Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 جماليات المآسي العراقية بعين جندي ... رسما ونحتا

معرضان في القاهرة وبيروت للفنان سيروان باران... بين الذكرى والمشهد

مشهدية الحرب العراقية في لوحة سيروان باران (اندبندنت عربية)

تستضيف قاعة مصر للفنون في القاهرة معرضاً لأعمال الفنان العراقي سيروان باران تحت عنوان "ذاكرة لا تمحى"، يقام المعرض في القاهرة بالتزامن مع آخر بيروتي للفنان نفسه في قاعة صالح بركات تحت عنوان "جمال قاس" ويستمر حتى 22 من إبريل (نيسان) القادم. يضم المعرضان مجموعة من أعمال الفنان التصويرية، يضاف إليها عدد من الأعمال النحتية في معرض بيروت. معظم الأعمال التصويرية المعروضة في كلا المعرضين ذات قطعٍ كبير، كما تحمل طاقة لونية لافتة تُبرز المعالجات المتوترة والسريعة بضربات الفرشاة لعناصر اللوحات، والمعتمدة في أغلبها على العنصر البشري. الأعمال التي يعرضها باران تتناول بحس تصويري مميز حالات القهر الإنساني التي يمكن أن يتعرض لها الأفراد تحت وطأة القوة الغاشمة للسلطة - أياً كانت هذه السلطة-  فالقهر الجسدي هو أحد الأساليب المُستخدمة في القمع وإشاعة الخوف بين الناس عبر التاريخ. في واقعنا الحاضر يبدو الأمر أكثر إيلاماً أمام تواتر هذه الصور وتسللها عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي إلى بيوتنا ومخادعنا، حتى اعتادت أعيننا على رؤية مثل هذه المشاهد، وأغلبها مشاهد وأحداث قريبة منا جميعاً ومحفورة في ذاكرتنا. ربما يتناول باران أحداثاً جرت وقائعها في العراق تحديداً، غير أن الأمر يمكن أن  ينسحب على أجزاء أخرى في منطقتنا العربية، بل والعالم أجمع، حيث تُسحق الأجساد تحت وطأة القهر ذاته.

يأتي سيروان باران بهذه الصور والمشاهد المعتادة ويعالجها لونياً بأسلوبه الخاص، فيتعمق تأثيرها لأسباب عدة، لعل بينها نزوعه إلى التكثيف الشديد والانتقاء بين هذه العناصر، والمعالجة اللونية لها، وغيرها من الأسباب المُحيطة والمرتبطة بتركيز الاهتمام على الصورة أو اللوحة كعمل فني. يحيلنا المشهد على مشاعر مماثلة لهذا الألم، ويستحضر وطأة الخوف والقهر والمعاناة التي عايشها الكثيرون من قبل، ولايزال آخرون غيرهم يعانون من ويلاتها حتى اليوم، إنها قدرة الفن والصورة معاً على الخلق والتأثير والاشتباك.

الجسد هنا هو البطل الرئيس في تلك المشاهد التي يرسمها باران، ويشكل به المساحة المرسومة عبر توزيع العناصر على سطح اللوحة. المنظور العلوي الذي وظفه الفنان في عدد لا بأس به من الأعمال أعطاه القدرة على توظيف هذه الأجساد على امتداد العمل ككل، أي لوضع أكبر قدر من هذه العناصر داخل الإطار. أمامنا حشد كبير من الناس يتحركون في وهن واستكانة، لعل أبرز ما يميز مشهد هذا الحشد أنه يقدم لنا معالجة جمالية لموضوع مؤلم وقاس. اللون هنا هو السمة البارزة في تلك الأعمال التصويرية، وغالباً ما يتخذ باران لوناً واحداً مسيطراً داخل العمل ككل. بين هذه اللوحات مثلاً نرى ثلاث لوحات بالأبيض والأزرق والأحمر على مساحات كبيرة نسبياً، الإطار في اللوحات الثلاث أشبه بسياج يحاصر حشداً من الناس، معتقلين على ما يبدو أو أسرى في مكان ما، هم محاصرون داخل الإطار، ومحاصرون ايضاً داخل اللون، ثمة ضربات متوترة للفرشاة، وتفاصيل تتشكل من تأثير الدرجات المختلفة للون نفسه. يفيض اللون ويتسلل عبر المساحة ليبتلع العناصر جميعها، لا يفلت من هذا الحصار اللوني سوى الرؤوس النابتة بين هذه التكتلات اللونية كثمار بازخة تقاوم الطمس.

في معرض باران ثمة أعمال أخرى متصلة بالموضوع نفسه، لوحات صغيرة تضم صوراً مُفردة لأشخاص مكممي الفم أو معصوبي العينين، وأخرين مقيدي الأطراف. سعى باران إلى استخدام العناصر الأكثر شيوعاً والمرتبطة بفكرة الامتهان، أو التخويف، فأفرد لوحة أو لوحتين تشمل أوضاعاً مختلفة لصورة الحيوان الأشهر والأكثر استخداماً بين وسائل التعذيب (الكلب) خلافاً لهذا تبدو صور الحشود المُعذبة هي الصورة الأكبر والأوضح بين أعماله. المعرضان في القاهرة وبيروت يكملان معاً مشهد التجربة التصويرية الأخيرة للفنان سيروان باران، وهو من  مواليد عام  1968 وتخرج في الفنون الجميلة بجامعة بابل، والتحق بالخدمة العسكرية في العراق فترة الثمانينيات والتسعينيات، وطُلب منه حينها رسم لوحات تُبيّض وجه النظام الحاكم ورموزه كنوع من الدعاية، وفي تجاربه اللاحقة أعلن باران تمرده على هذه الصورة الدعائية بتقديمه صورة مُغايرة لهذه الرسومات التي اضطر إلى رسمها حينها.

المزيد من ثقافة