Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخط العربي من القلم المسماري إلى "الكيبورد"

واجهت وزارة الثقافة السعودية تأثير كورونا على أنشطتها العامة ببدائل رقمية

نقوش عربية بالقلم المسماري على جبال صخرية في نجران جنوب السعودية (غيتي)

لم تكن رحلة الخط العربي عبر بوابة الزمن تقليدية، فقد مر الخط بتحولات منذ كان يُكتب باللغة العربية القديمة على سفوح الجبال، إلى أن صار ينقر على لوحات التحكم الإلكترونية.

فمع تتبع الكتابات المسمارية على الصخور والجبال في مواقع متعددة من الجزيرة العربية، يجد الباحث تنوعاً في اللغات ما بين الثمودية والصفائية واللحيانية بذات القلم؛ إذ اعتمد القلم العربي المسماري على أبجدية الخط العربي الجنوبي القديم. ورغم الاختلاف الكبير في شكل الحرف الواحد في كل مجموعة من مجموعات النقوش الكثيرة، فإن كل هذه الأشكال تعد امتداداً مباشراً لشكل الحرف في الخط العربي القديم، فمن الممكن أن تجد نقوشاً مدونة من اليمين إلى اليسار، وأخرى من اليسار إلى اليمين دون تفسير نحوي واضح. وهناك نقوش مكتوبة بما يسمى "خط المحراث" بأن يكتب السطر الأول من اليمين إلى اليسار، ثم يكتب السطر الثاني من اليسار إلى اليمين، ثم يكتب السطر الثالث من اليمين إلى اليسار وهكذا.

اللغة العربية الحديثة
هناك حلقة مفقودة في التاريخ، حول كيفية انتقال اللغة العربية من الحروف القديمة التي نتناولها من النقوش الحجرية "القلم المسماري" إلى الحروف التي كتب بها العرب الأواخر ونزل بها القرآن، رغم وجود بعض الروايات المختلف بينها بشكل عميق.

لكن المتفق عليه هو أن الانتقال الذي طال الحرف العربي الذي ينسب ليعرب بن قحطان واكبه تطور في الكتابة، إذ يندر أن تجد نقشاً مسمارياً بالحروف العربية الحديثة.

 يفسر عبد المحسن الرويلي، المتخصص في الدراسات الشرقية ذلك بقوله، "لم تنتقل أدوات الكتابة نقلة نوعية بين الفترتين، إذ إن الأدوات التي استخدمها العرب المتحدثون باللغة الحديثة كالجلود والمواد الطبيعية الصبغية، التي استخدمت كأحبار في الكتابة لا تختلف كثيراً عن تلك التي كانت متوفرة لدى المسماريين، إلا أنه على ما يبدو كانت أقل تكلفةً مما كانت عليه في السابق، رغم أنها ظلت ترفاً لا يتحمله كل العرب، لذلك لم يدون عرب تلك الفترة كثيراً من مذكرات المرحلة".

يضيف "إلا أن هناك أمراً مهماً على صعيد الوعي، فعلى ما يبدو أن الثموديين واللحيانيين وبقية الممالك، التي تركت لنا نقوشاً بحروفها القديمة، كانت لديها قصة مهتمة بتخليدها، إضافةً إلى وعيها بأهمية ما كانت تصنعه من تاريخ أكثر من أولئك الزاهدين الذين تلوها".

هذا الزهد انعكس على تعامل الحضارات الأخرى مع اللغة العربية، يوضح الرويلي، "خلال القرنين الـ16 و17 الميلاديين، دُرست اللغة العربية الحالية إلى جوار نظيرتها الآرامية، باعتبارها مدخلاً لدراسة اللغة العبرية، بهدف إثبات مرجعية الأخيرة كلغة أم تنبثق منها سائر اللغات"، نظراً لقلة المراجع التاريخية التي تثبت استقلال اللغة العربية كلغة قائمة بذاتها ذات امتداد تاريخي وحضاري مستقل.

إلا أن القرن العشرين شهد انعطافاً مهماً، أعطى اللغة استقلالها عن بقية اللغات السامية، بعد انطلاق موجة دراسة الثقافة الإسلامية التي جعلت اللغة العربية مدخلاً وحيداً لدراستها. الأمر الذي وسع حضور اللغة العربية بشكل مستقل في الجامعات العالمية ومراكز الأبحاث والرحلات الاستكشافية.

التنقيط في اللغة
كانت التجربة الأولى لوضع علامات على الحروف، هي التي قام بها أبو الأسود الدؤلي لضبط كلمات القرآن، حيث وضع نقطة فوق الحرف لتدل على الفتحة، ونقطة تحت الحرف لتدل على الكسرة، كما وضع نقطةً على يسار الحرف للدلالة على الضمة، ونقطتين فوق الحرف أو تحته، أو على يساره، للدلالة على التنوين. وكان يترك الحرف الساكن خالياً من النقاط، ولم يكن الضبط يُستعمل إلا في المصحف.

تلا ذلك تجربة الخليل بن أحمد الفراهيدي بجعل ألف صغيرة مائلة فوق الحرف للدلالة على الفتحة، ووضع ياء صغيرة تحت الحرف للدلالة على الكسرة، ووضع الواو الصغيرة فوق الحرف لتدل على الضمة. أمّا في حالة التنوين فيتم تكرار الحرف الصغير، كرمز للسكون الخفيف، الذي لا إدغام فيه بدائرة صغيرة، وجعل الهمزة رأس عين (ء).

أما التنقيط على الحروف فكانت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وقام بذلك نصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني، وكان دافع ذلك اختلاط العرب بالأعاجم والتباس النطق بسبب تداخل الألسنة، فلجأوا إلى ضبط اللغة العربية من الناحية النحوية والإملائية، بتنقيطها للتفريق بين الحروف التي تتشابه في الرسم، واعتمدوا ترتيباً هجائياً للحروف بالطريقة الشائعة في يومنا هذا، وأهملوا ترتيب الحروف الأبجدية على الطريقة القديمة (أبجد هوز).

عام الخط العربي
في مطلع عام 2020 أعلنت وزارة الثقافة السعودية اعتماد العام الميلادي عاماً للخط العربي. الأمر الذي ترتب عليه إطلاق عدة مبادرات، بهدف إبراز الخط العربي كفن قائم بذاته، عبر طروحات تخدم هذا الهدف، وتسير في نفس النسق بإشراك كافة المؤسسات العامة والخاصة، والمعارض، والمجتمعات، والأفراد من خلال تقديم مقترحاتهم ومشروعاتهم الخاصة في أنشطة العام المعني بالخط العربي، ويمكن أن تشمل هذه المقترحات العديد من الأفكار التي تدور حول موضوع الخط العربي.

كان من ضمن المبادرات التي تلقفت الدعوة، مشروع "الخطاط"، الذي يعد شكلاً مختلفاً لتطور أدوات الخط العربي عن طريق توظيف الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر، ليحين دور "الكيبورد" في هذا التسلسل التاريخي للقلم.

ويتحدث محمد الشرقاوي الذي أطلق هذا المشروع في الرياض عام 2015، وحمله بين يديه إلى وزارة الثقافة بعد أن أتم مشروعه عامه الخامس، لتبلغه الوزارة بتبنيها للمشروع وتقديم الدعم لمبادرته.

يحكي الشرقاوي لـ"اندبندنت عربية" كيف تحول مشروع في مكتبه الخاص بالمنزل إلى أضخم منصة عربية لتعليم الخط. "كانت الغاية هي أن أصمم منصة يستطيع فيها أي شخص التواصل مع أفضل الخطاطين، وتلقي التدريب على يدهم بسهولة".

يضيف، "في 2015 أخذت الخطوات الفعلية في التعرف على مسار تعليم الخط العربي، ثم إعداد ملفات تسويقية أرسلها للخطاطين، ونجحت في استقطاب خطاطين مهمين على رأسهم مختار عالم، خطاط كسوة الكعبة"، لتبدأ رحلة التطبيق بشكل متدرج من حينها.

إلا أن عام الخط العربي 2020 نقل المشروع نقلة نوعية، وبحسب الشرقاوي "مع إعلان وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله عام الخط العربي، تقدمنا في مسار المبادرات، وتم قبولنا بعد مقابلات شخصية أجرتها لنا الوزارة. الأمر الذي نقل المشروع من الجهد الذاتي والشخصي إلى العمل المؤسساتي والدعم الحكومي"، ما سينقل المنصة لمستوى جديد، بحسب الشرقاوي.

واعتمد المشروع عدة مسارات للخط العربي بأنواعه والزخرفة الإسلامية وتصميم الخطوط الطباعية، "قررنا أن نضيف بجوار الخط والزخرفة، تصميم الخطوط الطباعية للتسهيل على المبرمجين الذين لا يملكون خبرة بالخطوط في تطوير نظيرتها العربية في مشروعات البرمجة، وإضافة خطوط عربية متنوعة فيها".

وذكر ضمن سرده للنقلات التي صنعها هذه الاحتضان الرسمي، "كنا نقدم خدماتنا بشكل مدفوع، إلا أن مشاركة وزارة الثقافة في المنصة وتبنيها له حوّلته لمشروع عام، إذ اشترطت الوزارة مجانية الدروس مقابل الدعم"، وهو الدعم الذي يتم صرفه في تجهيز المنصة وتصوير وإنتاج الحلقات في شِقه المادي، بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية من تسويق عبر منصات الوزارة، وتنسيق بين المشروع والوزارات والجهات الرسمية الأخرى لخلق تعاون جديد.

ويجدر الذكر أن وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله الفرحان آل سعود قد أعلن تمديد عام الخط العربي، ليشمل عامي 2020 و2021، لتشمل تمديد فعاليات العام ومبادراته.

وحول سبب التمديد يقول المتحدث باسم وزارة الثقافة عبدالكريم الحميد "إن تأثير الظرف الراهن المتمثلة في انتشار فيروس كورونا والإجراءات التي ترتبت عليه، استدعت تأجيل العديد من الفعاليات الثقافية التي كانت الوزارة تنوي تنظيمها"، مضيفاً "لذا جاء قرار التمديد لعام إضافي ليمنح فرصة أكبر للاحتفاء بهذا الخط وتعزيز حضوره في المجتمع، إضافة إلى ما تُتيحه الفترة الإضافية من فرص لابتكار فعاليات أكثر بالتعاون مع أفراد ومؤسسات المجتمع".

المزيد من ثقافة