Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واشنطن ترصد أسلحة إيران الانتقامية من "الهاكرز" إلى "حزب الله"

طهران ليست في وضع يسمح لها بشن حرب شاملة... وهذه هي لائحة أهدافها المحتملة

الحسابات الخاطئة لخامنئي قد توقعه في مشكلات أكبر (غيتي)

عكست التصريحات والتحركات الأميركية الأخيرة استعداداً لمواجهة محتملة بقوة مع إيران، حيث أرسلت واشنطن 3500 جندي إلى الشرق الأوسط وعززت السفارات الأميركية إجراءاتها الأمنية، وحذرت الولايات المتحدة مواطنيها في عدة بلدان بتوخي الحذر أو مغادرة البلاد، كما رفعت مدناً أميركية من حالة التأهب. لكن على الرغم من كل هذه الاستعدادات، استخدم الرئيس الأميركي دونالد ترمب لغة غير تصعيدية بقوله إنه لا يسعى إلى الحرب مع إيران ولا يسعى إلى تغيير النظام، فيما توقع عدد من الخبراء السياسيين والأمنيين في واشنطن رداً إيرانياً محدوداً على قتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في قصف استهدف سيارته في بغداد.

على عكس ما يتوقعه بعض المراقبين ويحذرون منه، فإن عدداً آخر من الباحثين المتخصصين في الشأن الإيراني بالعاصمة الأميركية يتوقعون رداً محدوداً من جانب إيران على قتل الولايات المتحدة قاسم سليماني الذي يعد من أبرز القادة العسكريين الإيرانيين إن لم يكن أكثرهم صيتاً في الغرب.

لا حرب عالمية ثالثة

ويشير هؤلاء إلى أنه على الرغم من التصريحات الإيرانية بانتقام قاس، إلا أن الحرب العالمية الثالثة التي ترددت أصداؤها على مواقع التواصل الاجتماعي لن تحدث، حيث من المرجح أن يخضع الرد الإيراني لحسابات دقيقة تتعلق بالنظام في طهران وبوضع إيران الاقتصادي فضلاً عن حسابات أخرى عدة.

ويقول راي تقيه وهو كبير باحثين في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، إن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي حذر بطبعه ويفضل الاحتراس، وهو لم يصبح أحد أكثر الحكام في الشرق الأوسط استمراراً في السلطة إلا بفضل ابتعاده عن الدخول في حرب دموية مع الولايات المتحدة.

على فوهة بركان

ويوضح الباحث الأميركي المتخصص في الشأن الإيراني، أن القادة الدينيين في إيران يأخذون الحزم والإصرار الأميركيين مأخذ الجد، ويدركون عدم التوازن بين قوة عسكرية واقتصادية عظمى كالولايات المتحدة، وبين لاعب إقليمي مثل إيران، كما أن الإيرانيين والمرشد خامنئي لم يكتشفوا أبداً دونالد ترمب الذي يعرض عليهم باستمرار الدخول في مفاوضات غير مشروطة، ولكنه يضع في الوقت ذاته الاقتصاد الإيراني على فوهة بركان، ولهذا قد يستمتع الملالي في إيران بشن هجوم على الولايات المتحدة، لكنهم يتوخون الحذر عندما يواجهون رئيساً أميركياً لا يتوقع أحد أفعاله وقراراته، حيث كان قرار ترمب قتل سليماني نفسه من الأفعال التي لم يتوقعها حكام طهران.

إيران غير مُهيأة

ويشير أليرزا نادر، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنه في الوقت الذي تستعد فيه واشنطن لرد دموي من جانب إيران، إلا أنه على خامنئي أن يكون حريصاً على اختيار التصعيد، حيث لا يبدو أن الجمهورية الإسلامية في وضع يسمح لها بشن حرب شاملة ضد الولايات المتحدة، لأن العقوبات الأميركية دمرت الاقتصاد الإيراني، وبسببها واجه النظام الحاكم في طهران أسوأ اضطرابات واحتجاجات داخلية منذ ثورة 1979 مما أدى إلى مقتل 1500 من المحتجين الإيرانيين، فضلاً عن إصابة واعتقال وسجن عدة آلاف آخرين.

ويضيف الخبير المختص بالسياسة الخارجية والأمن القومي الأميركي، أن خامنئي ينظر إلى هذه الاضطرابات باعتبارها جزءاً من مؤامرة أوسع تستهدف الإطاحة بنظام الحكم في إيران، ولهذا فهو يستعد للمزيد من الاضطرابات والتمرد الشعبي في المستقبل، وقد يكون هذا أحد الأسباب التي تجعله ينتقم لمقتل سليماني، ولكن من دون أن يغامر باستمرار نظام حكمه المحفوف حالياً بالمخاطر.

الباب المفتوح

ويقول موقع ذي هيل الأميركي، إن خامنئي يعرف أنه لا يستطيع تحمل العقوبات الأميركية لفترة طويلة، وقد يحتاج إلى نوع من الاتفاق مع واشنطن في المستقبل القريب، وإذا كان قتل سليماني سيجعل المفاوضات مع إدارة ترمب أمراً بغيضاً بشكل كبير، فإن المفاوضات ستكون أيسر وأكثر قبولاً مع إدارة أميركية مختلفة ترغب في عودة واشنطن إلى اتفاق إيران النووي الذي انسحب منه ترمب، أو تفضل إعادة التفاوض عليه من جديد، ولهذا فإن حكام طهران الراغبين في الانتقام لمقتل سليماني لن يفعلوا ذلك بطريقة توصد الباب المفتوح حالياً أمام التفاوض حول العقوبات.

وبينما يبدو للبعض أن شن إيران هجمات على مصالح أو قوات أميركية سوف يثأر للنظام الإيراني، ويُكسبه قوة أكبر في الشرق الأوسط وأمام العالم، مما يُسخن الأجواء ويثير قلق الناخبين الأميركيين الرافضين للحروب في عام حسم الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن الحسابات الخاطئة لخامنئي ورجالات السلطة في إيران قد توقعهم في مشكلات أكبر يدفعون ثمنها، مثلما كانت حساباتهم الخاطئة سبباً في قتل سليماني في بغداد.

حسابات خاطئة

ويشير موقع بوليتيكو الأميركي إلى أن سليماني أخطأ في حساباته عدة مرات، فهو لم يتوقع نشأة تنظيم الدولة الإسلامية – داعش – في العراق على الرغم من أن سياساته كانت سبباً من أسباب ظهوره، كما أن التظاهرات الضخمة التي شهدتها بغداد والعديد من المدن العراقية من الشيعة ضد النفوذ الإيراني خلال الشهرين الأخيرين، مثلت ضربة أخرى لافتراضاته المسبقة عن العراق ومستقبله، بل إن محاولات سليماني إنشاء ممر بري يربط العراق بسوريا، دمرته وأنهته الضربات الجوية الإسرائيلية، فكان من الحسابات الخاطئة التي لم يفطن لها سليماني. وعندما شن جورج دبليو بوش حملة الصدمة والرعب، فأطاح بحركة طالبان من أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثم أطاح بعدها بشهور بالرئيس العراقي صدام حسين، استجابت إيران بوقف برنامجها النووي آنذاك. ولهذا قد لا تبالغ طهران من رد الفعل مع إدارة الرئيس ترمب وتكتفي بعمل محدود قد يكون محاولات هجوم إلكترونية سيبرانية على مؤسسات أميركية بما لا تراق معه دماء تستتبع رداً أميركياً.

 البدائل

ويشير نيسان رافاي وهو خبير في الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمة الدولية، إلى أن أمام الإيرانيين قائمة من البدائل التي يمكن أن يعتمدوها بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد يستهدف الرد مواطنين أميركيين أو مصالح ومنشآت أميركية أو حلفاء الولايات المتحدة، كما قد يشمل أكثر من هدف، وقد يكون ذلك في الشرق الأوسط أو في أماكن بعيدة منه حول العالم، وقد تكون هذه الهجمات وشيكة وقد تستغرق بعض الوقت. لكن نيك راسموسن المدير السابق للمركز القومي لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، أوضح أن قدرات إيران الخارجية يمكن تقسيمها إلى ثلاث دوائر رئيسة، تتمثل أولاها في المناطق المجاورة لإيران حيث تستطيع طهران أن تشن هجوماً فورياً مثل الاعتداء الذي شنته الميليشيات العراقية المدعومة إيرانياً على السفارة الأميركية في بغداد قبل أيام قليلة. أما الدائرة الثانية فتقع في إطار أوسع لكن داخل الشرق الأوسط، وقد تستغرق وقتاً أطول لتنفيذ الانتقام، لكن التنظيمات والميليشيات الموالية لإيران يمكن أن تهدد المواطنين ورجال الأعمال والسياح الأميركيين، في حين تقع الدائرة الثالثة والأخيرة في بقية أنحاء العالم بما في ذلك جنوب شرقي آسيا وأميركا اللاتينية. وعلى الرغم من أن قدرات إيران في هذه المناطق أقل تقدماً، إلا أنه لا يمكن إغفالها.

ومن أهم الأهداف التي رصدها الباحثون الأميركيون ما يلي:

المنشآت العسكرية الأميركية

توجد حالياً للولايات المتحدة قوات متمركزة على امتداد الشرق الأوسط والخليج، بما في ذلك العراق وسوريا وقطر والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة.

ومنذ الثمانينيات، تمكنت إيران من تسليح وتدريب شبكة من الميليشيات الشيعية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وأماكن أخرى، تمكنت خلالها من شن هجمات قاتلة ضد أهداف أميركية وضد حلفاء للولايات المتحدة.  وتسمح هذه الجماعات والميليشيات الوكيلة لإيران ممارسة نفوذ عسكري وسياسي بثمن قليل نسبياً، بينما تدفع خصوم إيران إلى التفكير مرتين قبل شن هجوم مباشر على الأراضي الإيرانية.

ويمكن لشركاء إيران في العراق شن هجمات على 5000 من القوات الأميركية المنتشرة في العراق، أو ضد السفارة الأميركية في بغداد أو على القنصلية الأميركية في أربيل أو الأميركيين العاملين في صناعة النفط.

كما بوسع إيران استهداف مئات من المتعاقدين الذين يدعمون القوات الأميركية.

وفي سوريا، حيث توجد قوة أميركية صغيرة تتكون من عدة مئات، تتوافر لإيران مجموعات من المقاتلين الشيعة المدعومين من الحرس الثوري الإيراني والمستشارين العسكريين الذين يمكنهم استهداف القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا أو حلفائهم من الأكراد.

السفارات الأميركية

على الرغم من أن السفارات الأميركية في الشرق الأوسط محصنة بقوة، إلا أنها لا تزال مُعرضة لهجمات من إيران، مثلما حدث مع السفارة الأميركية في بغداد قبل أسبوع، ومثلما حدث في طهران عام 1979، فضلاً عن محاولة تفجير السفارة الأميركية في الكويت من قِبل إيران وجماعات وكيلة.

منطقة الخليج

بعيداً من هجمات التنظيمات والميليشيات الوكيلة لطهران، تستطيع إيران أن تستخدم صواريخها وترسانتها من طائرات الدرون المسيرة لإحداث ضرر ضد ناقلات البترول في الخليج أو في عرض البحر، أو تستهدف منشآت نفطية في الخليج.

أما إذا رغبت إيران في نقل الصراع إلى مستويات درامية، فإن ذلك يكون بتنفيذ طهران تهديداتها السابقة بإغلاق الممر البحري أمام ناقلات النفط في خليج هرمز وزرع الألغام فيه.

يقول الباحثون الأميركيون إن إيران يمكن أن تستهدف حلفاء واشنطن الذين تعتبرهم خصوماً لها مثل إسرائيل أو السعودية أو الإمارات، حيث يمكن لحزب الله شن هجمات بالصواريخ على إسرائيل.

خطف أميركيين

يقول كليمن ثيرم الباحث في معهد العلوم السياسية في باريس، إن أحد الردود الإيرانية المحتملة يتمثل في خطف مواطنين أميركيين من أي مكان حول العالم واتخاذهم رهائن، بخاصة في بلدان مثل العراق وأفغانستان، حيث طالبت الولايات المتحدة رعاياها بمغادرة البلاد فوراً تحسباً لهذه الإمكانية.

وفي لبنان حيث يسيطر حزب الله على مطار بيروت ومناطق أخرى في البلاد، فقد يتحقق خطف أميركيين هناك. ويؤكد خبراء أمنيون أن نشاط حزب الله لا يقتصر على الشرق الأوسط وإنما يمتد إلى أماكن أخرى حول العالم، وبخاصة في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وبقدر أقل داخل الولايات المتحدة.

حروب إلكترونية

يقول مسؤولون استخباراتيون إنه من المرجح أن تشن إيران هجمات إلكترونية سيبرانية على الولايات المتحدة مباشرة، إلا أن التحضير لمثل هذا الهجوم انطلاقاً من الأراضي الأميركية سوف يستغرق بعض الوقت من أجل التنظيم والتخطيط.

وتشير تيريزا بايتون المسؤولة السابقة عن المعلومات في البيت الأبيض، والمديرة التنفيذية حالياً في شركة فورتاليس للأمن السيبراني، إلى أن إيران طورت من قدراتها السيبرانية حتى تكون قادرة على التجسس وجمع معلومات استخباراتية، كما تستخدم هذه القدرات في نشر الفوضى.

عِبَر التاريخ

 ومع حالة الترقب والانتظار لما يمكن أن تقوم به إيران، أشار مراقبون إلى أن نظرة سريعة على الماضي ربما تساعد في فهم الحاضر وقياس رد الفعل المتوقع من طهران، خصوصاً مع الرؤساء الجمهوريين الذين اتخذوا مواقف صارمة وحاسمة حيال إيران أو الشرق الأوسط، فعندما تولى رونالد ريغان سلطة الرئاسة في الولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) عام 1981، سارعت إيران إلى إطلاق سراح الدبلوماسيين الأميركيين الذين كانت تحتجزهم في السفارة الأميركية في طهران كرهائن لمدة 444 يوماً.

المزيد من الشرق الأوسط