Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يودع جنوب السودان البندقية إلى الأبد؟

دخلت البلاد حرباً أهلية هددت أركان الدولة والسلم الاجتماعي

الصراع جنوب السودان يصعب اندثاره بمجرد اتفاق على الورق (غيتي)

لم يذق جنوب السودان منذ الاستقلال عام 1956 عندما كان جزءًا من السودان (الأم)، وبعد انفصاله في 2011، طعم الاستقرار والسلام طويلاً، فقد استبشر كثيرون بخيار الشعب الجنوب سوداني ووقوفه بجانب الانفصال وتشكيل أول حكومة لأول دولة حديثة في العالم.

لكن بعد أقل من عامين وتحديداً في 2013، دخلت البلاد حرباً أهلية خلطت الأوراق، وهدّدت أركان الدولة والسلم الاجتماعي، ما دفع المجتمع الدولي ممثلاً في الاتحاد الأفريقي ومن خلفه دول الجوار وأخرى ذات ثقل في القارة، إلى قيادة مبادرة وضعت حداً لهذا الصراع الذي خلّف عشرات الآلاف من القتلى وشرّد حوالى أربعة ملايين شخص، بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس الحالي سيلفا كير ميارديت ونائبه زعيم المعارضة رياك مشار، في إطار اتفاق وقّعه الطرفان في 22 فبراير (شباط) 2019.

خطوة مهمة

لكن يظل التساؤل قائماً عن مدى استدامة السلام في جنوب السودان وإنهاء أطول صراع مسلح في أفريقيا على ضوء هذا الاتفاق، وهل بالفعل أن الطرفين على قناعة تامة بالإيفاء بهدف الاتحاد الأفريقي في ما يتعلق بإسكات البنادق في أفريقيا عام 2020؟

 المتفائلون يرون أن الاتفاق الجديد يشكّل خطوة مهمة لاستدامة وبناء السلام في جنوب السودان من خلال تشكيل الحكومة الانتقالية وفق نصوص اتفاقية السلام الموقعة في أديس أبابا في 2018 والتي تعثّر تنفيذها أكثر من مرة، إذ أجرت لجنة مكوّنة من خمسة خبراء من الاتحاد الأفريقي وخمسة من أطراف الاتفاقية بمراقبة منظمة الإيقاد، مفاوضات استمرت أكثر من عام ونصف العام، لكن لم تحقّق تقدماً ملموساً، إلاّ بعد تدخل جنوب أفريقيا والسودان على خط الوساطة، وهذا مؤشر يؤكد أن طرفي النزاع أخذا وقتاً كافياً من المناقشات والتفاهمات التي أوصلتهما إلى هذا الاتفاق بكل شجاعة وجرأة، فضلاً عن أن معاناة الشعب وشعور الجانبين بأن ثمة سبيلاً لسلام مستدام كانا الدافع الرئيس لهذا الاتفاق. بالتالي، لعبت القناعة دوراً كبيراً في نسيان المرارات السابقة.

انعدام الثقة

أما المتشائمون، فينطلقون من اعتقادهم بأن هشاشة الاتفاق تتمثل في أن بعض القضايا الرئيسة والخلافية بين الطرفين لم تُحسم بعد ولا تزال من دون حلّ، بما في ذلك تقاسم السلطة وإدماج المقاتلين المتمردين في الجيش، إذ اتفق الجانبان على تشكيل حكومة وحدة وطنية أولاً ومن ثم معالجة المسائل الأخرى في وقت لاحق، إضافةً إلى انعدام الثقة المتبادل بين الطرفين، إذ لم تكن هناك علاقة عمل ودية منذ أن طرد الرئيس سلفاكير نائبه مشار عام 2013، وهو ما يجعل الاتفاق هشاً ومعرّضاً إلى الانهيار في أي لحظة يحدث فيها سوء تفاهم أو اختلاف في وجهات النظر، بخاصة حول القضايا العالقة بينهما.

البعد القبلي

وبحسب مراقبين، فإنّ الصراع في جنوب السودان من الصعب أن يندثر بمجرد اتفاق على الورق، لأنه متجذّر منذ القدم، فما هو إلاّ صراع قبلي بين أكبر قبيلتين، بينما يعزيه البعض إلى أسباب سياسية لا علاقة لها بالبعد القبلي. ولنفهم ماهية هذا الصراع، لا بد من التعرف على التقسيم القبلي لجنوب السودان والخصوم السياسيين الذين يدور حولهم هذا الصراع.

 بيد أن الصراع داخل جنوب السودان كانت له جذور تاريخية تعود إلى الاستعمار البريطاني للسودان، فكما كرّس الاستعمار بذور الفرقة بين شمال السودان وجنوبه، ممّا دعا الأخير إلى الانفصال عن الأول، فقد فعل الأمر نفسه داخل جنوب السودان ذاته، إذ ترك الاحتلال جنوب السودان تحت سيطرة الإرساليات المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية التي قسّمت البلاد إلى مناطق نفوذ بين الإرساليتين، حتى إن القبيلة الواحدة قُسّمت بين الإرساليتين، ما زرع الفرقة بين أبناء القبيلة الواحدة والدين الواحد.

المجموعة النيلية

وتوجد في جنوب السودان عشرات القبائل، غير أنّها تعود في أصولها إلى ثلاث مجموعاتٍ رئيسة، أكبرها المجموعة النيلية التي تمثّل 65 في المئة من مجموع السكان، والتي تضمّ القبائل ذات النفوذ السياسي الأكبر، فقبائل الدينكا تمثّل ما نسبته 40 في المئة من المجموعة النيلية، وهي القبيلة التي ينتمي إليها الرئيس سلفا كير. وتأتي قبيلة النوير في المرتبة الثانية، بما نسبته نحو20 في المئة، وهي القبيلة التي ينتمي إليها زعيم المعارضة السابق رياك مشار.

ثمّ تأتي قبيلة الشلك بنسبة 5 في المئة، وهي القبيلة التي ينتمي إليها كلّ من باقان أموم، الأمين العامّ للحركة الشعبية، ولام أكول أجاوين، أحد قيادة الحركة الشعبية التاريخية الذي سبق أن اختلف مع زعيم الحركة جون قرنق قبل وفاته في حادث تحطم طائرة عام 2005، وأصبح حليفاً للخرطوم. وبقي هناك حتى بعدما انفصلت الحركة الشعبية في جنوب السودان. ولم يعد إلى جوبا، إلاً أخيراً بعدما حصل على تطمينات جنوبية.

أمل جديد

وعلى الرغم من حالة التشاؤم التي تسيطر على سكان هذه الدولة المنكوبة ومن خلفهم المجتمع الدولي الذي عانى بدوره من أمد الحرب الأهلية، خوفاً من حدوث انتكاسة لهذا الاتفاق، إلاّ أنّ تأكيد الرئيس سيلفا كير ونائبه مشار خلال حفل التوقيع على الاتفاق، يحيي الأمل بأن يصمد اتفاق السلام، ذلك أن الانزلاق إلى مستنقع نزاع شامل في جنوب السودان قد يعني تعريض المدنيين الى الهجمات المُتعمَّدة والنزوح مجدداً، على الرغم من أحكام القانون الدولي التي تكفل لهم الحماية.

وعانت دولة جنوب السودان من حالة الصراع في معظم الأوقات منذ أن منحت بريطانيا السودان استقلاله عام 1956، فاندلع أول تمرد في الجنوب عام 1963 واستمر طيلة عَقد من الزمن، فيما صمد اتفاق لوقف إطلاق النار غير المستقر حتى عام 1982، عندما اندلعت الحرب مجدداً واستمرت طيلة 21 عاماً إلى حين إبرام اتفاق سلام في يناير (كانون الثاني) عام 2005، أُجري بموجبه استفتاء عام 2011 أمّن استقلالها عن شمال السودان، وبعدها بعامين فقط نشبت حرب أهلية جديدة وعانت غالبية مواطني جنوب السودان من فقدان أفراد أسرهم، وفي كثير من الأحيان أسرهم بأكملها.

وتُعتبر جنوب السودان أحدث دولة في العالم، وتقع شمال شرقي أفريقيا، حيث يحدها من الشمال السودان ومن الشرق إثيوبيا، ومن الجنوب كينيا وجمهورية الكونغو، ومن الغرب جمهورية أفريقيا الوسطى.

ويبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، فيما تبلغ مساحتها 620.000 كيلومتر مربع تقريباً. وتضم عشر ولايات وتحوي عدداً من القبائل الأفريقية والجماعات العرقية المختلفة، أكبرها الدينكا وتليها النوير.

المزيد من العالم العربي