Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خيارات عمر البشير الصفريّة... انقلاب أبيض أم محاولة جادّة للإصلاح؟

عقب إعلان البشير حل الحكومة وفرض حالة الطوارئ، اندلعت موجة من الاحتجاجات الليلية، وسط توقعات بانفجار الأوضاع، مع تباين وجهات النظر بين عودة الرئيس إلى خلفيته العسكرية، ومحاولته إنهاء حالة انسداد الأفق السياسي

الرئيس السوداني عمر البشير خلال إلقائه خطاباً في العاصمة السودانية الخرطوم في 22 فبراير (شباط) 2019 (رويترز)

يدخل السودان مساراً جديداً من الأحداث التي يشهدها منذ ثلاثة أشهر. فعقب إعلان الرئيس عمر البشير حالة الطوارئ في البلاد، مساء الجمعة، عيّن فوراً حكومة تصريف أعمال. كما عيّن حكاماً جدداً لولايات البلاد الـ18، لكن هذه المرة من العسكريين.

وأبقى البشير على فضل عبد الله فضل وزيراً لشؤون الرئاسة، وحامد ممتاز وزيراً لديون الحكم الاتحادي وأحمد سعد عمر وزيراً لرئاسة مجلس الوزراء وعوض بن عوف وزيراً للدفاع، والدرديري محمد أحمد وزيراً للخارجية ومحمد أحمد سالم وزيراً للعدل.

تبدو خطوة تعيين حكام الولايات من كبار ضباط الجيش وجهاز الأمن والمخابرات الوطني مفاجئة بالنسبة إلى المراقبين، لكنها تتسق ضمنياً مع ما جاء في خطاب البشير، الذي أعلن فيه فرض حالة الطوارئ. إذ دعا "الجميع إلى النظر إلى دور القوات المسلحة في المشهد الوطني كحامية وضامنة للاستقرار".

حالة ترقب

كان مساء الجمعة محاطاً بالترقب والتأهب من قبل الجميع، إذ لم يكن متوقعاً أن يلقي البشير خطاباً جماهيرياً، وجاء إعلان ذلك وسط موجة من الأخبار المسربة عن إعفاء بعض الوزراء من مهماتهم، أو اتخاذ إجراءات أمنية جديدة على خلفية موجة التظاهرات، التي انطلقت في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

ووسط هذه الحالة المتشنجة، كان الفريق أول صلاح عبد الله قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، مُوجّه مسارات الترقب والتنبؤ ومآلات الأحداث. إذ عقد، مساء الجمعة، لقاءً مغلقاً مع عدد من الصحافيين والإعلاميين، يبدو أن هدفه كان تهيئة الأجواء لما هو آت. إذ سرت بعده أخبار تؤكد عدم رغبة البشير في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، في عام 2020، واستقالته من رئاسة حزب المؤتمر الوطني الحاكم في البلاد.

جاء خطاب البشير مغايراً لما قدمه مدير المخابرات، إذ لم يفصح صراحة عن تخليه عن قيادة حزبه، أو عدم نيته الترشح إلى الانتخابات المقبلة، وترك ذلك للتفسيرات، خصوصاً بعد قوله "أجدد العهد بأن أقف في منصة قومية (رئاسة الجمهورية) لرعاية الحوار لأكون على مسافة واحدة من الجميع، موالين ومعارضين".

كما أن خطوة ترشحه باتت مرتبطة بما ستشهده البلاد مستقبلاً، بعد دعوته البرلمان إلى تأجيل النظر في التعديلات الدستورية المطروحة أمامه منذ شهرين، والتي ستتيح له الترشح للانتخابات المقبلة، لا إلغاءها.

حلول البشير

أقر البشير أن السودان "يجتاز مرحلة صعبة ومعقدة في تاريخه، وبمشروعية بداية الاحتجاجات الساعية نحو الحياة الكريمة ومعالجة الأوضاع الاقتصادية". ولم يشر صراحة إلى الخطاب الذي تبناه المحتجون المطالبون بتنحيه، لكنه تحدث عن قفز البعض إلى الصف الأول للاحتجاجات، مستغلين "الاحتجاجات لتحقيق أجندة تتبنى خيارات صفرية ومجهولة تقود البلاد إلى مصير مجهول، وبثهم سموم الكراهية والإقصاء بين أبناء الوطن".

وعطفاً على ذلك، جدد الدعوة إلى الجميع، خصوصاً الشباب، لتبني الحوار للخروج من المأزق الوطني، الحوار الذي أكد أنه لن ييأس من تجديد الدعوة إليه لتجنيب البلاد "الخيارات الصفرية والعدمية" التي لن تحل المشكلات.

لكن الدعوة إلى الحوار، الموجهة إلى المعارضين وحملة السلاح في البلاد، ليست حديثة العهد. إذ أُعلن عن مؤتمر للحوار الوطني منذ حوالي خمس سنوات شاركت فيه قوى سياسية وقاطعته أخرى ذات ثقل جماهيري، أُختتم بتوقيع وثيقة للحوار الوطني، شُكلت على أساسها حكومة الوفاق. وطوال تلك الفترة لم يتوقف المسؤولون الحكوميون عن الدعوة إلى الحوار باعتباره الوسيلة الأنجع، خصوصاً أن حملة السلاح لم ينجحوا في إسقاط النظام بالقوة، كما لم يتمكن المعارضون من تغيير الحكومة طوال العقود الثلاثة الماضية برفضهم المشاركة في الحياة النيابية.

لم تتضمن دعوة البشير الجديدة إلى الحوار آليات واضحة المعالم، ولم تضع أطاراً زمنياً محدداً، لكنها جاءت شاملة وركزت على عنصر الشباب باعتبارهم الفئة الأبرز في موجة الاحتجاجات. وما هو مطروح، وفق البشير، "هو مسار وإطار جامع للحل وليس الحل بعينه، فالحلول يجب أن يشارك في إنجازها الجميع"، وهذا ما يضع الحكومة في اختبار الإفراج عن المعتقلين السياسيين والنشطاء، الذين أوقفوا خلال الاحتجاجات.

ووثيقة الحوار الوطني المكوّنة للحكومة الحالية، وفق الدعوة الجديدة، ستكون قابلة للتعديل. وهذا ما لم يكن متاحاً مسبقاً، إذ كانت الحكومة ترفض إجراء تعديلات جذرية عليها بحجة أنها محل إجماع وطني.

إصلاح أم انقلاب؟

حالة الطوارئ التي فرضها البشير مدة عام في جميع أنحاء البلاد، جاءت مُكملة لما تشهده ثماني ولايات من أصل 18 من حالات طوارئ مفروضة مسبقاً في أوقات مختلفة. ووفق مراقبين، فإن تعيين البشير حكاماً عسكريين لإدارة شؤون الولايات وتصريفها يُعد انقلاباً على حزبه، وعودة الرئيس إلى مرجعيته وخلفيته، أي "القوات المسلحة"، معتبرين أن هذه الخطوة تمهيد لحل برلمانات الولايات ومجالسها المحلية، وهذا ما يعني إطلاق يد العسكريين بشكل أكبر.

عزز من وجهة النظر هذه، وصول خالد بن حمد العطية، مبعوث أمير قطر إلى السودان، مساء الجمعة، من دون إعلان مسبق، وهو ما أُعتبر أنه تمهيد لمبادرة قطرية تراعي أوضاع الإسلاميين في الحكم مستقبلاً. وعلى الرغم من ذلك، حرص مُجهزو ساحة القصر الجمهوري، حيث ألقى البشير خطابه، على حجز صف لأعضاء المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وكأن اكتمال حضورهم يوحي بموافقتهم على ما سيُقدم عليه البشير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فيما تشير وجهة نظر أخرى إلى أن ما أُعلن ليس سوى محاولة للالتفاف على الاحتجاجات، وإعادة تنسيق وترتيب صفوف الإسلاميين للخروج من المأزق الحالي، وتمضية العام المقبل الذي يفصل عن موعد الانتخابات في ظل حالة الطوارئ، في أجواء حوار لا توجد ضمانات لنجاحه.

من جانبه، يشير عبد الرحمن الأمين، الكاتب والمحلل السياسي، إلى أن "القرارات التي أعلنها البشير هي محاولة لاستجابة مطالب الشارع، لكن الاحتجاجات التي تلت إعلانها تعني أنها جاءت أدنى من سقف المطالب". غير أن الأمين يرى أن "قرار وقف التعديلات الدستورية قد يخفف من حدة الاحتجاجات، لكونه مسبباً بنسبة 50 في المئة لحالة الاحتقان التي يشهدها السودان".

ويقول الأمين إن مدير جهاز الأمن والمخابرات أبلغه أن "البشير فك ارتباطه بحزب المؤتمر الوطني، وهذا ما يعني أنه سيكون مثل غالبية الأحزاب". لكنه أبدى "تخوفه من إعلان الطوارئ" على الرغم من التطمينات التي قدمها مدير المخابرات بأنها لا تهدف إلى "مواجه المحتجين أو كبت الحريات، إنما مواجهة المفسدين ومكافحة المهربين والمضاربين بالعملة، لأن القوانين الموجودة الآن ضعيفة وتحتاج إلى إجراءات استثنائية لمواجهة هذه الظواهر التي يشهدها الاقتصاد السوداني من تدهور في قيمة العملة الوطنية وأزمات الوقود المتكررة وارتفاع الأسعار".

ولخص الأمين جملة القرارات المعلنة في خطاب البشير بأنها "انقلاب أبيض مكتمل الأركان".

تمسك المعارضة بإسقاط النظام

أصدر تجمع المهنيين السودانيين، الذي يقود الاحتجاجات في البلاد، مع ثلاثة تحالفات معارِضة، بياناً مشتركاً، مساء الجمعة، قالوا فيه إن "الشعب السوداني قد حدد تماماً ما يريد، ألا وهو تنحي النظام ورئيسه". ووصفوا إعلان البشير بأنه "محاولات تسويف ومراوغات لتخدير الوضع"، مشيرين إلى أن حالة الطوارئ "تُبيّن حالة الهوان وضعف النظام".

وأكدت المعارضة مواصلتها التظاهر، ووجهت نداءً إلى المواطنين للخروج إلى الشوارع. وهي دعوة وجدت القبول فوراً، إذ شهدت أحياء متعددة من العاصمة السودانية، الخرطوم، تظاهرات مسائية ضخمة استمرت في بعض المناطق للمرة الأولى حتى الفجر، على الرغم من الانتشار العسكري الكثيف وإطلاق القوات الحكومية الغاز المسيل للدموع لتفريقها.

وأعلنت المعارضة جدولاً للتظاهرات يبدأ من السبت ويستمر حتى الاثنين، في جميع أنحاء البلاد، وهذا ما يشير إلى أن الأوضاع في السودان شارفت الانفجار.

ويقول المحلل السياسي فيصل محمد صالح إن "الحوار السابق لم يفضِ إلى نتائج، وأن توصياته وُضعت على الرف، في حين استمر المؤتمر الوطني في الحكم مع توفيره بعض المناصب لمن شاركوه في الحوار". ويضيف "الرئيس البشير يقود البلاد نحو الخيارات الصفرية، إذ كان من الممكن من خلال منصبه القيادي أن يقود البلاد إلى مرحلة انتقالية حقيقية يُشرك فيها كل القوى السياسية والفاعلين في الشارع الآن، وأن يعترف بمطالب الجماهير وبالأخطاء التي يتحمل مسؤوليتها باعتباره رأس الجهاز التنفيذي".

ويشير إلى أن "القيادة على أعلى مستوى في البلاد ترفض الاعتراف بالحراك الجماهيري وتدمغه بأنه محاولة استغلال سياسية لمطالب اقتصادية"، وأن "حالة انسداد الأفق السياسي ستقود نحو معادلة صفرية مسؤولة عنها القيادة السياسية".

المزيد من العالم العربي