Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جائزة أوسكار تتخطى التهم وتنتصر عبر كوريا... للتعددية الثقافية

أمر ما حصل في نظرة لجنة التحكيم... ففاز "بارازيت" و"جوكر"

من الفيلم الكوري الفائز "بارازيت" (موقع أوسكار)

 

عندما نال "بارازيت" للمخرج الكوري الجنوبي بونغ جون هو "السعفة الذهبية" في مهرجان كانّ 2019، لم يكن أحد يتوقع أن يصل إلى الـ "أوسكار" بعد تسعة أشهر، ليقتنص 4 جوائز أساسية في الحفلة الـ 92 التي جرت مساء الأحد في مسرح دولبي في لوس أنجلوس، فيتحوّل إلى أول فيلم غير ناطق بالإنجليزية ينال جائزة أفضل فيلم. هذه الكوميديا السوداء استطاعت إقناع أعضاء الأكاديمية، إقناعهم بضرورة رد الاعتبار إلى صوت سينمائي يأتي من بعيد. صوت يقول شيئاً آخر، يقترح أناساً مختلفين، ويقدّم خطاباً تقدّمياً. استجابة لهذه الفكرة، تم إقصاء أفلام سينمائيين كبار، في مقدّمهم "الإيرلندي" لمارتن سكورسيزي و"حدث ذات مرة في… هوليوود" لكوانتن تارانتينو و"1917" لسام مندس. حتى "جوكر" لتود فيليبس الذي كان أحد ظواهر 2019 لم تسنح له الفرصة إلا نيل جائزة التمثيل (واكين فينيكس) وجائزة الموسيقى. شيء ما تغير في نظرة المصوّتين إلى السينما، وقد قاله فوز "بارازيت" بوضوح. لعلها التعددية الثقافية التي يتغنى بها الغرب هذه الأيام، ولا يفوت مناسبة لتطبيقها، علماً أن أكاديمية فنون الصورة المتحركة وعلومها استقبلت في السنتين الأخيرتين أعضاء جدداً من 59 دولة، للمزيد من الانفتاح على العالم.

على مدار تاريخها، كانت الـ "أوسكار" عرضة لاتهامات كثيرة، منها التدليس السياسي أو الذوق المحافظ للأعضاء المصوتين. إلى درجة أنه باتت هناك وصفة جاهزة للفيلم الأوسكاري. في السنوات الأخيرة، ومع تمسّك الغرب بسياسات الهوية، كثر الحديث عن الجندرية والعرق داخل الـ "أوسكار". أُطلقت حملة محرجة باسم "الأوسكار كثيرة البياض" تتهمها بإقصاء الأميركيين من أصول أفريقية وتغييب التنوع العرقي في لائحة المرشّحين. الأمر الذي دفع الأكاديمية إلى معالجة الموضوع والنظر في مسألة تهميشها الأقليات. وكنتيجة مباشرة وحتمية لذلك، ضمت 842 من العاملين في مجال صناعة الأفلام إلى صفوفها لإجراء التوازن المطلوب.

من المبالغة الزعم أن الأعضاء والوافدين الجدد هم الذين أحدثوا هذا الفرق وأوصلوا فيلماً مثل "بارازيت" إلى الـ "أوسكار"، ذلك أنه لا يوجد ما يؤكد أن الذين يأتون من خارج أميركا أكثر تمسّكاً بسينما "أجنبية" من زملائهم الأميركيين. في المقابل، واضح أن أرباب هوليوود الرأسمالية الليبرالية انحازوا هذه المرة إلى حكاية صراع طبقي عولجت بميول "يسارية" وعقلية نضالية مسالمة. فـ"بارازيت" خليط غريب من الأنواع السينمائية، يفجّر لحظات ضحك وتشويق ومتعة عند المشاهد. الحكاية عن عائلة كي تك. أفرادها يعانون من البطالة، فيتابعون نمط عيش جيرانهم الأثرياء. عندما يدخل أحد أبناء العائلة الفقيرة بيت العائلة الثرية لإعطاء دروس خصوصية، سيحدث ما لم يكن في الحسبان. يموضع بونغ جون هو كاميراه في سيول المعاصرة لتصوير حكاية يغلب عليها الطابع الاجتماعي المقنّع. يوثّق مأزق العيش والصراع الطبقي، ولكن مواربةً، ليبلور خطاباً فهمه البعض بأنه دعوة للفقراء إلى سرقة الأثرياء.

4أوسكارات

هناك أيضاً من يعتبر أن فوز "بارازيت" بأهم 4 "أوسكارات" (أفضل فيلم، أفضل مخرج، أفضل سيناريو أصلي، أفضل فيلم دولي) شكّل قطيعة مع سينما معينة تعود بنا إلى الماضي. فمعظم الأفلام التي كانت مرشّحة لجائزة أفضل فيلم تجري فصولها في عصور سابقة. الستينات في "فورد VS فيراري" (نال أفضل مونتاج وأفضل مونتاج صوت)، الخمسينيات في "الإيرلندي"، الحرب العالمية الثانية في "جوجو رابيت" (أفضل سيناريو مقتبس)، القرن التاسع عشر في "نساء صغيرات" (أفضل ملابس)، الحرب العالمية الأولى في "1917"، أواخر الستينيات في "حدث ذات مرة في… هوليوود"، الثمانينيات في "جوكر". "بارازيت" هو مع "قصّة زواج" لنوا بومباك، الفيلم الوحيد الذي تحدث فصوله الآن، في زمننا الراهن، ويخلق صلة مباشرة معه، ويطلق صفارة الإنذار في شأن ظروف اجتماعية ما عادت تُحتَمل وينبغي تغييرها والحسم في شأنها من دون تأخير.

جائزة الـ "أوسكار" أسقطت كذلك من حساباتها أفلام منصّة "نتفليكس". سواء جرى ذلك عن سابق تصور وتصميم أو من دونه، فهناك فيلمان مهمّان من إنتاج "نتفليكس"، هما "الإيرلندي" و"قصّة زواج"، لم يحالفهما الحظ. صحيح أن التوجه الجديد اليوم هو لمنصّات العرض التي باتت تدخل البيوت وتؤمن موازنة ضخمة لأمثال سكورسيزي لإنجاز أفلام ما كان ممكناً إنجازها داخل استوديوات الإنتاج التقليدية، إلا أنه في المقابل ثمة تململ ساد منذ فترة من هذه الظاهرة الجديدة التي تضع مصير السينما ومستقبلها على المحك. أغلب الظنّ أن هناك الكثير من المصوتين، يفضّلون عدم تشجيع هذه المنصّة. فهل سكورسيزي الذي قدّم مع "الإيرلندي" أحد أهم أفلام العام 2019، سقط ضحية هذه النظرة "الطهرانية" للسينما التي تؤمن بتفوق المشاهدة في الصالة السينمائية على أي نوع مشاهدة آخر؟ إذا تأكدت صحّة هذه الفرضية فيمكن الاعتقاد أن الفيلم الجميل "قصّة زواج" هو أيضاً ضحيتها.

في "الإيرلندي"، يعود سكورسيزي إلى شؤونه ولكن على نحو مختلف هذه المرة. هو لم يرد فيلماً جديداً عن المافيا. لا يستقيم نصّه من دون هذا الزمن الذي يرويه المخرج السبعيني الكبير. نبحر معه فوق أمواج نصف قرن من الزمن الذي يترك بصمات واضحة وأثراً غامضاً في حياة الشخصيات التي يصوّرها. الجريمة والإحساس بالذنب، العائلة، السلطة، الإخلاص، المغفرة، التوبة، الصداقة، الفساد، هذا كله يترك طعماً مراً تحت اللسان. المعلّم النيويوركي يختتم الفصل الأهم من حياته كسينمائي. أما "قصّة زواج"، فيروي من خلال لغة سينمائية رقيقة وكادرات باهرة وإخراج صارم، لحظة انفصال بين مسرحي وزوجته الممثّلة (الفيلم مستوحى من حياة المخرج)، لحظة خروج الحميمي إلى العام، مشيراً إلى الأشياء التي تبقى عالقة لفترة من الزمن، بعد حصول الانفصال. نال الفيلم أفضل ممثّلة في دور ثانوي للورا درن.

كوانتن تارانتينو أيضاً لم يكن "على ذوق" الأكاديميين. فيلمه "حدث ذات مرة في… هوليوود" ينطوي على كلّ ما صنع شهرته عبر الزمن: حوارات غزيرة متذاكية ولمّاحة، شخصيات متطرفة، عنف مؤسلب ميّال إلى الطرافة، وكالعادة كم هائل من المرجعيات السينمائية. ولكن، في المقابل، لا يحمل أي هم اجتماعي أو قضية يمكن الاستثمار فيها، إنه "الفنّ للفن"، كما يُقال. لذلك، اكتفى بجائزتين: أفضل ممثّل لبراد بيت في دور ثانوي وأفضل ديكور وإدارة فنيّة.

إلا أن أكثر ما يثير الأسئلة هو استبعاد "1917" لسام منديس من نطاق الجوائز الأساسية، خصوصاً أنه فاز بعدد من الجوائز التي كانت رجّحت كفه. الأكاديمية منحت لمندس جوائز تقنية فقط لا غير: أفضل تصوير (روجر ديكنز)، أفضل ميكساج صوت وأفضل مؤثرات بصرية. على الرغم من عظمة الفيلم على مستوى الاشتغال السينمائي، إلا أن هوليوود لم تجد فيه ما يروي عطشها الحالي للتعددية والانفتاح على الآخر. لا يوجد أي شيء مثير في رجال بيض يموتون في حروب قبل مئة عام.

أخيراً، يصعب الحديث عن الـ "أوسكار" من دون ذكر ترشّح فيلمين سوريين لجائزة أفضل فيلم وثائقي: "إلى سما" لوعد الخطيب و"الكهف" لفراس فياض. عملان يخرجان من عمق المأساة السورية التي بدأت في العام 2011. إلا أن الأكاديمية فضّلت عليهما فيلم "مصنع أميركي" للأميركيين جوليا رايشرت وستيفان بوغنار، إنتاج باراك وميشيل أوباما. الفيلم يصوّر التغيير الذي طرأ على مدينة واقعة في الأوهايو عندما يفتتح ملياردير صيني مصنعاً فيها. يصوّر المخرجان الصدام الثقافي الذي يولد بين العمّال الصينيين الذين جاءوا للعمل في هذا المكان والعمّال الأميركيين الذين يسارعون إلى تأسيس نقابة.

 

المزيد من سينما