Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رئاسة الوزراء تقمع الأصوات المعارضة داخل الحكومة البريطانية

يشعر مسؤولو وزارة الدفاع أنهم 'في مرمى النيران' إن خرجوا عن النص المُعتمد رسميا

هل يخرج بوريس جونسون من "قمقم" كورونا، كمارد قمعي يتحدى إرث ديمقراطي مديد؟ (أ.ف.ب.)

يشكّل المشهد الغريب لأحد كبار الموظفين الحكوميين المخضرمين في بريطانيا وهو يتراجع مرغماً عن إفادة قدمها أمام النواب قبل ساعات فقط، مثالاً على الخلافات التي تحتدم داخل حيّ وايتهول الحكومي في لندن بشأن طريقة التعاطي مع أزمة فيروس كورونا.

وحملت الرسالة التي وجهها السير سايمون ماكدونالد إلى لجنة الشؤون الخارجية، تراجعه التام عمّا ذكره سابقاً على أنه أحد الأسباب الرئيسة وراء عدم انضمام الحكومة إلى برنامج الاتحاد الأوروبي لتأمين اللوازم الطبية، وولّدت على الفور اتهامات بتعرضه لضغوط سياسية.

وكان السير سايمون، وهو وكيل وزارة الخارجية الدائم، قد قال للنواب في معرض كلامه عن البرنامج "كل ما أستطيع أن أقوله هو أن عدم مشاركتنا فيه (البرنامج الأوروبي لتوفير مواد الوقاية للدول) أمر واقع. ونابع من قرار سياسي. وقضى القرار بعدم المشاركة".

وتغيّر هذا النص بعد خمس ساعات ليصبح "بسبب سوء تفاهم، تصرّفتُ عن غير قصد وأخطأتُ حين قلتُ للجنة إن الوزراء اطّلعوا على مخطط الاتحاد الأوروبي المشترك لشراء المعدات وأخذوا قراراً سياسياً بالامتناع عن المشاركة فيه. هذا الأمر غير صحيح. لم يطّلع الوزراء من بعثتنا في بروكسل على المخطط ولم يجرِ اتخاذ قرار سياسي بالمشاركة من عدمها".

ظهرت الرسالة بعد فورة اتصالات هاتفية محمومة في وزارة الخارجية ووزارة الصحة ورئاسة الوزراء: دومينيك راب ومات هانكوك ومستشارو بوريس جونسون. كما قيل إن وزير الخارجية ورئيس الوزراء بالإنابة غضب لعدم إخباره مسبقاً بما سيقوله السير سايمون أمام اللجنة.

شكّل هذا التراجع انقلاباً مذهلاً. فعلى مستوى أساسي للغاية، ما يمكن استنتاجه بوضوح منه، إن صدّقنا ما جاء في نص التراجع حرفياً، هو أن السير سايمون، وهو رئيس الجهاز الدبلوماسي ومستشار سابق لشؤون السياسة الخارجية في رئاسة الوزراء، ومسؤول يحظى بأعلى مستويات التقدير خدم في الولايات المتحدة وألمانيا والسعودية، أخطأ كلياً في فهم وتقديم معلومة جوهرية تتعلّق بموضوع مهم.  

قال أحد الموظفين الحكوميين "يبدو أن ما يشبه وزارة الحقيقة قد تأسّست الآن، وهي تملك الحق الحصري في إعطاء المعلومات، وهذا نمطٌ باتت تتّبعه الوزارات منذ فترة". 

"لكن ما حدث مع سايمون ماكدونالد خاطىء على مستويات عدّة".

بدا السير سايمون غير مدركٍ لهذه الإملاءات "الأورويلية" أو للجدل الذي كان على وشك أن ينشب بسبب إفادته. وقال في تغريدته بعد مشاركته في الجلسة، "أنهيتُ للتو إفادتي أمام لجنة الشؤون الخارجية. المرة الأولى عبر اتصال الفيديو. نقتحم ميادين جديدة في العمل عن بعد خلال الإغلاق بسبب كوفيد -19. لكن البرلمان ما زال يفرض على المشاركين أن يتأنّقوا".

أما الموقف المعلن لرئاسة الوزراء في داونينغ ستريت، فهو أن المملكة المتحدة اتّخذت تدابيرها الخاصة لتوفير المعدات الطبية اللازمة لأنها لم تعد جزءًا من الاتحاد الأوروبي: لم تلعب المشاعر المحيطة بقضية بريكست أي دور في القرار. ثم أقرّت بعدها أن بريطانيا دُعيت إلى المشاركة في المخطط، لكن المسؤولين لم يلاحظوا الرسالة الإلكترونية بسبب "لغط في الاتصالات".

لكن كريس براينت، عضو اللجنة المنتمي إلى حزب العمال، وأحد الذين استجوبوا السير سايمون، أعرب عن رأيه الواضح بشأن ما حدث. 

وقال لمحطة سكاي نيوز "هذا كله هراء لأنه تعرّض للضغط. تحيط بالمسألة إشارات واضحة على وجود أشخاص يحاولون تغطية الحقيقة. يبدو أن الحكومة لم تكتفِ برفضها المشاركة في طلبية هائلة تقدّم بها الاتحاد الأوروبي لشراء معدات أساسية نحن بأمس الحاجة إليها، مدفوعةً بنوبة من التشكيك بأوروبا، بل كذّبت مراراً وتكراراً في محاولة يائسة للتغطية على فعلتها".

ليست وزارة الخارجية الطرف الوحيد الذي يتعرّض لضغط هائل كي لا يخرج أبداً عن النص الحكومي في مسألة كوفيد-19، إذ يقول مسؤولون في وزارات أخرى إنهم يعانون من المشكلة ذاتها. ويجد مسؤولون من وزارة الدفاع والقوات العسكرية البريطانية مِمَّن يتعاملون مع الجائحة أنهم في مرمى النيران إن اعتُبر أنهم 'خرجوا عن النص المعتمد' بشأن الأزمة. كما اكتشفوا أن داونينغ ستريت (أي الحكومة) تريد أن تسيطر على نشر المعلومات على كل المستويات تقريباً. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والسير سايمون هو أعلى مسؤول في وايتهول يخرج عن الخط (الإعلامي) الحكومي المحدّد إلى الآن ويشعر كثيرون من زملائه بالاضطراب إزاء ما حدث. وقال سفير بريطاني سابق عمل لاحقاً في جهاز حكومي آخر "فلنصدق وقوع سوء تفاهم بالفعل. ربما يكون القرار المتعلّق بالمخطط الأوروبي قراراً وزارياً فحسب وليس سياسياً، هذا ممكن. لكن مضمون الرسالة والكلام الذي اضطُّر أن يكتبه، يضع سايمون في موقع صعب".

وجوهر المسألة هو سواء اطّلع الوزراء على برنامج الاتحاد الأوروبي من المسؤولين أو لا. وتقول قناة "بي بي سي" إن مصادر مشاركة في اجتماعات "كوبرا" الأمنية الرفيعة المستوى كشفت عن حصول نقاش حول قرار العمل مع الاتحاد الأوروبي من عدمه عند بداية الجائحة.

وقال أحد الوزراء الذين حضروا الاجتماعات، وفقاً لـ "بي بي سي"، إنه لم يجرِ اتّخاذ أي قرار خلالها لكن بدا واضحاً وجود "معضلة إضافية" بسبب تفاصيل سياسة بريكست. لكن مصادر مقربة من وزير الصحة مات هانكوك تنفي بشدة حصول أي نقاش حول مخططات محدّدة للاتحاد الأوروبي.

وأكد مسؤول كبير في وايتهول لـ"اندبندنت" أن الوزراء اطّلعوا على المعلومات بشأن البرنامج الأوروبي.

وأوضح "وصلني أن بعض المواد المتعلّقة باتفاق المشتريات المشترك قد قُدمت (أثناء الاجتماع) وهي مواد مفصلة لأننا نتحدث عن أربعة مخططات منفصلة تتعلّق بأمور مختلفة في البرنامج. لا أعلم إذا جرت مناقشتها ضمن اجتماعات كوبرا، لكن سيفاجئني جداً إن لم يحدث ذلك".

ورداً على سؤال عَمَّن أثّر في السير سايمون كي يغير إفادته، أصرّ متحدث باسم داونينغ ستريت "لا أحد، ومن المهم أن تحصل اللجان على معلومات دقيقة لهذا صوّب تصريحاته. وقد عمل على تصحيح المعلومات بسرعة وبطريقة واضحة للغاية".

ولدى سؤاله إن كان رئيس الوزراء ما زال يثق بسير سايمون، أجاب الناطق بـ"نعم"، مؤكداً أن النقاشات الوحيدة المتعلّقة بالاتحاد الأوروبي ضمن اجتماعات "كوبرا" حينها تعلقت بإجلاء المواطنين من الصين.

وفيما تصاعد تبادل الاتهامات في لندن، سعت المفوضية الأوروبية في بروكسل إلى التأكيد على أن المملكة المتحدة اختارت الامتناع عن المشاركة في البرنامج.

وقال ناطق باسم المفوضية "أُدرجت مسألة إمدادات الدول الأعضاء بانتظام على جدول أعمال اجتماعات لجنة الصحة والأمن. وعلمت المملكة المتحدة، شأنها شأن باقي أعضاء اجتماعات اللجنة الصحة، بالعمل الجاري وكانت أمامها الفرص كافة للتعبير عن رغبتها في المشاركة بعملية شراء مشتركة إن أرادت. أما سبب امتناعها عن المشاركة، فمسألة لا يمكننا التعليق عليها بالطبع".

وظهر السير سايمون مرات عدّة في السابق أمام لجنة الشؤون الخارجية، منها مرة خلال شهر يوليو (تموز) الماضي حين أجاب عن أسئلة تتعلّق بالسير كيم داروش، السفير البريطاني لدى واشنطن الذي استقال بعد تسريب رسائله الإلكترونية التي انتقد فيها دونالد ترمب.

ومن العوامل الرئيسة التي أدت إلى استقالة السير كيم امتناع بوريس جونسون، المرشح آنذاك لزعامة حزب المحافظين- وعلى وشك أن يخلف تيريزا ماي في رئاسة الوزراء- عن دعم السفير مرات عدّة، فيما واجه الأخير سيلاً من الإهانات التي كالها له السيد ترمب خلال مقابلة تلفزيونية.

وقال السير سايمون للجنة إنه تحدث في وقت سابق مع السير كيم "قضى ليلة صعبة وهو يفكر في ما عليه أن يفعله. فكر في الضغط الذي تتعرض له عائلته، وفكر أنه سيظل هدفاً طوال مدة بقائه في واشنطن".

والآن، وفيما يواجه محنته الخاصة، ربما يتساءل السير سايمون إن أصبح بدوره هدفاً. وربما يتساءل كذلك إلى أي مدى يستطيع الاعتماد على تأكيد داونينغ ستريت أن بوريس جونسون سيسانده.

© The Independent

المزيد من دوليات