حملت الدورة الـ51 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب التي تنتهي في 4 فبراير (شباط) عنوان "مصر/ أفريقيا: ثقافة التنوع"، واختار القائمون على تنظيمها الجغرافي المصري الراحل جمال حمدان "شخصية العام"، ودولة السنغال "ضيف شرف". وشهد يوم فتح أبواب المعرض للجمهور وهو اليوم التالي للافتتاح الرسمي، حادثاً ألقى بظلاله على الحدث الثقافي المصري الأبرز، إذ وافت المنية كاتباً شاباً هو محمد حسن خليفة عن عمر 23 عاماً، متأثراً بأزمة قلبية، علماً أنه كان يستعد للاحتفال بصدور كتابه الأول، وهو مجموعة قصصية بعنوان "إعلان عن قلب وحيد". ونعت وزارة الثقافة المصرية والهيئة المصرية العامة للكتاب وإدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب، "ببالغ الحزن والأسى"، الكاتب الشاب، الذي تأكدت وفاته عقب نقله إلى مستشفى القوات الجوية القريب من مقر المعرض في ضاحية التجمع الخامس في شرق القاهرة.
ولوحظ أن بيان النعي هذا ذكر أن الكاتب أغمي عليه "أثناء تواجده في دار النشر التي أصدرت مجموعته القصصية"، فيما ذكر آخرون أن تدافع جمهور المعرض في ظل إجراءات أمنية مشددة تسبَّب في موت خليفة داخل جناح الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة وهي هيئة حكومية تبيع إصداراتها بأسعار تنافسية، وليس في جناح دار النشر التي أصدرت الكتاب الأول، ومن ثم جرى اتهام وزارة الثقافة بسوء التنظيم.
واشتعلت ردود فعل غاضبة على الفيسبوك بعدما نشرت الكاتبة صفاء النجار رسائل متبادلة بينها وبين الكاتب خليفة على مدى شهورعدة من العام الماضي، بخصوص قصة له أراد أن ينشرها في باب "مرايا الإبداع" في جريدة "الدستور" القاهرية الذي تشرف عليه. ردود الأفعال تلك انطوت على شتائم مقذعة جرى توجيهها مباشرة إلى النجار، وهي قاصة وروائية وتحمل شهادة دكتوراه في الإعلام، بداعي أنه لم يكن يحق لها نشر تلك الرسائل التي أظهرتها صاحبة سلطة تتحكم في النشر، إلى درجة إذلال الراغبين فيه، فما كان منها إلا أن تعلن نيتها رفع الأمر إلى النائب العام ليحقق مع مئات بتهمة "السب والقذف في حقها".
وأعاد عشرات الكتاب نشرَ آخرِ ما كتبه خليفة على صفحته على فيسبوك قبل ساعات من وفاته المفاجئة، على أنه "تنبؤ" بذلك المصير الدراماتيكي، وهو مقتبس من قصة قصيرة له عنوانها "روحي مقبرةٌ": "علَّقت خبرَ موتي أمامي على الحائط، كل صباح ومساء، كنت ألقي نظرة عليه لأطمئن أن ورقة الجورنال التي كُتِب فيها الخبر بخط كبير وصفحة أولى بعيدا عن الوفيات ما زالت سليمة، وتستطيع أن تقاوم مع الأيام القادمة".
أما الدورة الـ51 للمعرض، فقد أقيمت للعام الثاني على التوالي في مقره الجديد في ضاحية "التجمع الخامس"، بمشاركة 40 دولة علماً أنه يضم 808 أجنحة عرض استخدمتها 900 دار نشر، بينها 7 دور نشر للكتاب الصوتي والإلكتروني و75 دار نشر متخصصة في كتب الأطفال، بالإضافة إلى 41 مكتبة من "سور الازبكية"، وهو تجمع شهير لباعة الكتب المستعملة، واشتمل برنامج النشاط المصاحب للمعرض على 3502 فعالية ثقافية وفنية، وجرى للمرة الأولى اطلاق تطبيق الكتروني يساهم فى تيسير أمور الزائرين لاسيما في معرفة أماكن دور النشر وما تعرضه من الاصدارات بجميع بياناتها والفعاليات المصاحبة ومواعيدها.
جوائز المعرض
واحتدم جدل آخر عقب إعلان أسماء الفائزين بجوائز تلك الدورة والذي تمَّ في اليوم الثاني من أيام تدفق الجمهور، مع أنه جرت العادة على الاحتفال بالفائزين في مسابقة أفضل كتب صدرت في العام المنصرم في ختام المعرض. وأشعل الشاعر محمود خير الله ذلك الجدل بعدما "فوجئ" بعدم فوز ديوانه "الأيام حين تعبر خائفة" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب". أما الديوان الفائز بتلك الجائزة فهو "كأول شاعرٍ في الأرض" للشاعر حسن حسن شهاب الدين، من إصدارت دار "أروقة" القاهرية والتي يديرها الشاعر والباحث اليمني هاني الصلوي.
كتب محمود خيرالله، في صفحته على الفيسبوك: "حينما يتقدم محمود خيرالله بديوانه الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2019 إلى مسابقة معرض القاهرة الدولي للكتاب ـ المعروفة بانحيازها إلى قصيدة النثر ـ تتحول اللجنة المشكَّلة من الشاعرين علي منصور وعبدالمنعم رمضان والناقد مجدي توفيق بقدرة قادر إلى النقيض تماماً وتمنح الجائزة لشاعر قصيدة عمودية". وردَّ عليه الشاعر علي منصور قائلاً: "أولاً تمَّ استبعاد "الأيام حين تعبر خائفة" مِن التصويت لعدم مطابقته شروط الجائزة، فرقم الإيداع المثبت في الكتاب يرجع إلى العام 2018، ورفعت اللجنة الأمر للدكتور هيثم الحاج علي (رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، المنظمة للمسابقة) الذي وافق على الإستبعاد دفعاً للطعن في مصداقية اللجنة أو شبهة الإنحياز لمطبوعات الهيئة مع مخالفة الشروط، وهذا الأمر يحسب له. ثانياً أغلب الأعمال التي تقدمت للجائزة كانت تنتمي الى قصيدة النثر، وكل أعضاء اللجنة تصدَّرت قوائم ترشيحاتها أعمالٌ تنتمي إلى هذا النوع الشعري، لكن آليات التصويت التي تم الإتفاق عليها وتحسبها اللجنة أكثر حيادية وشفافية، ذهبت بالجائزة إلى صاحب الحظ. ثالثاً لا أظن أن الصديق الشاعر عبد المنعم رمضان ولا الدكتور مجدي توفيق لهما حساب على الفيس بوك لذا اضطررت لكتابة هذا التعليق".
ولوحظ أنه من بين 14 جائزة، نالت الهيئة المصرية العامة جائزتين فقط، وكانت في السابق تحصد ما لا يقل عن 60 في المئة من إجمالي الجوائز. كما لوحظ خضوع الأعمال المتسابقة للفحص من جانب لجان تحكيم عدة، تغطي كل منها مجالاً محدداً، بعدما كانت لجنة واحدة تتولى تحكيم المجالات كافة في السابق. في مجال الرواية فازت "تمار" للكاتبة مي خالد من اصدارات دار العربي للنشر والتوزيع القاهرية. وفي مجال القصة القصيرة فازت مجموعة "مدار القلب" لمحمد جبريل من إصدار دار "ليفانت لتنمية الموارد البشرية"، وفي مجال شعر العامية فاز ديوان "القلوب عند بعضها - طبقات الخيل" للشاعر ماجد يوسف؛ من اصدار الهيئة العامة لقصور الثقافة.
في مجال الفنون فاز كتاب "إرث الحجر - سيرة الآثار المنقولة في عمارة القاهرة الإسلامية" لرضوى زكي، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفي مجال أدب الأطفال فاز كتاب "خطابات سرية" لعبير محمد أنور، مِن دار "نهضة مصر"، وفي مجال أفريقيا فاز كتاب "الصحافة والإعلام في أفريقيا للباحثة عواطف عبد الرحمن، عن دار "المكتبة الأكاديمية". وفي مجال الكتاب العلمي فاز كتاب "هندسة الصوت من الهوية للاحتراف" لهشام سعادة، عن الهيئة المصرية العامة الكتاب. وفي مجال النقد الأدبي فاز كتاب "اتجاهات السرد في الرواية المصرية المعاصرة" لمحمد أبوالسعود الخياري، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وفي مجال المسرح، فاز "هكذا تتكلم داعش... تراجيديا فقه الخلافة والغزو والجهاد"، للكاتب محمد أبو العلا محمد السلاموني، عن دار المطبعة الأميرية. وفي مجال تحقيق التراث، فاز كتاب "المغني" لابن البيطار، تحقيق محمود مهدي بدوي. وذهبت جائزة أفضل كتاب مترجم عام إلى كتاب "العلاج المعرفي السلوكي" تأليف مايكل نينا وينيى درايدن، ترجمة عبد الجواد خليفة أبو زيد (مكتبة الأنجلو)، وأفضل كتاب مترجم للطفل، "الصياد" تأليف جاو لي هونج وترجمته عن الصينية هبة سمير المطراوي (دار صفصافة)، وفازت دار الكرمة بجائزة أفضل ناشر دار الكرمة، ذهبت جائزة الكتاب الأول في مجال الإبداع الأدبي لنهى إسماعيل عن "أصفاد الروح" (دار روافد)، وفي مجال العلوم الإنسانية فاز كتاب "المسرح والمجتمع من النهضة إلى ثورة 1919" للكاتبة إيمان النمر (دار الكتب والوثائق القومية).
أمسيات الشعر
تشهد قاعة الشعر 33 فعالية خلال عشرة أيام، يشارك فيها شعراء من الكويت، فلسطين، سورية، السعودية، العراق، تونس، المغرب، اليمن، البحرين، موريتانيا، الأردن، لبنان، ومصر. وغاب عن تلك الأمسيات الشاعر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي، من دون سبب معلن، مع أنه كان في الدورات السابقة يحرص على أن تكون الأمسية الافتتاحية له وحده. وتمثل تلك الأمسيات التي يشرف على تنظيمها الشاعر عادل سميح، متنفساً لشعراء قصيدة النثر الذين يعانون من إقصاء الأصوات البارزة منهم من جانب لجنة الشعر في المجلس الأعلى المصري للثقافة. وكان حجازي قد قاطع كذلك الدورة الأخيرة لملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي والتي اختتمت قبل أيام بإعلان فوز الشاعر البحريني قاسم حداد بجائزتها. ولوحظ أن عدداً من الشعراء العرب الذين شاركوا في فعاليات ذلك الملتقى في دورته الأخيرة قد فضَّلوا البقاء في البلد لتتسنى لهم فرصة متابعة أنشطة معرض الكتاب والمشاركة في أمسياته الشعرية. ومن هؤلاء موسى حوامدة ومحمد علي شمس الدين والمتوكل طه والمنصف الوهايبي. وتضمَّنت القائمة كذلك الشاعر العماني سيف الرحبي الذي لم يتمكن من حضور أمسية كان يفترض أن يشارك فيها. وفي القائمة ذاتها: غسان الخنيزي وعلي الدميني ومحمد خضر الغامدي من السعودية، وعلي الفيلكاوي من الكويت، وحسن الوزاني ومحمد الأشعري وإدريس علوش ومحمد الأشعري ومنى وفيق من المغرب، وندى منزلجي ومحمد فؤاد وهوشنك أوسي وهنادي زرقة ورشا عمران وعبد القادر الحصني ومروان علي من سورية، ومن اليمن عبد الولي الشميري وعلوان الجيلاني، ومن العراق ضياء الأسدي وناهد الشمري وعلي الشلاه، ومن البحرين علوي الهاشمي، ومن تونس وئام غداس وآمال موسى، ومن الأردن جومانا مصطفى وعبدالله أبو بكر.
وأعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب طباعة كتب جمال حمدان، "لتوفيرها بسعر التكلفة"؛ بحسب تصريح رئيس الهيئة هيثم الحاج علي، الذي نوه كذلك باشتمال البرنامج الثقافي لهذه الدورة على محور لمناقشة أعمال حمدان، في القاعة الرئيسية التي تستضيف أيضاً محور "مصر أفريقيا... ثقافة التنوع"، ويتضمن ندوات تتناول الثقافة والأدب الأفريقيين، كما أعدت دولة السنغال برنامجاً ثقافياً وفنياً تشارك فيه نخبة من كتابها ومثقفيها، فضلاً عن عروض لفرقة فنون شعبية سنغالية.
وبالإضافة إلى الأنشطة الثقافية والفنية التي ينظمها المعرض سنوياً، استحدثت الهيئة برنامج "القاهرة تنادي" بالتعاون مع دور النشر الخاصة، ويهتم بصناعة النشر، ويتضمن اجتماعات لناشرين من مختلف أنحاء العالم، لمناقشة قضايا النشر والاطلاع على أحدث الاصدارات لترجمتها.
و زادت مساحة المعرض هذه السنة لتصل إلى45 ألف متر مربع، بزيادة قدرها خمسة آلاف متر عن الدورة الماضية. أما آخر صور الجدل فكانت بخصوص منع مكتبة "تنمية" من المشاركة في المعرض. ومعروف أن مدير هذه المكتبة الناشر خالد لطفي يقضي عقوبة السجن لخمس سنوات بعد أن أحيل إلى محكمة عسكرية بتهمة نشر "نسخة مصرية" من كتاب يتضمن سيرة للسياسي المصري الراحل أشرف مروان باعتباره أحد أبرز عملاء الموساد. وكتب المدير الحالي للمكتبة محمود لطفي على صفحته على الفيسبوك: "مكتبة تنمية، اللي هي وجهة مهمة لكتير من رواد المعرض، ممنوعة من المشاركة للعام الثاني على التوالي".
ودعا مثقفون الناشرين المشاركين في المعرض إلى التوقف ساعة يومياً عن بيع الكتب تعبيراً عن الاحتجاج على منع "تنمية" وعلى سجن مؤسسها، ولكن لم تجد الدعوة تجاوباً يذكر. لكن لطفي قرر أن يقيم "معرضاً خاصاً"، طوال فترة المعرض في فرعي المكتبة في وسط القاهرة وفي حي المعادي، بخصومات تفوق مثيلتها في المعرض الرسمي، وكتب: "زوروا تنمية وهتلاقوا فيها كل إللي عايزينه"، وتحتها وسم الحرية لخالد لطفي.