Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من أثيوبيا إلى اليمن... رحلة إلى فوهة المعاناة

ساعات وأيام بدون طعام ولا مياه... ولحظات ومشاهد رعب في البحر ... مهاجر أثيوبي يروي لـ "اندبندنت عربية" عن هجرته 

كانت الساعة العاشرة مساء والجو شديد البرودة أثناء خروجي من أحد مشافي مدينة مأرب، وفي الطريق رافقتنا أصوات طربية أفريقية، خُيل إلي وكأنني في إحدى العواصم القارة السمراء، تلفتّ يميناً ويساراً فرأيت أكثر من مائة مهاجر، يتلحّف كل أربعة منهم بطانية واحدة على الرصيف، ترافقهم أغاني لا أفهمهما، لكنها تشي بشيء من الحنين للوطن...

وبدافع من الفضول توجهت للحديث معهم، وألقيت عليهم بعض الكلمات التي تعلمتها من صديق "صومالي" عاش في اليمن قبل أن يهاجر منها بعد انقلاب الحوثيين، لم يرد علي أحد، فرددت عبارات أثيوبية باللغة الأمهرية، "كيف الحال وما اسمك ولماذا جئت إلى اليمن؟"، وهذه عبارات أيضا حفظتها من صديق يقيم في أثيوبيا، في محاولة سابقة مني لعمل مادة صحفية تسلط الضوء على رحلتهم الطويلة للوصول إلى بلد يعيش حرباً شرسة منذ خمس سنوات متتالية. 
ولفهم الكثير من تفاصيل الهجرة اضطررت إلى البحث في مناطق التجمعات التي يستقر فيها المهاجرون في مأرب -وهي كثيرة – محاولاً العثور على مهاجر يتحدث اللغة العربية لنتمكن من فهم كثير من المعاناة والانتهكات التي يتعرض لها المهاجرون من قبل تجار البشر وسماسرة التهريب. 
استمرت رحلة البحث عن مهاجر يتحدث العربية لأيام. وأخيراً وجدت شاباً مهاجراً إسمه "قدير شريف" في العشرينات من عمره لا يخفي أصدقاؤه في العمل طموحاته المستقبلية ورغبته في أن يكون أحد أبطال الدراما في المستقبل القريب. يشغل "قدير" وظيفتين منذ عامين في مدينة مأرب وسط اليمن، ويقضي 5 ساعات في كل منهما. قلت في نفسي إن طموحاً كهذا هو خلاصة معاناة رافقت هذا الشاب العشريني ومحاولة في نفسه لتكون المراحل التي مر بها مشاهدَ يشاهدها العالم لعل الضمير يتحرك يوماً ما ويضع حداً لهذا المأساة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وعلى امتداد الخط الساحلي لليمن من ذوباب إلى البريقة في عدن جنوب اليمن، يتدفق مئات المهاجرين الأفارقة بشكل يومي إلى بلد لا يعرفون عنه سوى "رداع"، وهي منطقة في محافظة البيضاء وسط البلاد، تشتهر بزراعة القات الذي يعمل الكثير من المهاجرين في قطفه ومنطقة الـ "ثابت" المحطة الأخيرة للمهاجرين على الحدود مع السعودية والتي تتبع محافظة صعدة شمال اليمن.

 


رحلة الموت
"قدير" أحد المهاجرين الأفارقة من مدينة هرر الأثيوبية، وصل إلى اليمن قبل عامين ونيف، يقول إن رحلته من بلاده أستغرقت شهراً من الزمن بدأت من أثيوبيا وصولاً إلى ميناء جيبوتي في الصومال ومن هناك إلى عدن. يقول قدير في حديثه لـ "اندبندنت عربية" إن الحرب العنصرية التي كان يقوم بها المسيحيون تجاههم كمسلمين ورغبته في الهجرة للعمل في السعودية دفعته لمغادرة بلاده. 
انتقل قدير من أثيوبيا إلى اليمن واستمرت رحلته من مسقط رأسه إلى الحدود الصومالية يوماً كاملاً بالسيارة، تسلل بعدها إلى الحدود الصومالية مع مجموعة من رفاقه، ودخلوا إلى مدينة هرجيسا الصوماليةومكثوا فيها مدة أسبوع لكي لا يلاحظ حرس الحدود وجودهم بعد تمشيط الطريق من المهربين، ثم خرجوا من هرجيسا إلى أطراف البحر حيث تبدأ رحلتهم البحرية إلى اليمن.

أسبوعان سيراً على الأقدام هي مدة الرحلة في الجبال بعيداً عن النقاط والخطوط العامة، يتنهد قدير وهو يروي قصته ويقول "تعب تعب والله تعب مرة في موت، هناك موت هناك تعب تمشي جبالاً وقفاراً لا يعيش فيها أحد ولا فيها ماء ولا طعام، كل ما نملكه البسكويت كنا نأكل من قطعتين إلى ثلاث طوال اليوم ولمدة ثلاثة أسابيع...والله تعب... تعب جداً". ويضيف قدير أن الناس تموت من الجوع في السفر، قائلاً : "في الرحلة التي كنت أنا فيها مات شباب من الجوع والعطش خليها على الله بس، في الجبل هذا مات اثنان أمامي وفي مكان ثان مات كثر أمامي من الجوع أثناء المشي سوياً من هرجيسا باتجاه البحر. بعد أسبوعين مات من مات في الطريق ووصلنا إلى ميناء جيبوتي في الصومال لتبدأ رحلتنا البحرية باتجاه اليمن. صعدت فوق زورق صغير فيه نساء ورجال كانوا قرابة 60 فرداً، استغرقت الرحلة ساعة إلى السواحل اليمنية، أما ما حدث في البحر فقد فاق ما توقعته من المعاناة... من لم يتمكن من دفع أجور النقل لمالك السفينه فمصيره الموت غرقاً... يلقى في البحر لمصيره... والله شاهدت بعيني أشخاصاً يرمون من سفينة كانت بالقرب من زورقنا... وما إن وصلنا إلى سواحل اليمن، دخلنا في مرحلة مشي جديدة استمرت لـ 24 ساعة على الساحل حتى الوصول إلى مدينة عدن. أثناء السير اعترضنا مسلحون يتبعون شخصاً يدعى عبد القوي من المعروفين بتهريب البشر بين أفريقيا واليمن، قاموا بحجزنا في أحد الأحواش وصعقنا بالأسلاك الكهربائية وتهديدنا بالقتل والذبح وكانوا يطالبوننا بمبلغ مالي قدره مائة ألف ريال يمني، من امتلك المبلغ افتدى به نفسه ونجا من بطشهم وسمحوا له بالخروج، ومن لم يأت به عذبوه". 

ويتابع "قدير" راوياً ما تعرّض له خلال رحلته الشاقة "تابعت السير إلى مدينة عدن ووصلت لليونسيف الخاصة بالأرومو الاثيوبيين، قدموا لنا ملابس وأحذية وأماكن لنغتسل. ومن هناك انطلقنا باحثين عن مصدر دخل". 

وعن أصدقائه ورفقائه في الرحلة، يقول: "منهم من استقر في رداع ومنهم في مأرب وعدن يبحثون عن عمل مؤقت لتبدأ رحلة جديدة من الهجرة باتجاه السعودية". وعن طموحاته المستقبلية يقول قدير إنه يريد مواصلة التعليم، بعد أن انقطع  بسبب الحرب وانعدام مصادر الدخل... ويقارن قدير الوضع في اليمن ويعتبر أن أثيوبيا أفضل بكثير، فهي  على الأقل بلاد باردة وخضراء وفيها خدمات أفضل. 

دور خجول تلعبه المنظمات الدولية اقتصر على تقديم مساعدات عينية (ملابس وقطع من الصابون) وكان لمنظمة اليونسيف في عدن السبق في ذلك بحسب أكثر من مهاجر وهي مساعدات لا تمثل شيئاً مقابل معاناتهم الكبيرة. وكشفت منظمة الهجرة الدولية عن إحصائية كبيرة للاجئين الأفارقة الذين وصلوا اليمن خلال العام المنصرم رغم ما تشهده البلاد من حروب. وأشارت المنظمة في أحدث تقرير لها إلى أن 138 ألف لاجئ أفريقي معظمهم أثيوبيين عبروا خليج عدن إلى اليمن في 2019، مشيرة إلى أن هذا العدد يعد تراجعاً مقارنة بالعام الماضي حيث سجلت المنظمة نحو 160 ألف لاجئ. وتعد هذه الأرقام ضخمة في بلد يعيش حرباً منذ خمس سنوات بين قوات الشرعية وميليشيات الحوثي.
اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات