Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اغتيال سليماني يؤرق الديبلوماسيين في الأمم المتحدة

إن رئيساً متشائماً يرى في الحرب استراتيجيةً انتخابية جيدة، بينما يخطّط رئيس متفائل لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، ويبدأ رئيس براغماتي التشاور مع الحلفاء. لكن ترمب ليس واحداً من هؤلاء

مواطن إيراني يمر أمام لافتات رفعت تنديدا باغتيال سليماني  (رويترز) 

لو أن اللواء قاسم سليماني مَثُل أمام محكمة دولية، لكانت هناك مجموعة كبيرة من الأدلة ضده. وستشمل هذه الأدلة تفجيرات مصافي النفط في السعودية، والهجمات على السفن في مياه الخليج، ومساعدة الأسد في تطوير استراتيجيته للقضاء على المقاومة التي تعرض لها حكمه. وتعتبر الأدلة الأخيرة هي الأخطر ضد سليماني، ولكن بعدما نسفه ترمب، لن نراه أبداً يُقدم تفسيرا لأفعاله أمام العدالة.

إن موت سليماني، والطريقة التي قُتل بها، لا يدعوان إلى الاحتفال. هناك شعور عام بالصدمة والحيرة هنا في أروقة الأمم المتحدة، بعدما دخل ترمب إلى خزانة ألعابه وسحب مطرقة مرة أخرى. كان الشد والجذب المعتادين بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل يتعلقان بضربات صغيرة تشتمل على قصف منظومة رادار أو اثنتين إضافة إلى خطابات قوية. ليس هناك من يتوهم أن سليماني كان رجلاً عظيماً. كان الجميع يدركون أنه سيواجه في يوم ما عقوبات على المسرح الدولي. لكننا لم نكن نتوقع ما حصل، خاصةً الآن.

المفارقة هي أن الدول نفسها التي تأخذ على محكمة العدل الدولية في لاهاي عدم فاعليتها دولياً هي ذاتها التي ترفض دعم المحكمة. ولو أن هذه الدول كانت أشد حزماً في دعم  إجراءات دولية لمساءلة المتورطين في جرائم الحرب وانتهاكات المعاهدات، ما كنا لنصل إلى درجة الاغتيالات والتهديدات بالحرب. إن رفض استخدام العدالة الدولية ومن ثم انتقاد عدم فاعلية أنظمة العدالة تلك هو أمر غير منطقي، ومن شأنه أن يجعل العالم مكاناً أكثر خطورة للعيش بالنسبة لنا جميعاً.

يعمل الرئيس ترمب على عزل الولايات المتحدة، ولكن ليس بالطريقة التي أرادها. لقد تعهد في حملته الانتخابية بوضع حد "للحروب التي لا تنتهي،"  لكن يبدو أنه الآن يتجه بخطوات عشوائية للوقوع في حرب جديدة. ومما لا شك فيه أن القادة العسكريين قدموا للرئيس عدداً من الخيارات المختلفة لانتقاء واحدا منها، وكان أقساها توجيه ضربة إلى سليماني. ولسبب مجهول، قرر الرئيس الذي لا يمكن التنبؤ بأفعاله أن يذهب إلى أبعد الحدود بعدما  مارس سياسة ضبط النفس على مدى عدة أشهر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ربما يكون السبب داخلياً، ومن يشكّك في قدرة الرئيس على إجراء توازن بين حرب جديدة وحملة انتخابية وتحقيقات المساءلة ربما لا يدرك هدف ترمب. إن تصعيد التوتر مع إيران يمنح الرئيس موضوعاً لتنشيط تجمعاته الانتخابية، وشيئًا "أهم" للحديث عنه، فيما ينشغل "الديمقراطيون المتقاعسون" بأوكرانيا. من المعروف أن الرؤساء الذين يبدأون الحروب يتمتعون بمزيد من الشعبية على المدى القصير، خاصةً  خلال موسم الانتخابات. وكما تمكّن ترمب من توحيد المحتجين الإيرانيين حول كراهية الولايات المتحدة، ربما يأمل أيضاً في توحيد الأميركيين حول عدو شرق أوسطي.

لكن ما يثير الدهشة هو مدى مضاعفة ترمب الرهان على استراتيجيته، فيما ينأى بنفسه عن حلفائه المحتملين. في هذا الإطار يحمل قرار الولايات المتحدة اغتيال سليماني من دون إنذار مسبق لأي من حلفائها الأوروبيين دلالة بالغة. في العادة، كان الحلفاء سيُبلغون قبل الضربة، كما كانت الولايات المتحدة ستعد بياناً صحافياً جاهزا للتوزيع فور انتهاء العملية. ويدل غياب أي بيان من البيت الأبيض باستناء تغريدة ترمب بالعلم الأمريكي، على إدانة قاطعة للبيئة المحيطة بالرئيس. كما تُعد استقالة مدير مكتب وزير الدفاع بالبنتاغون قبل يومين علامةً أخرى على أن الأمور مشحونة داخل البيت الأبيض.

سيُعمّق الاغتيال الانقسامات في الشرق الأوسط  أكثر من ذي قبل، وقد مرّر البرلمان العراقي بالفعل مشروع قرار لطرد القوات الأميركية من البلاد، وهي  التي يفترض أن تبقى هناك للمساعدة في القتال النهائي ضد داعش ومنع عودته. من جهة أخرى ستعود روسيا بلا شك إلى الصورة. في زمن غير هذا، كان كيسنجر أو الرئيس كارتر أو شخصية ديبلوماسية مرموقة أخرى سيبدأ جولة ديبلوماسية مكوكية  بين الأصدقاء والأعداء. ولكن في هذا الزمن، يصعب تصور طبيعة ردّ الإدارة الأميركية على سؤال من قبيل "ما العمل الآن؟"

قد يسعى رئيس متشائم وراء الحرب كاستراتيجية انتخابية، فيما يمكن لرئيس متفائل أن يُعدّ خطة تهدف إلى توفير قدر أكبر من الاستقرار في الشرق الأوسط بتكلفة أقل. ومن شأن  رئيس براغماتي أن يسارع إلى استقلال طائرة تحمله إلى حلفائه لبدء المشاورات معهم وبناء توافق على المستوى الدولي وفي مجلس الأمن. لكن ما سنراه سيكون على الأرجح عبارة عن خليط من كل ما سبق مع الكثير من الجمل الرديئة واللغة غير المنطقية. وهذا لن يكون جيدا بما فيه الكفاية.

إن إيران ليست كوريا الشمالية، والدليل على ذلك نزول مئات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع. لكن هل تفهم الولايات المتحدة هذا؟ وفي ظل خروج الحلفاء من الصورة، يبدأ ترمب باتخاذ إجراءات متتابعة يؤدي كل منها إلى الآخر، من دون أن  يترك أي مجال لإجراءات أخرى سوى استخدام القوة. والمفارقة هي أن إمعانه بالانعزالية، يجعل قدرته على سحب القوات الأميركية أصعب وليس أسهل. إنه يحشر نفسه في زاوية.

في الوقت الحالي، لدى إيران فرصة لاختيار طريق آخر والمضي قدماً في الدبلوماسية. يمكن أن تعرب عن سخطها البالغ حيال عملية القتل وتُطلق عملية إدانة دولية من دون استخدام العنف. ومع ذلك، هناك احتمال ضئيل للغاية بأن تظل مكتوفة اليدين. لقد أشارت إلى أنها سترد بعمل عسكري، وهذا سيعيد المبادرة إلى أميركا ويضفي الشرعية على أي رد فعلي.

وبينما تتريث إيران في اتخاذ قرارها، يشعر الدبلوماسيون بالأرق أكثر من المعتاد، والأمل معقود على  اتبّاع الولايات المتحدة استراتيجية أفضل في هذا الوقت. سيكون استخدام المحاكم الدولية قراراً حكيماً بدلاً من المضي نحو صراع عالمي. يتعين على إحدى هاتين الدولتين أن تعطي الإنسانية أفضلية على المواقف الأنانية لكي نستفيد جميعاً. ولكن في الوقت الحالي، لا يبدو أن أياً منهما مستعد للتنازل.

(أمين باشا هو اسم مستعار لدبلوماسي يعمل في الأمم المتحدة في نيويورك)

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء