Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قوارب "الشبح" للراغبين في الهجرة... عودة اللغز؟

نقل مهاجرين من مختلف الأعمار والجنسيات الحالمة بغد أفضل... وعصابات تهرّب الأفراد لقاء مبالغ خيالية

رحلات يومية يعلم المهاجرون أنهم قد لا ينجون منها لكن ظروفاً صعبة أرغمتهم على ركوب المجهول (رويترز)

أعداد كبيرة من المراهقين والشباب تدفقوا من المدن الداخلية الى شواطئ طنجة وتطوان شمال المغرب، ينتظرون معجزة "ظهور الزورق السريع".

موسم الهجرة رحلات برائحة الموت
يعلم المهاجرون أنهم قد لا ينجون  لكن ظروفاً صعبة تركوها خلفهم وجنّة وعدَهم بها المهربون إلى الضفة الأخرى دفعتهم إلى ركوب البحر أو الأحرى ركوب المجهول. في موسم الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط لا تتوقف المراكب عن نقل مهاجرين من مختلف الأعمار والجنسيات الحالمة بغد أفضل، في الوقت الذي تستغل فيه عصابات تهريب الأفراد بواسطة المراكب مقابل مبالغ مالية خيالية. في المقابل، يتم يومياً إحباط ثلاث محاولات هجرة أو أربع، إما من الجانب المغربي أو من الجانب الاسباني، ومع تحسن الطقس، يرتفع  عدد رحلات الهجرة غير الشرعية. بعضهم يبتلعه البحر، وآخرون قد يحالفهم الحظ ويصلون بسلام إلى الضفة الأخرى.

ركوب الخطر بعروض مُغرية
مع تحسن أحوال الطقس، يرتفع عدد المغامرات المحفوفة بالمخاطر، وترتفع معها العروض المغرية للهجرة غير القانونية ، وفي خضم "حمى" الهجرة السرية ، ظهرت مجموعة من الطرائق والحيل لعبور المتوسط. فقبل بضع سنوات، كان المهاجرون يركبون أمواج المتوسط في قوارب متهالكة، وغير مجهزة بمحركات، وفي السنتين الأخيرتين، تطورت وسائل الهجرة غير الشرعية، وتضاعفت الأسعار أيضاً.


الزورق" الشبح" الذي حيّر قوات الأمن
هذه القوارب محط جدل، وهي تتمتع بجودة عالية، ويُمكنها قطع مسافات طويلة في وقت وجيز، وصُنعت في إسبانيا. قال محمد الغول، إعلامي ومتابع  لملف الهجرة، إن شهر سبتمبر (أيلول) 2018، كان شهراً غير اعتيادي في عدد من الشواطئ الشمالية الغربية في المغرب بسبب ظهور زورق مطاطي سريع من النوع الذي يستعمل عادة  في تهريب المخدرات بين ضفتي المتوسط. وأضاف أن الزورق "الشبح" كما يطلق عليه كان يُستخدم حينذاك لنقل عدد من الشبان والفتيان الراغبين في الهجرة إلى الشواطئ الاسبانية. 
ورجح محمد الغول أن تكون ظاهرة الزورق "الشبح" قد تبخرت كما ظهرت بشكل مفاجئ، لكنها عادت بداية الشهر الحالي بعدما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً على بعض الصفحات المجهولة، أخبار تتحدث عن عودة وشيكة لهذا الزورق من دون تحديد موعد، وهو ما اعتبره المراقبون إشاعات "فيسبوكية" تُغذي أحلام الراغبين في الهجرة.

إشاعات لاستغلال المهاجرين
كانت إحدى صفحات التواصل الاجتماعي نشرت في الأسابيع الماضية صوراً لما يسمى "الفونتوم"، كما جرى تداول منشورات لتشجيع الراغبين في الهجرة إلى أوروبا بهذا القارب، مجاناً. في هذا السياق، قال الغول "انتشار مثل هذه الفيديوهات على صفحات التواصل الاجتماعي، الغرض منه هو استغلال أحلام أعداد كبيرة من المراهقين والشباب"، موضحاً أن ظاهرة الزورق "الفونتوم" (الشبح) لم تتجاوز حالة واحدة سُجلت في أحد الشواطئ القريبة من مدينة طنجة.

ولم يُعرف بشكل واضح هل يتعلق الأمر بعملية هجرة منظمة أم بنزوح شخصي لصاحب الزورق إلى القيام بهذه المغامرة بعد فشل عملية نقل للمخدرات، خصوصاً أن تملفة هذا النوع من الزوارق السريعة والمتطورة، مرتفعة ولا تغطيها تكاليف نقل المهاجرين غير الشرعيين. 
يؤكد الاعلامي المتابع لشؤون الهجرة غير الشرعية أنه مباشرة بعد هذه الحادثة أعلنت السلطات المغربية تشديد الإجراءات الأمنية وسمحت لوحداتها البحرية باستعمال القوة، وهو ما أدى سابقاً الى مقتل احدى الراغبات في الهجرة على متن قارب على شواطئ تطوان العام الماضي، بعد رفض قائد الزورق التوقف استجابة لأوامر وحدة قتالية للبحرية الملكية المغربية.


تطور طرق الهجرة السرية
في مجال الهجرة في منطقة جبل طارق تُستخدم في العادة زوارق خشبية للصيد الساحلي مجهزة بمحرك واحد، وفي بعض الأحيان زوارق مطاطية أقل حجماً من تلك المعروفة ب "الفانتوم" (الشبح)، أو يلجأ المهاجرون إلى وسائل أخرى فردية لا تقل خطورة خصوصاً للقاصرين، كالاختباء تحت شاحنات النقل الدولي للسلع وحافلات النقل الدولي للمسافرين، أو التسلل إلى السفن التي تؤمن الربط ما بين ضفتي جبل طارق. أما بالنسبة إلى زورق "الشبح" فقال الغول إن "هذه الزوارق السريعة من نوع "فانتوم" والتي في أغلب الأحيان تُجهّز بأربعة محركات قوية، تتجاوز قوة كل محرك منها 350 حصاناً، معروفة على مستوى منطقة جبل طارق باستعمالها في تهريب المخدرات، بسبب قدرتها على تجاوز الرقابة الأمنية الكثيفة في منطقة جبل طارق. 


وكانت السلطات الاسبانية حجزت أعداداً كبيرة منها في الفترة الأخيرة في منطقة لالينيا (خليج الجزيرة الخضراء)، في إطار عملية أمنية واسعة استهدفت شبكات تجارة المخدرات في المنطقة، وهي في العادة تكلّف مبالغ مالية طائلة تتجاوز الـ40 ألف يورو لتلك المجهزة بمحرك واحد، في حين يمكن تجهيزها حتى بستة محركات، وأغلبها تلك التي تستعملها شبكات تهريب المخدرات تكون مجهزة بأربعة محركات. 
هذه القوارب (الفونتوم) يقول مصطفى العباسي، اعلامي متابع  لشؤون الهجرة غير الشرعية، تُصنع في معامل في اسبانيا وتحديداً في منطقة لالينيا (خليج الجزيرة الخضراء)، حيث مستودعات كبرى لجلب تلك "الزودياكات" وتستعمل لتهريب المخدرات والبشر وتُشترى على أساس أنها سياحية، أو من السوق السوداء، ليجري بعد ذلك تهريبها إلى المغرب بطرائق مختلفة، أو عبر البحر. 
أما المركب الخشبي الذي كان يستعمل سابقاً وهو طويل الحجم مقارنة بقوارب الصيادين، فيسمى "الباطيرا" (القارب المطاطي)، لم يعد يستعمل بشكل كبير، لكونه مرتفع الثمن ويسهل الوصول إليه من قبل الشرطة البحرية، لذلك ضَؤل استعماله بشكل كبير.

تسعيرة رحلة الموت
تغيرت أنماط الهجرة من السواحل الشمالية للمغرب نحو إسبانيا في السنوات الأخيرة، إذ لم يعد الراغب في الهجرة غير الشرعية بحاجة إلى "الحريك" (هجرة محفوفة بالمخاطر) وانتظار يوم "الخرجة" (موعد خروج الرحلات) الذي ينطلق فيه القارب، وتسديد مبلغ باهظ، ليصعد في النهاية برفقة عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين في قارب متهالك، إذ أصبح عدد من الشباب يلجأون إلى طرائق تضامنية أكثر نجاعة، فيقوم الراغب في الهجرة، بالتواصل مع شباب يقاسمونه الحلم نفسه، إما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو يلتقيهم في إحدى مدن المغرب الشمالية، ويتفقون على اقتناء قارب والسفر به إلى سواحل إسبانيا. 


ويفضل أغلب الشباب الانطلاق من شواطئ في شمال المغرب باعتبار انها النقطة الأقرب الى شاطئ "طريفة" الإسباني. ويراوح سعر "الزودياك" (المركب السريع) الذي يركبه "الحراكة" بين 15 ألف درهم و25 ألفاً (1500 إلى 2500 يورو)، يجري اقتناؤه من السوق السوداء، على الرغم من أن الحصول عليه ليس سهلاً، ثم يدفع كل فرد من المجموعة بين ثلاثة آلاف درهم وستة آلاف (300 إلى 600 يورو)، ثم يحددون موعد الرحلة. 
وبحسب العباسي، تتنوع التسعيرة حسب الرحلة، ومستوى "الضمانات"، فهناك رحلات لا تقل عن 6000 يورو (اكثر من 60 الف درهم مغربي)، ورحلات بـ20 الف درهم. الأولى بقوارب سريعة ونفاثة وشبه مضمونة، ومنظموها والسائقون محترفون".

مافيا تهريب البشر
كشف تقرير لصحيفة "إلباييس" الإسبانية عن أن سعر الرحلة تضاعف منذ 2016، إذ كانت تكلفة نقل مهاجر واحد عبر القوارب المطاطية لا تتجاوز 500 يورو، في حين انتقلت منذ صيف 2017 إلى نحو 1000 يورو، ويرتفع السعر عند استعمال قارب معزز بمحركات إلى 1500 يورو. كذلك أوضح التقرير أن السعر يتغير، وفقاً لمعيارين أساسيين، الأول متعلق بطبيعة الوسيلة المعتمدة في "الحريك" (الهجرة غير الشرعية) وجودتها، بالاضافة الى المسافة التي تفصل نقطة الانطلاق عن السواحل الإسبانية. 


وبالنسبة إلى المهاجرين الذين يفضلون العبور بواسطة "جيت سكي"، قد يصل سعر رحلتهم إلى نحو 3000 يورو، وتعد هذه الوسيلة  بحسب المتابعين لملف المهاجرين الوسيلة الأكثر اماناً للهجرة، إذ لا تتجاوز مدة الرحلة 30 دقيقة، فيوصل المهربون المهاجرين إلى السواحل الإسبانية، ثم يعودون بسرعة إلى المياه الإقليمية المغربية، وفق معطيات كشفت عنها الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود الخارجية وحمايتها.

تراجع الهجرة غير الشرعية
قال العباسي  "خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، شهدت ظاهرة الهجرة السرية تقلصاً كبيراً، بسبب العمليات الأمنية في المغرب واسبانيا. اذ تراجعت الرحلات غير الشرعية بشكل كبير، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي 2018. وأضاف العباسي أن تعزيز عمليات المراقبة من الجانبين المغربي والاسباني دفع "مافيات التهجير" الى اللجوء لوسائل التواصل الاجتماعية، لنشر بعض الإشاعات المتصلة بعودة "الفونطوم" المجاني للسواحل الشمالية، بهدف استقطاب عدد من الحالمين بالهجرة. وأشار العباسي إلى أنه خلال العام الحالي جرى تفكيك نحو 45 شبكة متخصصة في تهجير البشر، واعتقال العشرات منها، خصوصاً في ضواحي الفنيدق، والقصر الصغير شمال المغرب، وفي لالينيا جنوب إسبانيا...

حصيلة 2018
ذكر المرصد المغربي للهجرة أن السلطات المغربية أحبطت في العام 2018 بين 88 و 761 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية، منها 70 ألفاً و571 لمواطني بلدان أخرى، وذلك في تطور عام نسبته 37 في المئة مقارنة بالعام 2017. أضاف المرصد التابع لوزارة الداخلية، في بيان أنه فكك 229 شبكة تهريب عام 2018، موضحاً أن 80 في المئة من المهاجرين الموقوفين هم من الأجانب، كما أنقذ 29 ألفاً و715 مهاجرا في عرض البحر، في حين اختار 5608 مهاجرين العودة الطوعية إلى بلدانهم الأم.

المزيد من تحقيقات ومطولات