Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كورونا يغيّر تقاليد الدفن ويلاحق ضحاياه إلى المقابر

بعض الدول أحرق جثث أشخاص ينتمون إلى أديان تحرم هذا الفعل

رجل فرنسي يودع زوجته المتوفاة جراء الفيروس في إحدى مقابر باريس (أ. ب.)

لا يؤدي فيروس كورونا المستجد إلى الموت فقط، بل ويؤدي إلى العبث بالموت والموتى على حد سواء، في معظم دول العالم.
لم يرأف كورونا ومعه الأحياء من البشر، بموتى الفيروس، فالوباء غيّر عادات وتقاليد كانت سائدة منذ قرون في مراسم الدفن ومتجذرة في ثقافات مجتمعية ودينية ومدنية وشعبية مختلفة حول العالم. والبشر غير المصابين الهلعين، كانوا سبباً للتنمّر، فطال الموتى فوق معاناتهم من أوجاع المرض الذي ينتهي بالاختناق، تنمّراً بحجة الخوف من انتشار الفيروس، فمُنع دفن المتوفين في مقابر القرى والبلدات في دول كثيرة، ودُفن كثر منهم في مقابر جماعية، وتحديداً مَن ليس لديهم أقارب يمكنهم تسديد تكاليف الدفن. وأحرقت بعض الدول جثث أشخاص ينتمون إلى أديان تحرّم حرق الجثث، بل ووجِدت 60 جثة في شاحنات في مدينة نيويورك، وقد تحلّل بعضها بسبب الإهمال من دون أن يُعرف السبب، وفق خبر نقلته شبكة "سي أن أن" قبل أيام. هذا كلّه من دون أن يتمكّن أهل المتوفي وأولاده وزوجته وأقاربه من إلقاء نظرة وداعية عليه، ما يترك في نفوسهم حزناً مضاعفاً.


"تطمينات" منظمة الصحة العالمية

 واستمر هذا التعامل مع موتى الفيروس المستجد على الرغم من إعلان "منظمة الصحة العالمية" في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، أن جثث الموتى ليست معدية بحسب المعلومات المتوافرة حتى الآن. كذلك لم يُثبت حتى الیوم أي دليل على إصابة أشخاص بالعدوى نتيجة التعرض لجثة شخص آخر.
ومن المفاهيم الشائعة المغلوطة أنه ينبغي إحراق الجثث المصابة، لكن ذلك ليس صحيحاً، وإن تم تنفيذه فهو أمر يتعلق بالطقوس والمعتقدات، وليس له أي علاقة بالقواعد الصحية في الدفن بحسب منظمة الصحة العالمية، التي أكدت ضرورة الحرص طوال الوقت على صون واحترام كرامة الميت وتقاليده وطقوسه الدینیة ورغبة أسرته في الدفن. كما ينبغي تفادي العجلة في التخلص من جثة الميت بسبب كوفید-19، إلى حين تحضيرها وتكفينها. وأعلنت "المنظمة" بما يتعارض مع كل ما هو شائع حول عمليات الدفن، أنه يمكن لأسرة المتوفى رؤيته وتوديعه من دون لمسه أو تقبيله، على أن يتم غسل اليدين جيداً بعد ذلك بالماء والصابون.

التعامل المالي في المقابر

في لبنان تختلف تكاليف الدفن قبل وبعد كورونا بين القرى والمدن، لدى جميع الطوائف. ففي القرى ما زالت العلاقات العائلية متماسكة، ومقبرة القرية مفتوحة أمام الجميع، وغالباً ما يتكفّل الأهالي بتسديد التكاليف البسيطة لتأمين قبر المتوفى غير المقتدر. لكن في المدن اللبنانية وتحديداً في العاصمة بيروت يختلف الأمر تماماً، إذ نشأت شركات خاصة تقوم بتأمين كل متطلبات العزاء والدفن من "الألف إلى الياء" مقابل مبلغ مالي يختلف من طائفة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، وبحسب ما يطلبه أهل المتوفى من خدمات. وعلى الرغم من أن المتوفين جراء فيروس كورونا يدفنون من دون تشييع أو زيارات المعزّين إلى المقابر وغيرها من متطلبات الضيافة، إلا أن التكاليف لا تقلّ كثيراً عنها في حالات الموت الطبيعي. فتبدأ من سعر أرض القبر، ومن ثم تجهيزاته، من تابوت وحجارة ورخام، وصالات التعزية في المراكز الدينية أو في الكنائس، وهناك طبع بطاقات النعوة، وأجرة سيارات نقل الجثامين وتشييعهم، والزهور لمَن يطلبها، والكراسي المستأجرة لاستقبال المعزين، وهناك رجال الدين الذين يحيون مجلس العزاء أو يقيمون الصلاة لراحة نفس المتوفى، فهؤلاء يتقاضون مبالغ مختلفة تبعاً لطبقة المتوفى الاقتصادية، أو بحسب رتبة رجل الدين الذي يقيم الطقوس. وفي المجموع العام التقريبي، فإن كلفة الموت لا تقل عن 2000 دولار ويمكنها أن تصل الى 20 ألف دولار، بحسب أحد مكاتب "دفن الموتى" في بيروت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


منع الدفن ظاهرة عامة

من جهة أخرى، انتشرت ظاهرة رفض الأهالي دفن ضحايا وباء كورونا في المقابر خوفاً من انتقال العدوى، في مختلف الدول العربية من دون استثناء. فاضطرت الشرطة إلى تفريق أهالي قرية في دلتا النيل لرفضهم دفن سيدة توفيت إثر إصابتها بالفيروس المستجد. وفي قرية "بولس" بكفر الدوار في صعيد مصر، تظاهر الأهالي ضد دفن أحد ضحايا الوباء ما دفع قوات الأمن الى التدخّل بالقوة. واضطُر ذلك الوضع "الأزهر" إلى إصدار فتاوى بهذا الخصوص تجيز دفن موتى كورونا، وتحذر المعترضين من مخالفة الشرع. وقال مفتي الديار المصرية، شوقي علام إن منع البعض دفن موتى فيروس كورونا المستجد "خطيئة" في حق كل مَن يعلم بأن الدفن "إكرام للميت".
وهذه الظاهرة ليست خاصة بمصر، فمثل تلك الممارسات شهدتها دول مثل تونس والعراق حيث تكدست جثث المتوفين في ثلاجات المستشفيات، فيما عمدت قوات الأمن إلى دفن جثث تحت جنح الظلام في إيران مثلاً، منعاً للتجمعات من جهة، ومحاولةً لإخفاء عدد الموتى من جهة ثانية. وأجبر ذلك بعض الأهالي على دفن موتاهم في مناطق خالية او صحراوية بعيداً من أعين رجال الشرطة والجمهور العام من المعترضين، في العراق وتونس ومصر وإيران وسورية.


تغيّر عادات الدفن

في إيران، تغيّرت عادات وتقاليد الدفن، فتمّ تخصيص فريق من رجال الدين الذين يعملون في مقبرة "مشهد" لإقامة طقوس دينية لجثامين ضحايا الوباء من دون اتباع طريقة الدفن التقليدية. فالجثامين في مقبرة "مشهد" لم تعد تُغسل، ولا يتم تزيينها بأوراق شجرة العنّاب، ولم تعدْ تعطّر بالكافور، بحسب التقاليد الإيرانية قبيل التكفين. وباتت تغسل بأسلوب أقرب إلى "التيمُم"، من دون استخدام الماء، قبل لفّ الجثة بكفن فوق الملابس التي كان يرتديها الميت لحظة وفاته. وبعد التكفين، تُغلّف الجثة بأغطية بلاستيكية ويحكم إغلاق أطرافها، قبل وضعها في كيس ومن ثم تُدخل في صندوق نعش محكم الإغلاق. ويسمح لأفراد عائلة المتوفى مشاهدة الدفن من مسافة آمنة، لإلقاء النظرة الأخيرة. ويتم إنزال النعش بحبال يتحكم بها أربعة أشخاص، حتى يصل إلى عمق أربعة أمتار تحت الأرض، حيث يتم ردم القبر فوقه. وقبيل الردم، تُسكب طبقة من الجير على الجثة، لمنع تلوث التربة المحيطة بها.

أما في الولايات المتحدة فشهدت طرق دفن المسلمين تغييراً جذرياً بعدما أصدر علماء وأئمة مسلمون بارزون هناك إرشادات جديدة حول كيفية أداء مراسم تشييع جنازة الأشخاص الذين توفوا نتيجة الوباء. وأتت هذه الإرشادات نتيجة قرارات اتخذتها البلديات والمؤسسات الحكومية، ومنها أنه لا يُسمح بغسل الأشخاص، فلجأ كثر إلى تنظيف الميت بالرمل أو الغبار فوق كيس بلاستيكي يُلف به. وطلبت الحكومة الفيدرالية ألا تتجاوز التجمعات العامة عشرة أشخاص، ما أجبر معظم الأميركيين المسلمين على تقليص مراسم الجنازة.
وفي حلّ يخفف من معاناة أهل المتوفى المسلم، سمح مجلس الفقه في أميركا الشمالية ببث مراسم الجنازات على الإنترنت، ما أتاح لعدد أكبر من الأشخاص حضور الجنازة وأداء صلاة الغائب إذا كان الميت في بلد آخر.
والأمر سيان عند المتوفين من أديان أخرى، فمن لا أهل له، أو لا مقدرة مالية على "تكريمه" بالدفن، يُدفن في مقابر جماعية، كما يجري في نيويورك ولندن وفي إيطاليا وإسبانيا ودول شرق آسيا مثلاً. أما الباقون فتُقام الطقوس المتبعة لدى دياناتهم، ولكن في إطار إجراءات دقيقة، وبأقل ما يمكن من الحضور وباختصار الطقوس الإعتيادية.

المزيد من متابعات