بدأت الأسواق الآسيوية تعاملات آخر أيام الأسبوع، الجمعة، على انهيار أدى إلى وقف التعامل في أغلب بورصات آسيا، من بانكوك ومانيلا إلى جاكرتا وكراتشي، فيما هوى مؤشر نيكي في بورصة طوكيو 10 في المئة، وهوت مؤشرات شنغهاي وهونغ كونغ بنسب أقل.
وفي الإجمال، تبعت الأسواق الآسيوية خطى بقية الأسواق الرئيسة في العالم، بخاصة الأميركية التي هوت ما بين 10 و20 في المئة، فيوم الخميس وُصف بأنه أسوأ انهيار للأسواق منذ الاثنين الأسود عام 1987.
ويُقدّر أن أسواق الأسهم العالمية خسرت ما بين 6 و9 تريليونات دولار من قيمتها خلال هذا الأسبوع، الذي شهد أيضاً انهيار أسواق السلع وعائدات سندات الدين وحتى العملات الرقمية، إذ فقدت بيتكوين نحو ثلث قيمتها هذا الأسبوع لتهوي إلى ما يزيد قليلا على 3 آلاف دولار، بعدما كان سعرها فوق العشرة آلاف.
وصباح الجمعة، تراجع سعر صرف أغلب العملات الآسيوية، بما فيها اليوان الصيني، ما دفع السلطات إلى تصرف سريع بضخ مليارات الدولارات في السوق النقدية والإعلان عن إجراءات تيسير نقدي إضافية.
كذلك عادت أسعار النفط لتهبط عن حاجز 35 دولاراً للبرميل مع استمرار اختلال معادلة العرض والطلب في السوق الناجمة عن تراجع الطلب نتيجة تأثيرات تفشي فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي وزيادة المعروض مع عدم اتفاق أوبك وشركائها على خفض الإنتاج.
ولم تفلح الإجراءات العاجلة من البنوك المركزية والحكومات في تهدئة الأسواق والحدّ من عمليات البيع الهائلة للأسهم والسندات وعقود السلع. إذ اضطر الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي إلى ضخ نصف تريليون دولار في البنوك لتخفيف أعراض أي تضييق ائتماني.
وكان بنك إنجلترا (المركزي) البريطاني سبق ذلك بخفض نسبة الفائدة نصف نقطة مئوية إلى قرب الصفر، وأعلنت حكومة بوريس جونسون ميزانية طوارئ لدعم الاقتصاد في مواجهة كورونا بنحو 38 مليار دولار. أما البنك المركزي الأوروبي فقد أعلن الخميس عن إجراءات لمواجهة تأثير كورونا على اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي، والتي ركزت على التيسير التقدي وإعادة برنامج شراء البنك للسندات، لكنه أبقى معدل الفائدة عند سالب نصف نقطة مئوية.
تأثير طفيف
أدت إجراءات البنوك المركزية والحكومات إلى ارتداد الأسهم الآسيوية قبل نهاية تعاملات الجمعة لتستعيد بعضاً من خسائرها، ما يؤشّر إلى احتمال فتح الأسواق الأوروبية، وبعدها الأميركية، على تحسن يُخرجها من هوة هبوط الخميس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مع ذلك، سيظل الأسبوع الأخير، والشهر المنتهي بنهايته، فنرة خسارة غير مسبوقة لم تشهدها أسواق الأسهم منذ ثلث قرن. وحسب تقديرات مختلفة، لن يقلّ متوسط خسائر الأسهم خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة عن 14 تريليون دولار.
ويبدو أن البنوك المركزية والحكومات تطلق آخر ما في ذخيرتها من نيران لوقف التدهور، ويرى كثير من المراقبين أن تصرف السلطات النقدية والمالية لن يعدو كونه "قليلاً ومتأخراً كثيراً". وعلى الرغم من أن حالة انعدام الثقة والبيع الهائل للأسهم والسندات وعقود السلع ترجع إلى التأثير المباشر لتفشي فيروس كورونا وإجراءات الحكومات الوقائية التي تتضمن وقف أعمال وتعطيل السفر وغيره، فإن أسباب هذا التراجع تعود إلى نحو أربع سنوات في الأقل.
توقعات متفائلة
ويرى بعض المحللين أن الأسواق التي واصلت الارتفاع منذ 2016، رغم تباطؤ الاقتصاد والحروب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة على شركائها التجاريين، وفي مقدمتهم الصين، أدت إلى غليان فقاعة جديدة في الاقتصاد العالمي ضاعفت من فقاعة السندات والديون.
ويُبدي هؤلاء تفاؤلاً، رغم الحالة الكئيبة التي تخيّم على الأسواق والاقتصاد بشكل عام، بأن "تبخر" التريليونات الزائدة من النظام العالمي سيعيد الاستقرار له، وربما يجعل العالم يتفادى كساداً طويل الأمد. وحتى الاحتمال الأكثر ترجيحاً بركود عالمي يعدّ إيجابياً من ناحية أن الدورة الاقتصادية التي طالت أكثر مما يجب (مرة ونصف عن الزمن التقليدي) منذ أزمة 2008 ستنتهي بركود يعقبه انتعاش ونمو.
ويظل هناك تخوف من أن فقاعات أخرى في الاقتصاد العالمي وقطاعه المالي تحديداً، لم تنفجر بعد وأنها يمكن أن تجعل الوضع أكثر سوءاً قبل أن يبدأ النمو والانتعاش، بخاصة إذا تفاقمت آثار انتشار فيروس كورونا وعدم قدرة العالم على مواجهته بسرعة.
ولعل الإجراءات التي تبدو عنيفة من بعض الحكومات، كما فعل الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بوقف السفر من أوروبا إلى الولايات المتحدة، ستزيد الضغط على الاقتصاد العالمي لتخرج كل ما به من مغالاة وفقاعات غليان ضخّمت قيمة الأصول على مدى سنوات.
وعلى الرغم من أن سوق العقارات في الاقتصادات الرئيسة لا تبدو حتى الآن متأثرة من كل هذه التبعات الاقتصادية السلبية لتفشي كورونا، فإنها ستشهد تباطؤاً في المستقبل القريب يؤدي إلى استعادتها لتوازنها، بحسب هؤلاء المحللين المتفائلين. ذلك أن قطاعيّ العقارات والمصارف بحاجة إلى بعض المعاناة قبل أن يقودا عملية التعافي بعد الركود المتوقع.