فن الأداء، والمظهر وهو يصدح في بنطلوناته الضيقة وقمصانه محلولة الأزرار إلى نصف صدره، في إيحاءات لا تخفى مضامينها على الناظر. وفي هذا المجال فحدث ولا حرج لأن جونز نفسه يعترف بأنه كان يخوض 250 مغامرة نسائية كل سنة في سنين شبابه وأوج شهرته. أما قمة الدهشة في كل ذلك فهو أن هذا الرجل يحتفل اليوم بعيد ميلاده الثمانين، وهو يكاد لا يتوقف عن ضخ كم هائل من الإبداع على الساحة الفنية بقدر من الطاقة قلما توفر لمغنين من جيل أحفاده.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات