Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حلم الجزائريين وكابوس السلطة

صارت التحديات أمام الشعب الجزائري أكبر ليربح حرب التغيير الجذري للنظام

مسيرة احتجاجية لطلاب المدارس الثانوية في العاصمة الجزائرية (أ.ب)

أثبت الشعب الجزائري على الأرض أنه أرقى من نظامه ونخبة سلطته. وليس حراكه الحضاري سوى تأكيد إضافي على استحقاقه لنظام أفضل على صورته ومثاله. فلا هو تردد أو تراجع عن مطالبه أمام "إرهاب" السلطة له، بالحشد العسكري والتخويف من عودة "العشرية السوداء" والتحذير من تكرار نموذج التظاهرات في سوريا، التي "بدأت بتقديم الورود إلى العسكر وانتهت بالرصاص". ولا هو قدم على مدى ثلاثة أسابيع توسعت وعلت فيها موجة الحراك الشعبي بانضمام المحامين والقضاة والأطباء والمجاهدين القدامى إلى طلاب الجامعات والثانويات وبقية الجيل الجديد شباناً وشابات، سوى نوع من "الأيام البيض" في التظاهر السلمي. حتى أيقونة الثورة الجزائرية جميلة بوحيرد نزلت إلى الشارع.

وها هو الآن يربح معركة، وإن صارت التحديات أمامه أكبر ليربح حرب التغيير الجذري للنظام. فلم يكن ممكناً، مهما تمادت السلطة في الغطرسة والامتلاء بالذات والخوف على الامتيازات، "احتواء" الحراك الشعبي، ثم القضاء عليه. ولم يبق أمام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، العائد من مستشفى في جنيف، سوى إنكار أنه كان ينوي طلب الترشح، والإعلان أنه "لا مكان لعهدة خامسة" و"لا انتخابات في 18 أبريل (نيسان)" وامتداح الحراك السلمي، بعدما اتهم رجاله المتظاهرين بأنهم "متهورون" و"مخدوعون" يريدون أخذ البلاد "إلى المجهول".

أول ما فعله بوتفليقة هو إقالة حكومة أحمد أويحي، وتعيين وزير الداخلية فيها نور الدين بدوي رئيساً للحكومة، ومستشاره رمطان لعمامرة نائباً لرئيس الحكومة ووزيراً للشؤون الخارجية. وأقل ما وعد به هو إنشاء "ندوة وطنية جامعة مستقلة تتمتع بكل السلطات" لإعداد إصلاحات ودستور جديد يتم عرضه على استفتاء شعبي، وتعيين موعد لانتخابات رئاسية تبدأ "جمهورية جديدة".

لكن إدارة اللعبة لا تزال في يد بوتفليقة، ومن ورائه الجيش وحزب جبهة التحرير و"عصابة" من الأقرباء والأصدقاء ورجال المال، الذين يتقاسمون الثروة العامة. فما عرَضه ورفضَه المتظاهرون هو انتخابه لعهدة خامسة يُهيّء فيها دستوراً وتغيير النظام وانتخابات رئاسية لا يترشح فيها، خلال عام واحد. وما فعله وسط احتفالات المتظاهرين هو مخالفة الدستور بإلغاء الانتخابات الرئاسية والتمديد للعهدة الرابعة من دون انتخابات إلى ما لا أحد يعرف. أليس هو من سيُعيّن أعضاء "الندوة الوطنية" ورئيسها؟ على أي أساس يتم انتقاؤهم؟ هل هم خليط من الموالين والمعارضين والمجتمع المدني؟ وما الذي يضمن تفاهم هؤلاء على الدستور والنظام الجديد في غضون نهاية العام الحالي؟

القاعدة لا تزال ثابتة في التاريخ المعاصر: أي إصلاح لنظام شمولي أو سلطوي على أيدي أبنائه هو مهمة مستحيلة. إذ تفكيك أي "برغي" في ماكينة النظام يقود إلى نهاية النظام. هذا ما حدث حين حاول ميخائيل غورباتشوف إدخال إصلاحات إلى النظام تحت عنوان "الشفافية" و"إعادة البناء"، فانهار الاتحاد السوفياتي، لا بل إن روسيا انتقلت من نظام اشتراكي بدأ بشعار "كل السلطة للسوفيات" إلى نظام سلطوي رأسمالي بواقع أن "كل السلطة لبوتين". ومن الدرس السوفياتي تعلّم الحزب الشيوعي الصيني والحزب الشيوعي الفيتنامي الحاجة إلى تشديد قبضة الحزب على السلطة السياسية وتشجيع سياسات "السوق الاقتصادية". وليس في ليبيا تفاهم على نظام جديد على الرغم من مرور سبع سنوات على نهاية حكم معمر القذافي. حرب اليمن هي نتاج الانقلاب الحوثي على الدستور و"مخرجات" الوفاق الوطني. الدستور الذي أسهم الأميركيون في صنعه بعد الغزو وإسقاط النظام هو جزء من مشاكل العراق حالياً. وثماني سنوات من حرب سوريا لم تسمح بأي تقدم على طريق إصلاح النظام وكتابة دستور جديد.

من هنا، دقة المسؤولية وتعاظمها بالنسبة إلى الشعب الجزائري، الذي يحتاج إلى مزيد من الحذر والمراقبة والاستعداد لاستكمال الحراك. ففي الجزائر اليوم، حلم جميل يتخوف البعض من أن ينقلب في الواقع إلى كابوس. وبين المتحفظين والمعارضين من يسأل: كيف يمكن أن تقود قرارات مخالفة للدستور إلى أكبر إصلاح دستوري وقيام جمهورية جديدة؟ لماذا لم تكن البداية تشكيل هيئة حكم انتقالي من شخصيات وازنة وخبيرة ونزيهة وجديدة تُعطى سلطة التحضير لانتقال السلطة وإدارة الوضع حتى يولد الوضع الجديد، وبالتالي خروج بوتفليقة ورجاله من السلطة؟

كان ستالين، "معلم" العديد من الحكام العرب، يقول إنه "يجب وضع الإدارة التي تنفذ أوامر السلطات العليا في خوف، لكي ينتقل هذا الخوف إلى الشعب". لكن الشعب الجزائري أسقط جدار الخوف من السلطة، ولعله فتح أمام الإدارة باب التمرد على الخوف من "السلطات العليا". وما حدث، حتى لو قيل إنه حيلة لتهدئة الشارع مرحلياً، هو أمر بالغ الأهمية في حياة البلد. فالنظام اعترف بأنه تقادم وتعب. وربما كان على المسؤولين في الجزائر قراءة القصيدة التي بعث بها ماوتسي تونغ إلى شوان لاي في سنة شو الأخيرة:

"الأقرباء المخلصون الذين قدموا تضحيات كثيرة للأمة لا يخافون المصير الأخير. الآن حين أصبح البلد أحمر، من سيكون حارسه؟ مهمتنا غير المنتهية يمكن أن تأخذ آلاف السنين. النضال أتعبنا وشعرنا صار رمادياً. أنت وأنا يا صديقي القديم يمكن فقط أن نراقب جهودنا تنجرف بعيداً".

المزيد من آراء