Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حادثة إطلاق نار جماعية تكشف الجانب المظلم للجيش الروسي

رصاصات مجند شاب قتلت 8 من رفاقه لكن والده يتهم السلطات بالتواطؤ

صورة للمجند رامل شَمْسِتْدِينوف معتقلاً عقب اطلاقه الرصاص على زملائه وقتل وجرح عدد منهم (موقع فيكونتاكتيه)

انتظر رامل شَمْسِتْدِينوف أن ينزع الآخرون الأسلحة عنهم أولاً.

بعد ذلك، تململ قليلاً ثم رفع بندقيته وصوبها نحو الجنود القريبين منه. عندها، هرب الضابطان المشرفان، لكن بندقية شمسِتدِينوف لحقتهما.

وحين استنفد الجندي المكلف إبن العشرين عاماً كل العتاد الذي في حوزته، وحدث ذلك بعد الساعة السادسة وعشرين دقيقة مساءً بقليل، كان هناك ثمانية قتلى: أربعة جنود مكلَّفين ومتطوعان وضابطان، إضافة إلى اثنين أصيبا بجروح تحمل خطراً على حياتهما.

احتُجز الجندي المكلف شَمسِتْدِينوف فترة قصيرة، ثم وُجِّهت إليه تهمة القتل المتعمد.

في المقابل، استمر النقاش واسعاً بشأن ما حدث خلال الأسابيع والأشهر التي سبقت وقوع هذه الحادثة بالقرب من بلدة "تشيتا" في شرق سيبريا.

وبالنسبة إلى الجيش الروسي، تسبّبت حادثة إطلاق النار الجماعية تلك، في وقوع أكبر خسارة وأخطر صدمة للانضباط العسكري، خلال عقد بأكمله. وشكّلَتْ أفظع ما حدث في وحدة النخبة العسكرية التي تخدم في ترسانة أسلحة البلاد النووية.

في المقابل، تصر وزارة الدفاع على اعتبارها حادثة منفردة. إذ عانى الجندي الذي ارتكبها انهياراً عصبياً، ما يعني أن الحادثة "ليس لها علاقة بالخدمة العسكرية".

في العلن، نأى الكرملين بنفسه عن الحادثة. وفي مؤتمر صحافي جرى أخيراً، قطع دميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الرئيس فلاديمير بوتين، كل الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع، معتبراً أنه من "غير اللائق" توقّع أن يجيب الرئيس عنها. وأصر على أن حادثة إطلاق النار "مأساة، لا تقول شيئاً عن النجاح في تحقيق إصلاح للجيش الروسي".

مع ذلك، بدأت التفاصيل في التسرّب حول الظروف المحيطة بعملية إطلاق النار، وأثارت [بالاستناد إلى] سجل سيء للجيش الروسي، إمكانية حصول مقدار من التنمر المؤسساتي وأنه أدى دوراً أساسياً في وقوع الحادثة. 

بعد يوم على حدوث إطلاق النار، بدأ الإعلام المحلي ينشر تقارير ركزت على أحد الضابطين المقتولَين. إذ حاز ذلك الشخص سمعة تفيد بأنه يتّصف بقسوة متميزة عن غيره. وبحسب أحد الجنود السابقين ممن خدموا في وحدة النخبة بشرق سيبريا، دأب ذلك الضابط على حرمان الجنود المكلفين الجدد من النوم، وطلب المال أو الطعام منهم، و"إذلالهم" بطرق شتى.

وذكر هذا الجندي السابق الذي عرّف نفسه بأنه "ديميتري دي"، "أنا لا ألوم ذلك الشاب [مُطلِقْ النار]... أنا أفهم أنه لم يتمكن من التحمّل أكثر".

وقبل أيام من الحادثة، زعمت مفوّضة عن جماعة مدنية محلية تمثّل أمهات الجنود، أن آمِراً عسكرياً اعترف لها بأنه كانت هناك "مضايقات" في الثكنات. وفي حديث لها مع صحافيين محليين، أعطت فالنتينا موردوفا تفاصيل أكثر عما قد يكون حدث قبل إطلاق النار.

وفي هذا الصدد، أوردت إنه "من الصباح إلى المساء، كان راميل شمسِتدِينوف موضع اعتداء لفظي... لكن قدره تحدد حين أجبره ملازم أول، في المساء، على غسل المرافق الصحية، ما دفعه إلى المقاومة. ورداً على ذلك غمس الضابط وجهه في المرافق مراراً حتى الساعة الخامسة فجراً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد مضي فترة قصيرة على ملاحظات مورودوفا، نُشر فيديو مثير للاضطراب، يظهر فيه جندي مُكَلّف جديد يتعرض لتعذيب مماثل. إذ يُرى في الفيديو جندي شاب منزوعة عنه ملابسه، بينما يدفع وجهه مراراً إلى أسفل، داخل حوض مرحاض. بعد ذلك، ينتقل الفيديو إلى مشهد آخر، يظهر فيه الجندي وعلى ظهره آثار حروق جديدة، بينما كان معذبوه يبولون عليه. في المقابل، رفضت وزارة الدفاع الروسية بغضب هذا الفيديو معتبرة إياه زائفاً ومصمّماً من أجل الانتقاص من الجيش.

في الحقيقة، كما اتضح لاحقاً، لم يكن الجندي الشاب في الفيديو هو رامل شمسِتْدِينوف، لكن بالنسبة إلى كثيرين، يثير وجود فيديوهات كهذه بحد ذاتها، غضباً شديداً. إذ أنها تؤكد أن التقارير المنشورة عن الحادثة لا تشير إلى ما لحق بالجندي شمسِتدِينوف من أذى، وأنها ليست ممارسة وقعت مرة مفردة، بل تعكس سلوكاً إجرامياً مؤسساتياً.  

وفي حديثه مع الاندبندنت، ذكر سالم، والد رامل شَمسِتْدينوف، إنه "لا يعرف" ما يمكن استنتاجه من الشهادات المتناقضة عما حدث في الثكنات الواقعة في شرق سيبريا. وأورد أن كل ما يعرفه يتمثّل في أن ابنه كان "شاباً منتظماً عادياً" لم تظهر عليه علامات الضيق قبل مغادرة بيته والالتحاق بالخدمة العسكرية في الصيف.

وقد رفض الأب شمسِتْدِينوف، التحدث عن مقابلات سابقة، اتهم فيها السلطات بالتواطؤ لـ"تغطية" الأذى المؤسساتي الذي يحيق بالجنود المكلفين.

وكشفت تلك اللقاءات عن أن ابنه أصبح ميالاً إلى العزلة أكثر فأكثر، خلال الأشهر التي كان يؤدي فيها خدمته العسكرية. إذ توقف الشاب الجندي عن مكالمة عائلته خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، بحسب والده، لكن ليس قبل أن يُطلب منه إجراء تحويل نقدي لحسابات أشخاص أغراب. ووفق حديث الأب سالم شمسِتدِينوف إلى صحيفة الاندبندنت، لقد كان "أسبوعاً طويلاً"، لكنه توقف عن الكلام [عند تلك النقطة] وأغلق الهاتف.

في مقلب آخر من تلك الصورة، ذكرت فالنتينا ملينكوفا، "رئيسة اتحاد لجان أمهات الجنود" لكل روسيا، إن التقارير المنشورة كانت متناسقة في تأكيدها على وقوع "مئات وربما آلاف" الحالات المتماثلة التي وصلت إلى مكتبها.

وفي هذا الصدد، أوضحت أنها "ليست متأكّدة مما حدث، لكن التفسير الأبسط يتمثّل في أن الشاب ضُغِط عليه إلى الحد الأقصى... لقد حُرم من النوم، وطُلب منه تسليم نقود، وتعرض لمضايقات، وأرسِل لتنفيذ أوامر كل بضع ساعات. لقد تصرَّفَ [شمسِتْدِينوف] في لحظة غضب جارف. وحين تُحرم من النوم، وتُعطى بندقية، فإن أمورا فظيعة يمكن أن تحدث".

وكذلك أشارت الناشطة المدنية ملينكوفا إلى أن قصة هذه الحادثة تشبه ما كتبه أنطون تشيخوف في قصته القصيرة المشهورة "نعسانة"، وفيها يتحدث عن بنت عمرها 13 سنة، تُحرم من النوم، بسبب بكاء متواصل لطفل صغير، فلا تنام، ثم لا تنام، ثم لا تنام أكثر. وفي النهاية، تضع الصبية خطة رهيبة، إذ تخنق الرضيع، قبل أن تتمكن أخيراً من الغرق في  نوم عميق. وخلصت ملينكوفا إلى تعليق مفاده "إنه التفسير الأبسط... وقوع انهيار نفسي قسري".

وتجدر الإشارة إلى أن إلحاق الأذى بالجنود الصغار غير مقصور على روسيا، ويبدو أنه يحدث بشكل منتظم في كل جيوش العالم، لكن الجيش الروسي بالخصوص له تاريخ مثير للقلق حين يكون الأمر متعلقاً بالتنمر المؤسساتي والعنيف. إذ يُطلَقْ على إذلال المجندين الجدد تسمية "قاعدة الأجداد" (ديفوشينكا).

ويعود جذر هذه الممارسة إلى الفترة الأخيرة من تاريخ الاتحاد السوفييتي، لكنه أصبح مشكلة بارزة بعد انهيار النظام الشيوعي. إذ بدأت حالات خطيرة يبلغ عددها الآلاف سنوياً في الحدوث، وقد بلغت الحالات أسوأ مستوى لها في 2005، حين قُطعت ساقا الجندي أندريه سيشيوف وأعضاؤه الجنسية بعد تعرضه لساعات من التعذيب على يد جنود زملاء له.

وأصبحت تلك اللحظة نقطة تحوّل. وكذلك هزّت قادة الجيش الذين ظلوا متقاعسين حتى ذلك الوقت، ودفعتهم إلى القيام بإصلاح للجيش. وأدت أيضاً إلى تقليص الخدمة العسكرية الإجبارية من سنتين إلى سنة، والانتقال إلى الخدمة العسكرية المرتكزة على التعاقد مع المنتسبين إلى الجيش.

وفي ذلك الصدد، أفادت تانيا لوكشينا، مساعدة مدير "مرصد حقوق الإنسان، قسم أوروبا وأواسط آسيا" إنه "كان لتقليص الخدمة الإلزامية بعد قضية سيتشيوف تأثيراً إيجابياً مباشراً على التنمر، وتحسّنت أيضاً المخصصات وظروف العيش بشكل ملحوظ".

وقبل انتهاء 2012، تحسّن الوضع إلى حدّ أنه لم يُبَلّغ عن حالات إيذاء، إلى لجان أمهات الجنود التي تترأسها فالنتينا ملينكوفا على المستوى الوطني.

في المقابل، شرع ذلكل كله في التبدل أواخر 2013، بحسب ما نقلت ملينكوفا إلى صحيفة الاندبندنت. وتزامنت تلك اللحظة مع تعيين سيرجي شويغو، أحد زملاء بوتين المقربين، وزيراً للدفاع.

وتحتَ سلطة شويغو، بدأ الجيش يهتم بشكل أقل بقضايا الانضباط العسكري، "لقد كانت هناك الحرب مع أوكرانيا، وكان الوزير أكثر قلقاً على عمله الإيديولوجي المتمثّل في التربية الوطنية وجيش الشباب الجديد".

وخلصت ملينكوفا إلى أن رفض الكرملين الرد على الحادثة يتوافق مع عودة نسق "اللامبالاة" الذي كان سائداً في أوقات سابقة.

وأضافت، "إذا كان وزير الدفاع لا يخبر الرئيس بالحادثة، فإنه ليس وزيراً، وبوتين ليس قائداً أعلى... لكنك إذا دققت في حياة هذين الرجلين المهنية، ستًدرك أن أياً منهما لا يمتلك منظومة أخلاقية تعتبر رفاهية مرؤوسيهم، أولوية بالنسبة إليهم".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات